ايها اللبنانيون شدوا الاحزمة قبل ‘الارتطام الكبير’
صدى وادي التيم-لبنانيات/
ما بين نواب حاكم مصرف لبنان الذين يصيبهم الذعر من تولي المسؤولية، ويتقدمون بخطط تعجيزية في الاسبوع الاخير من ولاية الحاكم رياض سلامه، وما بين انشغال السياسيين بتصفية الحسابات في ما بينهم، وغيابهم عن اي خطة اصلاحية، وعن اقرار القوانين المسماة اصلاحية، ورفضهم خطة صندوق النقد الدولي من دون تقديم البديل، تبدو البلاد ماضية نحو انهيار لم تكتمل فصوله في العامين 2019 و2020، وسط تفشي الخوف من انهيار جديد في سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل الدولار، وارتباك بدأ يسود الاسواق المالية. فالناس على اختلاف مستوياتهم، بدوا في الايام الاخيرة غير راغبين بالتفريط في دولاراتهم، وهم “يتخلصون” مما لديهم من ليرات متبقية خوفا من ان تفقد قيمتها اكثر فأكثر، والصرافون يتخوفون من بيع مخزونهم بعدما تراجعت حركة بيع الدولار، ووسط الرهبة من نهاية ولاية الحاكم خلال الاسبوع المقبل.
هل للخوف مبررات منطقية؟ بالتأكيد نعم. فكلام نواب الحاكم لا يوحي بالثقة، خصوصا انهم يحاولون التملص من المسؤولية، ويلوحون باستقالة باتت حتمية، لتتحول الحاكمية الى تصريف الاعمال، بما يعطل كل المصالح في البلاد. ويأتي ثانيا كلام هؤلاء عن الغاء منصة صيرفة، التي رغم كل ما يقال عنها، وعن تحقيقها فوائد ومنافع للمصارف تحديدا، فانها لا تزال تشكل المتنفس الوحيد لموظفي القطاع العام والعسكريين وغيرهم. وبالغائها، رغم التخطيط لمنصة اخرى، غير واضحة المعالم، وتحتاج الى ستة اشهر على الاقل، سيزداد وقع الضغط الاجتماعي على هؤلاء بما يعرض الامن الاجتماعي للخطر، ويهدد المؤسسات الامنية الصامدة بـ “طلوع الروح”.
والكلام اياه، بدأ ينعكس ارتباكا في الاسواق وارتفاعا في سعر الصرف، يجهد مصرف لبنان لضبطه على الاقل في الايام الاخيرة من ولاية حاكمه، رغم انكفائه عن شراء الدولارات من الاسواق بالكمية المعتادة.
ويتبع نواب الحاكم، السياسة اياها التي يعتمدها “اهل المنظومة” اذ يعارضون كل ما هو قائم، وهم كانوا الى الامس القريب شركاء فيه. وما كلام نواب الحاكم في اجتماع لجنة الادارة والعدل قبل يومين، عن اعتراضهم الدائم على سياسات مصرف لبنان من دون اخراج معارضتهم الى العلن، ما هو الا محاولة القفز من القطار قبل الوصول الى الاصطدام الكبير. اذ ان المعارضة المحكي عنها، لم تتمكن من الاعتراض الجدي او تعطيل اي قرار للحاكم، بل ان هؤلاء وقعوا على كل المحاضر، وقبلوا بالقرارات مقابل كل الانعامات التي كان سلامة يفيض بها عليهم. وهذا في ذاته تواطؤا وشراكة في الجريمة، ولا يمكنهم تاليا اقناع الناس بمعارضتهم التي ما تجرأوا على البوح بها الا عندما اوشك الحاكم على المغادرة.
صحيح ان طرح التمديد لرياض سلامه في غير محله بعد كل الضجيج والالتباسات والتهم الموجهة اليه، لكن ضعف الثقة بطبقة سياسية لم تتمكن في اربع سنين من تحقيق اي تغيير او اصلاح، والخوف من عدم كفاءة نواب الحاكم، باتا يدفعان كثيرين الى المطالبة بابقاء سلامه في موقعه الى حين، بعدما تمكن من تحقيق استقرار واضح خصوصا في الاشهر الاربعة الاخيرة.
السياسيون يتهربون من المسؤولية تارة بالتبرؤ من سلامه واتهامه بالفساد، والتخويف منه، وتارة اخرى برمي المسؤولية كاملة عليه والتخويف من ذهابه. وبذلك يثبت هؤلاء تخبطهم في اتخاذ اي قرارات نافعة.
المسيحيون، وتحديدا الموارنة، الذين يشغلون هذا الموقع، غارقون في المزايدات الشعبية تارة، والسياسية اطوارا، وعينهم على الخارج، لا يريدون اغضاب باريس، وفي الوقت عينه، يتصارعون حول هوية البديل، فيعطلون ويدفعون الى الفراغ والى توسعة حفرة الازمة.
هؤلاء واولئك يفتشون عن كبش محرقة او ذبيحة مساقة الى الذبح، لعدم انكشافهم، وظهور هزالتهم، وغيابهم الفاقع عن السياسات المالية، وضعف ادارتهم لكل هذا الملف. يخوفون الناس من بقاء رياض سلامه ، ويخوفونهم من غيابه. واللبنانيون قابعون ويعانون من “تحت الدلفة لتحت المزراب” وقد عادوا الى شد الاحزمة خوفا من الارتطام الكبير الذي ظنوا انه بات وراءهم، فاذ به يحاصرهم من جديد. فهل يضيع الاستقرار مع ذهاب سلامه، ام ثمة من يتحمل المسؤولية بجدية؟ التجربة اللبنانية لا توحي بالمسؤولية وبالجدية، بل تنبىء بالانهيارات المتتالية.