المرأة الأرثوذكسية ، تاريخ من النضال والإنجازات

صدى وادي التيم – متفرقات /

« لعبت المرأة دوراً أساسياً وجوهرياً في تاريخ الروم
الحضاري والسياسي والنضالي .
فمنذ بدايات المسيحية أكرمت المسيحية « المرأة » و رأت في
« مريم » والدة الإله مثالاً للمرأة و رمزاً للتضحية والشفاعة وجعلتها « أعظم من الشاروبيم و ارفع مجداً من السارافيم » .
وقد اعتاد الروم أن يروا في والدة الإله منقذتهم في
الضيقات .
أما القسطنطينية ، « عاصمة الروم السياسية » آنذاك فقد كانوا يسمونها « مدينة والدة الإله » . حتى أن النشيد الشعبي والرسمي المعتمد للمدينة كان يدعى : « إني أنا مدينتك يا والدة الإله» .
نستعرض في هذا المقال أبرز المحطات التي لعبت فيها
« المرأة الأرثوذكسية » دوراً نضالياً عظيماً ساهم في تكوين
الهوية التاريخية و الحضارية لأرثوذكس العالم :
– في القرن الثالث برزت الامبراطورة هيلانة ، و هي رومية مسيحية سورية مولودة في مدينة اديسا شمال سورية سنة 247 . هي والدة قسطنطين الملك . وقد كانت مسيحية ربت ابنها على
المسيحية رغم « وثنية والده » . إنجازها التاريخي كان في أنها قدمت للبشرية « اول امبراطور روماني مسيحي » جعل « الامبراطورية الرومانية مسيحية الوجه » بعدما كانت « وثنية الوجه لقرون » . بفضلها ، وبتأثيرها على ابنها الامبراطور الشاب ، صار « جيش الرومان » جيشاً المسيحيين » امبراطورياً مسيحياً ، شعاره « الصليب » و يحمي المسيحين بعدما كان « يضطهدهم » . بفضلها ، وبتأثيرها ، قرر ابنها الملك قسطنطين تحويل المعابد الوثنية إلى كنائس ، وأمر بجعل الاحد يوم عطلة رسمية وتأسست القسطنطينية لتكون « عاصمة مسيحية » لامبراطورية الروم – اول امبراطورية مسيحية في التاريخ . وبجهودها « عثر على عود الصليب » وبنيت كنائس
اورشليم التي ما زال مسيحيو العالم اليوم يحجون إليها .
– بعدما سيطر الهراطقة المحطمون للأيقونات على
امبراطورية الروم لفترة طويلة واضطهادهم للأرثوذكس الذين
يكرمون الأيقونات ، لعبت « المرأة الرومية » دوراً أساسياً في المقاومة ضد هذه البدعة . وكانت التظاهرات المعارضة السياسة تحطيم الأيقونات تتم « بمشاركة فعالة من النساء » كما تشهد الوثائق التاريخية . وتشاء الصدفة أيضاً أن تكون « امرأة رومية « هي التي تعيد للأرثوذكس حقوقهم : قرار من « الامبراطورة ايريني » عام 787. وعندما عاد الهراطقة وسيطروا من جديد ، فقد
قدر الله أن تكون هزيمتهم النهائية على يد « امرأة » رومية أخرى هي الامبراطورة ثيوذورا عام 842.
– هذا وتشهد الوثائق العربية الأولى لاحتلال العرب لبلاد
المشرق عام 634 ، أن « نساء الروم المشرقيات » شاركن بالقتال ضد العرب دفاعاً عن « ارضهن وكرامتهن وعقيدتهن » ، ومنهن امرأة « دمشقية » « طعنت نفسها » كي لا تسلم نفسها لأيدي الغزاة ويجبروها على « ترك دينها » .
– بعدما احتل محمد الثاني العثماني القسطنطينية عام 1453 ،
لم يوقف مجازره إلا بتدخل « امرأة » رومية هي أرملة والده مراد الثاني ، الأميرة الصربية الأرثوذكسية « مارابرانكوفيتش » ، والتي كان السلطان يحترمها احتراماً شديداً ، فسمح ، إكراماً لها بعدم التعرض « لأديار جبل آثوس ولا لرهبانه » .
عام ٩٨٨ اعتنق الروس الأرثوذكسية بعد قرون من الوثنيه والتخلف . وصارت الأرثوذكسية «دين الدولة الرسمي بمعمودية بعدما اعتمد الأمير الرو “فلاديمير الكبير “وأمر بمعمودية جماعية للشعب الروسي في نهر الدنيبر بالآلاف » .
“مسيحيته » كانت أيضاً بتأثير « امرأة روسية أرثوذكسية
عظيمة » هي جدته الأميرة التقية « اولغا » ، التي فشلت توسلاتها في حمل ابنها على اعتناق المسيحية ، لكنها نجحت في تنشئة حفيدها على احترام الأرثوذكسية … فغيرت بذلك وجه العالم بأن أصبحت « روسيا » بإمكاناتها الضخمة … « ارثوذكسية المعتقد » …
لترث فيما بعد ، امبراطورية الروم في «حماية الأرثوذكس » بعدما احتل العثمانيون القسطنطينية عام 1453 .
– ان أهم الانتصارات التي أحرزتها روسيا الأرثوذكسية على العثمانيين كانت حين حررت روسيا « القرم » وفرضت على السلطنة العثمانيين الاعتراف بحق روسيا بحماية « مسيحيي السلطنة العثمانية » الذين كانوا يعيشون حتى ذلك الحين تحت الظلم بدون أية حقوق . تم ذلك النصر الكبير بمعاهدة « كوتشوك قينارجي عام 1774 » : وقد حصل ذلك بجهود « امرأة ارثوذكسية عظيمة » هي الامبراطورة كاثرين الثانية التي نقلت روسيا في مختلف الميادين من عصور التخلف الى الحداثة وزادت مساحة بلادها أضعافاً مضاعفة .
إنها المرأة…
هذا الكائن الرقيق..هذا المخلوق القوي ..الجميل .
هذا اللغز بلا أقنعة أو بأقل قدر ممكن من الأقنعة .
ماهي كلمة السر التي تفتح لنا دهاليز هذا الكيان المحير .
إن التخفي و التستر و الخجل الفطري لدي المرأة رغبة حقيقية في الابتعاد عن العيون ربما كان هذا هو السر الخفي لغموضها لكونها زهرة جميلة وعطر فواح يملأ الأماكن .
لقد خلقت بطبيعة جياشة لتكون مناسبة لحاجات الأب و الزوج و الأبناء و هذه الطبيعة تتسم بالسيولة العاطفية مقارنة بالرجل و هذه السيولة العاطفية قوة دافقة تحاول جاهدة إخفاء جزء كبير من مشاعرها و ربما أظهرت عكس مشاعرها الحقيقية حتى لا تتورط في علاقات حرجة وتحاول إخفاء كرهها حتى لا تتعرض لغضب الرجل الذي تحتاج إلية و تخشى بطشه .
مهما تظاهرت المرأة بالقوة و مهما تزعمت الحركات النسائية فهي تشعر في أعماق أعماقها بان الرجل يعلوها و إنها تابعة له .
و المرأة تعرف بداهة إنها متعلقة برقبة الرجل طوال حياتها فقد عاشت طفولتها و صباها متعلقة بأبيها أو أخيها و عاشت شبابها و نضجها متعلقة بزوجها وعاشت بقية حياتها متعلقة بابنها و هكذا تشعر المرأة بمحورية دور الرجل سواء أحبته أم كرهته .
المرأة تميل إلى الدهاء و الحيلة لتفادي بطش الرجل و هي تلجا للأغراء بان تتزين و تتعرض للرجل و تنتظر سعيه إليها فان لم يكن ذلك كافيا لجأت إلى الإغواء بالتنبيه و الحيلة و الدلال فهي تسعي إلى تحريك إرادة الرجل نحو الفعل بمعني أن المرأة تملك الإرادة المحركة في حين يملك الرجل الإرادة الفاعلة و المرأة بوعيها الفطري بقوة الرجل تسعي لموازنة ذلك بجمال الأنوثة و هي تستطيع أن تصل من خلال جمال الأنوثة إلى قهر قوة الرجولة و بذلك تشعر أنها حققت مرادها و اكثر .
تستحق المرأة من الرجل الاحترام والاهتمام بها وهذا من حقوقها
والوفاء أحد الصفات الجميلة في النساء والمحببة جدا للرجل فهو يريد المرأة وفيه له دائما و المرأة السوية تفعل ذلك غالبا .
المرأةتجمع بين النقيضين اللذة و الألم بحيث لا يستطيع التفرقة بينهما في لحظة بعينها و يتجسد ذلك في حالة الحمل و الولادة و الرضاعة و تربية الأولاد فهي تكره شقاوة الأبناء و تحبهم في ذات الوقت و تحقد علي الزوج و لا تطيق ابتعاده عنها و تضيق من الأب و تدعو له بطول العمر و هي تجمع بين الضحك و البكاء و يساعدها تكوينها العاطفي و سيوله مشاعرها علي ذلك كله.
من لا يفهم صفة التقلب لدي المرأة يحار كثيرا أمام تغير أحوالها و مشاعرها و قراراتها و سلوكياتها .
بعض الرجال يفضلونها جارية والبعض يريدها جميلة ومثقفة وخفيفة الدم والروح وآخرون يريدونها خلفية اجتماعية جذابة والبعض يراها لا تصلح إلا أن تكون وعاء للإنجاب وكثير يخجلون من مجرد ذكر أمهاتهم أو أخواتهم أو زوجاتهم ليس غيرة .
المرأة أخت الرجل وأمه وابنته وحفيدته وجدته وعمته وخالته وزوجته ورفيقة دربه وأم أبنائه وزهرة بيته وسراجه الذي لا ينطفيء .
و نقول هذه هي المرأة اللغز شديدة الغموض شديدة الوضوح بالغة الضعف بالغة القوة ..
ما لا يعرفه الكثيرون بأن المرأة في المسيحية ترمز الى الشجاعة، فالبشارة نوقشت أولاً مع امرأة وهي مريم العذراء. وبالتدقيق في الحوار بين القديسة مريم ورئيس الملائكة جبرائيل، فلا نجدها منهارة أو مرتعبة، بل على العكس، كانت رابطة الجأش وسألت بكل ثقة عن كيفية إتمام هذا الأمر العظيم. أما اضطرابها حين سمعت تحية الملاك فكان رد فعل طبيعي لهول الحدث. وبعد أن شرح لها جبرائيل تفاصيل الأمور وافقت بتواضع مع إقدام وهي عالمة كم من أحداث جلل تنتظرها؛ وفوراً بعد البشارة اسرعت إلى أليصابات تساندها وتعضضها. وحين دخول والدة الإله إلى الهيكل لتقديم الطفل رأى الشيخ سمعان الصبي الإلهي فحمله بين يديه مرتاعاً، وبعد برهة قال للعذراء مريم: “وانت ايضا يجوز في نفسك سيف لتعلن افكار من قلوب كثيرة” وبالرغم من ذلك لم يهتز قلبها ولا خافت، بل كانت تحفظ كل شيء في قلبها ببسالة. قُبيل بدء البشارة وفي عرس قانا تحديداً وبكل ثقة تشفعت عند الرب يسوع أن يتمم فرحة العروسين ويحول الماء خمراً، فأعطت أوامرها للخدام قائلة “مهما قال لكم فافعلوه”.
وخلال سنوات البشارة كانت النساء يخدمن الرب غير خائفات من نظرة المجتمع للمرأة فقد قدمن من أموالهن ودعمن العمل البشاري ومنهُنّ “مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس وسوسنة واخر كثيرات كن يخدمنه من اموالهن” (لوقا 8: 3). أما البطولة الحقيقة فكانت أثناء أحداث العذابات والصلب والموت ومن بعدها القيامة؛ كانت النساء في مكان الصلب ولو من بعيد (مريم المجدلية ومريم ام يعقوب الصغير ويوسي وسالومة، واخر كثيرات اللواتي صعدن معه الى اورشليم)، وعند صليب تقدمن ووقفن تحت الصليب مباشرة وهنّ ام يسوع، واخت امه مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية، أما من التلاميذ فلم يوجد إلا يوحنا وفقط!
حدث صلب المسيح كان مخيفاً لليهود ولليونانيين على السواء حتى أن الوالي انتدب حراساً عند القبر بتوصية من اليهود. أما التلاميذ فكانوا خائفين ومشوشين، فقد تطايروا في جبل الزيتون ولم بيقَ أحد مع السيد، وبطرس الذي وعد أن يموت عن المسيح أنكره ثلاث مراتٍ خلال سويعات قليلة. أما النساء الأبطال فقد جهزن الطيب والحنوط وذهبن باكراً عن بزوغ الشمس إلى القبر غير آبهات بالخطر فكل ما يشغلهن هو أن يجدن من يدحرج الحجر العظيم الموضوع عند باب القبر! عند وصولهن إلى القبر وجدن الحجر مدحرجا والقبر فارغٌ، وعلمن من الملاك أن الرب قام من بين الأموات، فنظرن القبر الفارغ وركضن يملأ قلوبهن الخوف والغبطة معاً. وصلن عند التلاميذ وبشروهن بالقيامة. لم يخيفهن شيء ولم يترددن عن أي عمل بشاري. وبعد قيامة المسيح، كان التلاميذ في العلية “يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع، ومع إخوته” (أع 1: 13، 14). ويوم العنصرة حَلَّ عليهن الروح القدس، كما على التلاميذ. وفي نشأة الكنيسة الأولى، كانت النساء في مقدمة العمل والدعم؛ منهن ليدية وبريسكلا وفيبي مساعدات القديس بولس الرسول في الخدمة، كما كانت هناك كنائس في بيوتهن. ولا ننسى القديسة تقلا معاونة القديس بولس.
أما في أيام الاضطهاد فحدّث ولا حرج، سآخذ مثل القديسة صوفيا وبناتها زمن الامبراطور أدريانوس في بداية القرن الثاني الميلادي. بنات القديسة صوفيا هن إيمان في الثانية عشرة من عمرها، ورجاء في العاشرة ومحبّة في التاسعة. فعذّبت الفتيات الثلاث أمام عيني أمهن، الواحدة تلو الأخرى بعذابات لا تطاق إلى أن قطعت هاماتهن جميعاً والأم تشجعهن على الصبر وعدم إنكار المسيح، أما قلبها فكان يتمزق من وجع لا يطاق. مع ذلك صبرت وصمدت الأم بشكل بطولي مذهل. أما أدريانوس فأطلق سراح الأم وقلبها يدمي من الحزن (يا لهذا العذاب الذي لا يطاق)! فأخذت صوفيا أجساد بناتها وأودعتها القبر. وبقيت تصلّي على ضريحهن ثلاث ليال وثلاثة أيام إلى إن فاضت روحها ولحقت ببناتها القديسات.
قال لي مرة أحد الآباء الممتلئين من الروح بأن أحد أسباب استمرار المسيحة وبقائها حية في عصور الاضطهاد والظلمة هو بسالة الأمهات. فلا يتشدق أحد ويدعي بأن الرجل هو وحده نموذج البطولة والإقدام، فقد وضح القديس بولس بشكل جلي مساواة الرجل والمرأة فقال “ليس ذكر وانثى، لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع” (غلاطية: 3: 28).
لا تتسع لنا مجلدات لنذكر عن دور المرأة الرومية في النضال والكفاح ، بطرق عديدة ومختلفة . فقد ناضلت بالتربية حيناً ، وبالكلمة حيناً ، وبالسياسة حيناً ، وبالعمل حيناً ، وبالسلاح حينا … وبالمحبة أحياناً … لكنها كانت دائماً مناضلة بل«رائدة في النضال » .
منذ 15قرناً قال الفيلسوف الوثني ليبانيوس لم أرى أعظم من النساء المسيحيات ، والقرون التي لحقته شهدت على كلامه والقرون الآتية ستشهد أيضاً .. .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى