إلى أهلنا فِي السويداء ( سوريا ) هذا سلطان باشا الأطرش يُحييكم. وإلى أهلنا في الجليل والكرمل ولبنان والأردن هذا سلطان باشا الأطرش يُناديكم احفظوا إخوانكم.

صدى وادي التيم – أخبار العالم العربي /

إلى أهلنا فِي السويداء ( سوريا )

هذا سلطان باشا الأطرش يُحييكم.

إلى أهلنا في الجليل والكرمل ولبنان والأردن هذا سلطان باشا الأطرش يُناديكم … احفظوا إخوانكم.

المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :

إذا ما ألقينا نظرة هذه الأيام الصعبة على جميع الدول العربيَّة من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر سواء كانت هذه اللفتَّة أو النظرة سياسيَّة أو ثقافيَّة أو علميَّة أو حضاريَّة أو فكريَّة  أو تقدُّم علمي.

لا نستغرب ولا نسأل عن سبب تأخرنا وتشرذمنا وانقسامنا ومماحكات بعضنا البعض لأنَّ :

الإسلام العربي الحاكم بمذاهبه الثلاثة السني والشيعي والعلوي والذي يدعم القادة السياسيين بشراسة هم الذين قضوا على الفكر والفلسفة والعلم والحرية. 

الإسلام العربي بمذاهبه، والانتهازيين المُتأسلمين إمَّا سُنة تركيا أو شيعة إيران هم الذين نحروا العقل والحريات من الوريد إلى الوريد في البلاد العربيَّة، مِن خلال إحياء فتاوى إبن تيميَّة أو غُلو تفسيرات الحوزات العلمية لولاية الفقيه، والتي يتلظَّى ويكتوي بنارها شعوب الدول العربيَّة المسلمين وباقي شعوب الديانات السماويَّة الأُخرى.

الإسلام العربي هو مَنْ غضَّ الطرْف عن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأُمَّة أمر دينها ).

وكما انشغل كهنة القسطنطينية أثناء حصارها ( هل الملائكة ذكور أم إناث) ؟

هكذا ينشغل الغباء العربي اليوم ( هل أنت شيعي أم أنت سني أم أنت نُصيري أم أنت مُوحِّد درزي أم مسيحي ).

انشغل العرب بالماضي فضاعت الأندلس وفلسطين.

ويأتيك المتنبي قبل ألف عام ليقول :

نامَت نواطيرُ مِصرَ عن ثعالِبها

فقد بَشِمنَ وما تُفنى العناقيدُ

ويأتيك سلطان باشا الأطرش في عصرنا الحديث ليقول :

( الدين لله، والوطن للجميع ).

ويأتيك من يقول يرحمك الله يا غضنفر يا سلطان العرب بموتك شرَدَتْ وعاثتْ الثعالب في بلادنا فساداً وموبقاتاً.

من هو الغضنفر الذي يُحييكم، يا أهلنا في جبل العرب.  من هو الذي يُقريكم السلام ويُناديكم بأن تتوحدُّوا وترفعوا رايات حفظ الإخوان، يا أهلنا فِي الجليل والكرمل ولبنان والأردن.

إنَّه سلطان باشا الأطرش، يكفي الإسم فخراً وعزاً لنا.

تاريخ ولادته : ٥ آذار ١٨٩١م.

تاريخ وفاته : ٢٦  آذار ١٩٨٢م.

هو قائد جيوش الثورة الوطنية السورية.

كاتب أهم وثيقة في التاريخ العربي الحديث تتألف من أربعة كلمات الدين لله، والوطن للجميع.

سلطان باشا الأطرش شخصيَّة عربية فذَّة لم يُنصِفها التاريخ العربي الحديث، بل بقيَّت صفحة غير مكتوبة مِن مجلَّد عربي ضخم، يتضَمَّن قصص عدم الوفاء وما أكثرها

في ليالي سوريا المكفهرَّة هذه الأيام، حيث يُخيِّم الظلام الديني والدنيوي على الأراضي التي تشهد وتسرح وتمرح في مدنها وقراها ودساكرها جماعات مُسلَّحة  وشبيحة تعيث بطول البلاد وعرضها تخريباً ونهباً وتدميراً، فأُستبيحت الحُرُمات والحريات والسرقات دون وازع من ضمير أو أخلاق.

في هذه الظروف المؤلمة، أتذكَّر سلطان باشا الأطرش كما يتذكَّر أهالي جبل العرب السوري ( جبل الدروز ) اليوم قائد جيوش الثورة الوطنية السورية الذي لو جرى تطبيق جزءاً من إعلان  الثورة التي نادى بها والقائلة :

( إلى  السلاح، إلى السلاح ) بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥، والمتضمنة مبدأ ( الدين لله والوطن، للجميع ) في الدساتير التي تلت الاستقلال، كانت سوريا وغيرها من البلاد العربيَّة قد تجنَّبت هذه الحروب الأهليَّة الطاحنة.

هذا الإعلان الذي نادى به سلطان الاطرش، يماثل في عنفوانه إعلان الإستقلال الأميركي الذي كتبه :

Thomas Jefferson  في وثيقة الاستقلال :

 Declaration of Independence،  في ٤ تموز ١٧٧٦م.

هذا الإعلان طبَّقته الولايات المتحدة الأميركيَّة في دستورها الصادر بالعام ١٧٨٧م، حفاظاً  وتكريماً لشهداء إستقلال أميركا.

وحتى أكون صادقاً، استأنست في دراستي عن سلطان باشا الأطرش بالمراجع العربيَّة ولم أجد ما يُشبع نهمي، لأنَّ بعض المؤرِّخين العرب الذين كتبوا سيرة هذا البطل كانوا من المرتزقة المأجورين الذين لم يعطوا هذه الشخصيَّة التاريخيَّة حقها.

وحتى أصل إلى خواتيم بحثي اعتمدت على المؤرِّخين الفرنسيين والإنكليز أكثر من أقرانهم العرب، نظراً للمصداقية المبنية  على حقائق تاريخيَّة أغفل عن تدوينها مؤرخو تلك الحقبة من العرب، باعتبارهم مأجورين لطمس الحقائق عن هذه الثورة ومبادئها.

في الغرب، لكل ثورة بطلٌ واحد، يساعده رجالات عظام، فهذا جورج واشنطن بطل الإستقلال وأب الولايات المتحدة الأميركيَّة دون منازع، ومنذ وفاته تعْمَدْ حكومات الولايات المتحدة على تعظيمه، دون إشراك أحد في زعامته المطلقة.

وحتى لا تضيع مبادئ الثورة جرى تقنينها بمواد مضيئة  بالدستور الذي يُعتمدْ، حتى يجري تطبيقها بعد الثورة، لأنَّ الأرواح التي زُهقَّت والشهداء الذين سقطوا على مذبح الحرية، يجب تكريم أرواحهم  وتضحياتهم بمواد تحفظ استمرارية وزخم الثورة.

أمَّا عند المؤرِّخين العرب، فإنَّ بطل الاستقلال يُعتمد في كل دولة حسب معايير تناسب الحاكم الذي إستولى على الحُكْم بعد الاستقلال.

مِن المعايير التي طُبِّقت  في تأريخ  وتدوين الاستقلال عند بعض الدول العربيَّة :

 -/ إعتماد التوازن الطائفي لتحديد أبطال الاستقلال.

 -/  إعتماد المكان الجغرافي لإنتقاء أبطال الاستقلال.

وبسبب هذه المعايير الفضفاضة في تحديد بطل الاستقلال دون سواه، تضيع المبادئ الحقيقية للثورة التي أعلنها في وقتها القائد أو البطل، كما ضاع هذا المبدأ ( الدين لله والوطن للجميع ) الذي أعلنه سلطان باشا الاطرش، في الدساتير المتلاحقة والمتعدِّدة في سوريا وغيرها من الدول.

دائماً  في دراساتي التاريخيَّة لا أعتمد على سرد السيرة الذاتية للشخصية التي أتناولها بقدر ما أهتم  إلى أيام معدودات مِن حياة هذه الشخصية، وعمَّا إذا كان لها تأثير في مجرى التاريخ، كالأيام القليلة من حياة خالد بن الوليد لمَّا اجتاز الصحراء ما بين العراق وسوريا في خمسة أيام لنجدة جيوش المسلمين في فتح الشام.

كذلك مسيرة  General  Sherman  التي ساعدت على إنهاء الحرب الأهلية الأميركيَّة.

كذلك، قيادة  General  Patton لأسرع جيش في العالم في الحرب العالميَّة الثانية.

من هذا المنطلق يدور بحثي عن بطل الإستقلال في سوريا. إنَّه من دون شك سلطان باشا الأطرش في إعلانه إلى  السلاح، إلى السلاح بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥

حيث حدد الآتي :

– وحدة البلاد السورية.

– قيام حكومة شعبية.

– جلاء الجيوش الأجنبية.

– تأييده مبادئ الثورة الفرنسية.

– الدين لله، والوطن للجميع.

يهمني من إعلان سلطان باشا الاطرش هذا المبدأ :

الدين لله، والوطن للجميع ..

أنَّه يُشبه إلى  حدٍ  كبير ما تضمَّنه الدستور الأميركي عن الدين، والذي ما زال من يثير أو يفاخر بدينه على حساب الأديان الأخرى، يُعتبر  جريمة اتحادية، Federal Crime

هذا المبدأ، لو جرى إعتماده في الدساتير التي تلت الثورة، والتي تغيَّرت وتبدَّلت على مرّ الزمن، كانت سوريا بالذات أنقذتها هذه المادة، وكان حتماً هذا المبدأ سيغيِّر مجرى التاريخ.

– بتاريخ ٢٥ أيلول ١٩١٨، لبَّى سلطان الاطرش نداء الثورة العربيَّة الكبرى بقيادة الشريف حسين وقام مع إخوانه المجاهدين باحتلال قلعة بُصرى الشام.

– وفي نفس السنة من العام ١٩١٨ اشتبك مع الأتراك والألمان في تلال المانع، على مشارف دمشق.

– دخل دمشق في ٣٠ أيلول من العام ١٩١٨م. ورفع العلم العربي فوق دار الحكومة. وهو أول علم عربي يرفرف في سماء دمشق بعد احتلال دام ٤٠٠ سنة من قبل حكم الإمبراطوريَّة العُثمانيَّة البائدة.

– يعتبر مؤرخو الغرب أنَّ  سلطان الاطرش هو أول إنسان رفع العلم العربي بعد قرون من الاستعمار، ولم يحظَ هذا اليوم بأي قيمة تاريخيَّة حتى في سوريا.

– في ٢ تشرين الأول ١٩١٨ دخل الأمير فيصل دمشق، ومنح سلطان الاطرش رتبة عسكرية ( باشا ).

– هبَّ لمساعدة ونجدة الزعيم يوسف العظمة في معركة ميسلون ولكنه لم يفلح باعتبار أنَّ  المعركة قد حسمت قبل وصوله.

– لم يتمكن من إقناع الملك فيصل بإقامة دولة عربيَّة في سوريا لمقاومة فرنسا، لأنَّ  حسابات الملك فيصل تختلف عن حسابات سلطان باشا الاطرش، وقد غادر الملك فيصل  حيفا على متن طراد إنكليزي.

– بعد انكسار ثورة شمال سوريا بقيادة ابراهيم هنانو، لجأ هنانو إلى سلطان باشا الأطرش الذي أوصله إلى عمَّان.

قصة المجاهد أدهم خنجر :

ثار سلطان باشا الاطرش على فرنسا بنطاق واسع، عندما ألقَّت القوات الفرنسية القبض على ادهم خنجر، ( المُتَّهم بمحاولة اغتيال الجنرال غورو )، عندما كان بضيافته  في بلدته القريَّا. كان سلطان الاطرش وقت إلقاء القبض على أدهم خنجر خارج بلدته، لأنه لو كان في بلدته القريَّا لما تجرأت القوات الفرنسية على هذا التصرُّف.

طالب سلطان باشا الاطرش بإطلاق سراح أدهم خنجر، لكن لم يُستجب طلبه، فهاجم وإخوانه المجاهدين القوة الفرنسية، ومن هنا بدأت الثورة الأولى بالعام ١٩٢٢.

قاد الثورة الكبرى بالعام ١٩٢٥م. حيث أعلن شعاره  الشهير الدين لله والوطن للجميع، وتمَّ اختياره قائداً عاماً لجيوش الثورة الوطنية.

عمَّت الثورة أرجاء الوطن السوري، وامتدت إلى البقاع اللبناني، واستولى الثوار على قلعة راشيا.

أرسل قائد الثورة السورية رُسُلاً إلى الملك عبد العزيز آلِ سعود، وإلى الملك فيصل الاول، وإلى مصر وفلسطين للتأكيد على وحدة الكفاح العربي، ووحدة الهدف لمتابعة الثورة.

لم يلق الرُسُل التجاوب، لأنَّ الحسابات الإقليمية والشخصية تختلف عن حسابات هذا القائد كما أشار إليها  في إعلانه المحدَّدة أهدافه  ومراميه، الوحدة … الخ.  كانت نظرته للأمور الوطنية تختلف عمَّا يُخطَّط لهذه البلاد العربيَّة من تقسيم وتفتيت، وللأسف لم تتوقف المخططات  الموضوعة، والتي ساعد على تنفيذها دون شك بعض من أهل الوطن.

بعد المنفى، عاد سلطان باشا الأطرش إلى سوريا فاستقبلته دمشق في ١٨ أيار ١٩٣٧ استقبال الأبطال. وأقيمت الحفلات والاستقبالات حيث نال سلطان باشا الأطرش حقه منها. وقد أقامت له الحكومة السورية في مسقط رأسه القريَّا مكتبة ونصب تذكاري.

أما غير ذلك، لم تنل مبادئ الثورة أي تدوين في الدستور، أو الدساتير اللاحقة، وبذلك ضاعت دعائم بناء الوطن وفق تصوُّر قائد الثورة في غياهب الزمن.

لو طبِّقت مبادئ ثورته في الدساتير اللاحقة، ودُوِّنت نظرته الشمولية للأوضاع التي كانت تُهدِّد الكيان بعد هزيمة السلطنة العُثمانيَّة البائدة وسلطة الانتداب الفرنسية، كانت الأمور حتماً خلاف ما هي عليه الآن.

إن الفرص التاريخيَّة لا تتكرَّر، كانت البلاد العربية قبل الثورة السورية بقيادة سلطان باشا الاطرش ترزح تحت نير العثمانيين البغيض، الذين وأدوا الحريات طيلة أربعة قرون متتالية، وكانت الشعوب  العربيَّة في ذلك الوقت تطمح إلى الحريات ولا تعنيها الخلافة بالمعنى الديني الضيق، الذي كانت تمارسه السلطنة العُثمانيَّة، والتي أرخت ظلالاً  من الفساد على جميع المستويات الدينيَّة والدنيوية.

والملاحظ، أنَّ مؤرخِّي العرب زوَّروا التاريخ  بعد إنهيار السلطنة العُثمانيَّة، بأن قالوا أنَّ العرب حينذاك، كانوا توَّاقين إلى خلافة إسلامية، وهذا كذب وهراء تاريخي، لأنَّ المؤرخين الأجانب قالوا عكس ذلك، كما أوضحت أعلاه.

لم تُؤخذ مبادئ ثورة سلطان باشا الاطرش. ولم تطبَّق شعاراته التي أطلقها منذ حوالي مئة عام على أي دستور من الدساتير التي فُرضَّت على سوريا وغير سوريا من البلاد العربيَّة.

اليوم وبعد حوالي ١٠٠ عام، ما زلنا  نرزح تحت ثقل المؤامرات، والتي كانت تُحاك سِراً لإخفاء الصبغة المذهبية في الدين الواحد، وأصبحت الحرب اليوم علناً وجِهاراً بين السنة والشيعة العرب، واستفاقت بعد ١٤ قرناً على حرب ضروس، تدور رُحاها في الوطن العربي دعماً من تركيا، وانتقاماً مِن إيران المجوسية.

وأنهي بحثي بالقول …

توماس جفرسون مات ولكن وثيقته لم تمت.

سلطان باشا الاطرش مات، ولكن للأسف وثيقته ضاعت، وهذا ما تشهده سوريا من فصول الضياع التي لم ولن تنتهي.

رحمك الله يا المُتنبي …

رحمك الله يا سلطان …

فيصل المصري

أُورلاندو  / فلوريدا

أيلول ٢٠٢٣م

المرجع :

المُدونَّات الفيصليَّة

كتاب ( الموحِّدون الدروز عبر التاريخ )

الطبعة الأولى : حزيران ٢٠١٨م. بيروت / لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى