تزايد حالات الإجهاض في لبنان
صدى وادي التيم-لبنانيات/
ما بين عشر سيدات وثلاث عشرة سيدة لبنانية وسورية نازحة يُجهضن أسبوعياً في منطقة بعلبك – الهرمل، لإنهاء الحمْل غير المرغوب فيه رغم مخاطره الصحية، 65 في المئة منهن بسبب الظروف الاقتصادية السيئة وقلة الجاهزية المالية، و%35 منهن عمليات إجهاض غير آمنة داخل المنازل و مخيمات النازحين. ولطالما تم التذرع بالخصوصية الثقافية والدينية لمجتمع بعلبك عند طرح موضوع الإجهاض في غياب أصوات محلية تدافع عن الحرية الفردية للمرأة، وإذا وُجدت، فإن صداها لا يزال محصوراً في حدود ضيقة.
ورغم غياب الأرقام الرسمية عن عمليات الإجهاض، إلا انها حقيقة تفرض نفسها في مواجهة التحول الحاصل في المجتمع المندمج مع النازحين السوريين. ومع الإنكار الرسمي لهذه الظاهرة، إلا انه لا يمكن إنكار انتشارها في الخفاء، مما يحول دون الحصول على أرقام وإحصاءات تكشف حقيقة الظاهرة التي تمارَس من خلال الاحتيال الديني والقانوني والطبي والأخلاقي لما تمارسه هؤلاء النساء اليوم نتيجة أوضاعهن المادية والخلافات الزوجية والعلاقات غير الشرعية، لذلك كان الخيار الوحيد بالنسبة اليهن هو “الإجهاض الجنائي”.
قد يكون أمام المرأة اللبنانية خيار الإجهاض (من دون أي عملية مبررة)، في وقت تتدهور معدلات النمو الاقتصادي ومؤشرات التنمية ومستوى المعيشة في بعلبك. ومع ذلك، تتمتع النازحات السوريات، بفضل الجمعيات الدولية المانحة، بدخل مالي وعيني جيد، فضلاً عن المتابعة الصحية من الحمْل إلى ما بعد الولادة، حيث تتركز عمليات الإجهاض في المخيمات من خلال الوصفات الشعبية، مما يعرّضهن لمخاطر صحية تؤدي أحياناً إلى الوفاة بسبب الجهل. ومن هنا يؤكد النازح السوري “م.ز.” في أحد مخيمات النازحين في بعلبك، أن سبب تنامي الإجهاض السري في المخيمات هو نتيجة علاقات غير شرعية، أصبحت ظاهرة متوطنة داخل المخيمات وخارجها.
في جولة على صيدليات عدة في المنطقة، كان لافتا بيع ما يسمى عقار (Cytotec) بوصفة طبية فقط بمليون ليرة لبنانية، فيما يباع المنتج السوري والمهرب بسعر يراوح ما بين 75 و 100 دولار أميركي من دون وصفة طبية، وبلغت نسبة مبيعاته ما بين 3 و 4 علب أسبوعيا رغم صرامة القانون في هذا الأمر، إذ يحظره القانون والأطباء يتحايلون عليه.
كيف يتم الإجهاض في المستشفيات الخاصة في بعلبك – الهرمل في بلد يمنع فيه الإجهاض؟ أحد الأطباء الاختصاصيين (رفض ذكر اسمه لأسباب قانونية) أكد أن عمليات الإجهاض في المجتمعين اللبناني والسوري زادت بنحو 60 في المئة عما كانت عليه قبل عام 2023، بذريعة الإجهاض العلاجي غير المنصوص عليه في القانون صراحة، والمفترض أن يكون الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياة الأم. ورغم أن هذه العمليات تُعدّ غير قانونية إلا انه من بين كل ثلاث عمليات إجهاض، هناك حالة واحدة فقط ضرورية من الناحية الطبية، ومعظمها يتم من خلال الدخول في حالة طارئة، بحسب الادعاء مع عملية نزيف تتطلب جراحة فورية، ومن لم يحالفهن الحظ في الدخول، يقمن بشراء الدواء المذكور أعلاه الذي يسبب النزيف اللازم للجراحة. وشدد على أنه بما أن المستشفيات اللبنانية لا تسمح بإجراء عمليات إجهاض غير قانونية، تتم بعض الحالات داخل بعض العيادات الخاصة بشكل غير قانوني مقابل أجور وسرية عالية، وتراوح كلفتها ما بين 400 و 600 دولار أميركي، وتتجاوزها في حال كان الحمل عن طريق علاقة غير شرعية.
الحديث عن الإجهاض يشكل إحراجاً كبيراً في بعلبك، بحيث كان من الصعوبة بمكان ان تجد “النهار” من يتحدث بصراحة، ومن تتحدث بشرط عدم الكشف عن هويتها.
حملت “منى” وهي أمّ لفتاتين ونازحة في مخيم عرسال وتعاني من وضع صحي(أمراض في القلب) لا يسمح لها بإتمام الحمل، قالت لـ “النهار” : “أوضاعنا صعبة هنا في المخيمات ووضعي الصحي لايسمح”. لجأت إلى العديد من الوسائل الشعبية مثل شرب مغلي أوراق البصل، والبقدونس وبعض الأعشاب، وفق نصيحة صديقاتها باعتبار أن الحمل ما زال في شهره الأول، حتى فقدت جنينها واكتسبت الأثر الخطير السلبي لهذه الأعشاب على جسدها. المهندسة اللبنانية ر.ع. اضطرت إلى اللجوء إلى عيادة خاصة بموافقة زوجها، لإسقاط الحمل بالسر والخفاء حتى لا تتعرض للمساءلة القانونية والمجتمعية فور علمها بحملها، ولم يكن لديها خيارات لأنسب وسيلة للإجهاض، والسبب أنها وجدت حملها عقبة أمام وظيفتها الجديدة، لما يتطلبه السفر خارج لبنان والعوائد المالية الكبيرة لعملها في هذا الوقت.
لم يكن قرار الإجهاض سهلاً على عدد من النساء اللواتي خضعن له، أحياناً مرات عدة، سواء كان ذلك بوسائل قانونية أو غير قانونية، فكان مؤلماً وله تداعيات طويلة الأمد، أهمها العقم الدائم، كحالة السيدتين اللبنانية أماني والنازحة السورية سهى، لأنهما لم تكونا مستعدتين بعد لإنجاب طفل مادياً ومعنوياً، وكانت النتيجة طلاق أماني وقبول سهى لتكون الزوجة الأولى. وقالت السيدة فاطمة من الهرمل: “نعمل أنا وزوجي، وبالكاد يمكننا توفير حاجات المنزل وأطفالنا الثلاثة، وإنجاب طفل اخر سيزيد من أعبائنا”.
الإجهاض بين المعضلة القانونية والدينية
من الناحية القانونية، أكد عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى المحامي أحمد وهبة أن مسألة الإجهاض جريمة تدخل في إطار الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني، حيث إن الإجهاض جريمة تدخل في إطار الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني، حيث إن الإجهاض مُدرج في الفصل السابع تحت عنوان: في الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة، وفق المواد 539 و 540 و 541 و542 و543 و544 و545، وميّز في العقوبة بين الإجهاض الرضائي، حيث اعتبر جنحة، والإجهاض غير الرضائي، وهو ما اعتبره جناية.
وأشار إلى أن لبنان صادق من خلال مجلس النواب على الاتفاق الدولي للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة عام 1996، التي أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1979، لكنه لم يحتفظ بالمادة 12 التي تنص على حق المرأة في الحصول على خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة. وتطرق وهبة إلى حديث مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، بأن الفقه الإسلامي اهتم ببيان أحكام الجنين وحقوقه المعنوية والمادية على حد سواء، من خلال الاستنباط من النصوص الشرعية، مثل حقه في الحياة والنسب، وحرمة إجهاضه.
النائب الأسقفي العام لأبرشية بعلبك ديرالاحمر المارونية المونسنيور بول كيروز أعتبر أن الإجهاض جريمة قتل لروح إنسان له حقوق، مؤكداً إن تعاليم الكنيسة، والإيمان المسيحي، لا يسمحان قطعاً بالإجهاض، الذي يعتبر بحسب الكنيسة قتل لـ “هبة الله “، ولا يملك احدا الحق في تقرير مصير هذه الهبة.وشدد على أن وصايا الكنيسة ووصايا الله العشر لها وصية ثابتة بأن كل من يخالفها يتعرض للهلاك، وهي وصية “لاَ تَقْتُلْ”.
والأهم أن للجنين، منذ الإخصاب، أي بداية نشأته داخل رحم أمه، حقا شخصيا كالحياة البالغة، وهذه “الحياة الضعيفة” أي الجنين، الكنيسة تحرم التدخل في هذه الحياة، وتحرم وتعاقب من يجهض، إذ يرتكب خطيئة مميتة “القتل” ويعرض نفسه للهلاك، والكنيسة تدعو المؤمنين إلى الحفاظ على الأجنة.
هل الإسلام يعارض الإجهاض أم أنه مؤيد له أم كلاهما؟ بين حرمانيته القاطعة أو السماح المشروط به اتفق القاضي الشيخ محمد مهدي اليحفوفي ومفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي بالإجماع على تحريم إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه، أي ما بين 40 و 120 يوماً منذ تكوينه، إلا إذا تُيُقِّنَ أنه يتسبب بموت الأم، ولا يستساغ أبداً القول بجواز الإجهاض العلاجي بعد ذلك، إلا للضرورة التي تقتضيها، ومنع إجهاض الجنين المشوه، سواء كان التشوه مشتبهاً به أم قطعاً.
وعن الإجهاض تحت مسمى الخوف من الفقر أكدا أنه مهما عظم الأمر أو عظمت الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية، فهو خطيئة كبرى وعدم ثقة بالله، فالرزق آتٍ لا محالة، بحسب قول القرآن في الآية :«وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئا كَبِيرا»(الإسراء:31).
الكتب السماوية كافة تقَدِّس حياة الإنسان، وتحرم قتل النفس البريئة، وأن ملكية الجسد ليست لإنسان، بل لخالق هذا الشخص، وهي من الفروق الجوهرية بين الطرح الديني والمدني، ولكن هل يصح تحميل الجنين فعلاً لا يّد له فيه؟
المصدر:النهار – لينا اسماعيل