السعادة… هل يمكن ان نصنعها؟
صدى وادي التيم-متفرقات/
هناك أشخاص أثرياء ماديا، ويملكون أشياء كثيرة لا يملكها غيرهم، ولا يعانون من مرض خطير أو مزمن، ولديهم أولاد يدرسون في أفضل المدارس؛ ومع ذلك تجدهم تعساء أو غير سعداء في حياتهم.
في المقابل، ثمة أشخاص فقراء، ولا يملكون سوى الحد الأدنى من مقومات المعيشة، ومع ذلك فالسعادة تضج من وجوههم وتشع من أرواحهم. فكيف يكون الإنسان سعيدا؟ وهل للمال أو الجينات دور في ذلك؟ وهل يمكن أن يختار الإنسان أن يكون سعيدا أو تعيسا؟ وكيف؟
يرى علماء نفس أن الإنسان يمكنه اختيار السعادة في حياته عن طريق إحباط المشاعر السلبية، مثل التشاؤم والاستياء والغضب، وتعزيز المشاعر الإيجابية، مثل التعاطف والصفاء والامتنان؛ بينما أظهرت بحوث أخرى أن حظك من السعادة قد تحددها جيناتك إلى حد كبير.
في هذا التقرير، سنتعرف على القواعد السبع للسعادة، وفق ما ذكر عدد من المواقع والمنصّات المتخصصة، مثل “سيكولوجي توداي” (psychologytoday) و”ويب ميد” (webmd) و”بوزتيف سيكولوجي” (positive psychology) و”مايو كلينك” (mayoclinic)، وغيرها:
1- اتخذ قرارا واعيا بأن تكون سعيدا
الخطوة الأولى والأهم هي أن تتخذ قرارا واعيا تماما بأن تكون سعيدا، وأن تؤكد لنفسك مرارا وتكرارا أنك تستحق السعادة، بصرف النظر عن الظروف أو أي شيء آخر.
إذ يقول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل في كتابه الصادر عام 1930 “انتصار السعادة” (The Conquest of Happiness) إن “السعادة ليست -إلا في حالات نادرة جدا- شيئا يسقط في الفم كثمرة ناضجة. السعادة يجب أن تكون إنجازا ذاتيا لمعظم الرجال والنساء، ومن أجل تحقيق هذا الإنجاز… يجب بذل الجهد اللازم لذلك”.
اليوم، يتفق علماء النفس الذين يدرسون السعادة بشدة مع ما قاله راسل قبل أكثر من 90 عاما، فاتخاذ قرار بأن تكون سعيدا هو الخطوة الأولى في طريق السعادة، كما يؤكد الكاتبان ريك فوستر وغريغ هيكس في كتابهما “الاختيارات التسعة للسعداء” (The 9 Choices of Happy People).
ويرى الكاتبان أن “النية” (Intention) تعني الرغبة النشطة والالتزام بأن تكون سعيدا، أيا كانت الظروف المحيطة، “إنه قرار واع بتبني المواقف والسلوكيات التي تؤدي إلى السعادة”.
ويدخل في هذا الباب أيضا، البعد عن القلق عما سيأتي به الغد. وبكل بساطة: دع الغد لمن بيده علم الغد، فغدا دائما وأبدا هو يوم جديد لا تعرف ما سيأتي به.
2- الامتنان على ما لديك من نِعَم لا يملكها غيرك
ينسى التعساء -في أحيان كثيرة- ما يملكون من نِعَم، ولا يفكّرون إلا بما ينقصهم، فيزدادون بؤسا. إذا لم تكن تملك المال، فتذكر أنك تعيش بصحة جيدة، وأن كثيرين غيرك ممن يملكون الأموال يعيشون على حمية خاصة تمنعهم من التلذذ بالطعام والشراب.
يملك كل واحد فينا عددا لا يحصى من النعم، ولكننا للأسف لا نفكر بما نملك بل ننظر دائما إلى النصف الفارغ من الكأس. لذا، توقف وفكّر بما تملكه أنت مما قد يكون حلما من الأحلام عند غيرك.
ويشجع الدكتور مارتن سيليغمان، عالم نفس في جامعة بنسلفانيا الأميركية، في كتابه “السعادة الحقيقية” (Authentic Happiness)، القراء على أداء “تمرين الامتنان” (gratitude exercise) يوميا. ويتضمن هذا التمرين سرد بعض النعم التي يعيشون فيها، ويرى أن “هذا يبعد الناس عن المرارة واليأس، ويعزّز الإحساس بالرضا والسعادة”.
3- نعمة التسامح
يعد جزء كبير من تعاسة البشر مزيجا من مشاعر الحقد والضغينة وعدم القدرة على التسامح والغفران. وهناك من يحمل الضغينة ضد غيره من البشر لأتفه الأسباب، مثل كلمة قد لا تكون مقصودة هنا أو هناك.
لذا، تعلّم التسامح والبعد عن الضغينة كي تحصل على الطمأنينة، فمثل هذه المشاعر السلبية تؤثر في صحة البشر الجسدية والعقلية، وفق بحوث ودراسات كثيرة. ومن طرق الحد من هذه المشاعر: “تعزيز التسامح”، كما يؤكد الباحثان مايكل ماكولو وروبرت إيمونز في دراستهما “سيكولوجية السعادة” (The Psychology of Happiness).
أما عالم النفس السريري إيفريت ورثينغتون، فيقدم في كتابه “خمس خطوات للتسامح” (Five Steps to Forgiveness) منهجية للتسامح تشمل محاولة فهم الأسباب التي تدفع إلى الإساءة، ثم تذكر إساءةً أنت قمت بها في يوم من الأيام ضد إنسان آخر وغفر لك وتسامح معك، مع التركيز على تجاوز الرغبة في الانتقام ورد الإساءة.
يقول ورثينغتون إن التفكير في الانتقام واجترار الإساءة هو “شكل من أشكال التوتر المزمن”، معتبرا أن “الاجترار هو الولد الشرير للصحة العقلية. إنه مرتبط بكل شيء سيئ تقريباً في مجال الصحة العقلية، من اضطراب الوسواس القهري والقلق وصولاً إلى الاكتئاب”.
4- مواجهة الأفكار والمشاعر السلبية والتحكّم بها
من أهم طرق تحسين الصحة العقلية: القدرة على التحكّم بالمشاعر والأفكار السلبية. يشبه العالم جون هايدت في كتابه “فرضية السعادة” (The Happiness Hypothesis) العقل بالرجل الذي يركب فيلاً، ويمثل الفيل الأفكار والمشاعر القوية -وهي في معظمها مشاعر غير واعية- التي تحرك سلوكك وتدفعك إلى التصرف بهذه الطريقة أو تلك.
هنا، يأتي دور العقل الذي يمثل الإنسان في الرجل الذي يركب الفيل. صحيح أنه أضعف بكثير من الفيل، لكنه قادر على توجيهه والتحكّم به. كما يمكنك التحكّم بالأفكار والمشاعر السلبية التي تجتاح لا وعيك في أحيانٍ كثيرة. ويرى هايدت أن “المفتاح هو الالتزام بالقيام بالأشياء الضرورية لإعادة تدريب الفيل”.
يمكنك مثلا ممارسة التأمل والتنفس المنتظم واليوغا، أو تقنيات الاسترخاء، لتهدئة القلق وتعزيز الصفاء. كما يمكنك أن تتعلم كيف تتعرف وتتحدى الأفكار التي تراودك بشأن كونك غير كافٍ وعاجز، والتي تؤدي بك إلى الشعور بالتعاسة. يقول هايدت: “إذا تعلمت تقنيات لتحديد الأفكار السلبية، فمن السهل تحديها”.
5- المال لا يشتري السعادة
تُظهر البحوث أنه بمجرد أن يرتفع دخل الإنسان فوق مستوى خط الفقر، فإن المزيد من المال يجلب القليل من السعادة الإضافية. يقول دانيال غيلبرت في كتابه “التعثر بالسعادة” (Stumbling on Happiness): “بصرف النظر عما نحققه في السعي وراء الأشياء، فلن يؤدي ذلك أبداً إلى حالة دائمة من السعادة”.
وبينما يساعد المال في إضفاء السعادة والرضا على حياتك، فإنه لن يكون له التأثير ذاته على الجميع. “فإذا كانت حياتك تفتقد بعض الأشياء الأخرى، فإن المزيد من المال لن يؤدي إلى رفاهيتك وسعادتك”، بحسب منصة “سي إن بي سي” (CNBC)، معتبرة أن هناك أشياء كثيرة لا يستطيع المال شراءها أو تحقيقها، ولكنك ستجد مزيداً من الرضا في الحياة إذا حدّدت وركزت على المجالات التي تجلب لك أكبر قدر من السعادة ، مثل علاقاتك أو هواياتك أو مهنتك.
6- الصداقة أفضل دواء للتعاسة
تُعد الصداقات الوثيقة مع من ترتبط معهم بتفاهمات روحية وعقلية وفكرية عميقة أهم دواء ضد التعاسة. والصداقة تأتي في المرتبة الأولى مع الأكل الصحي وممارسة الرياضة كاستثمار ضروري في صحتك، إذ إن للصداقة فوائد صحية وجسدية وعاطفية طويلة الأجل.
تقول الدكتورة كيلي هاردينغ، أستاذة الطب النفسي المساعد في مركز “إيرفينغ” الطبي بجامعة كولومبيا الأميركية: “بصفتي طبيبة، أتمنى أن أصف الصداقة دواء للجميع”، بحسب منصة “ايفري دي هيلث” (everydayhealth).
ويقول ديفيد جي مايرز، مؤلف كتاب “السعي وراء السعادة” (The Pursuit of Happiness): “هناك عدد قليل جداً من الأدوية المضادة للتعاسة أفضل من الصداقة”، ووجدت إحدى الدراسات الأسترالية التي تابعت حالات 1500 شخص تزيد أعمارهم على 70 عاما، أن الذين كانت لديهم علاقات صداقة قوية عاشوا بنسبة 22% أكثر من غيرهم، وعزا الباحثون الأمر إلى الآثار الإيجابية للصداقة والنشاط الاجتماعي على الجسم.
7- المشاركة في نشاطات ذات مغزى
جلوسك أمام شاشة التلفاز أثناء أوقات فراغك لن يؤدي بك إلى السعادة، بل إلى مزيد من الخمول. ولكن الانخراط في نشاطات اجتماعية ذات مغزى قد يجلب لك الكثير من الرضا والإحساس بالسعادة، بحيث يصبح دماغك مستغرقاً تماماً في هذا النوع من النشاطات.
وفي حالة المتقاعدين وكبار السن، ممن قد يجدون أنفسهم يمضون وقتاً طويلاً بمفردهم في المنزل، فإن هذا مؤذٍ جداً لحالتهم النفسية وصحتهم العقلية، ويمكن أن يزيد من مشاعر الاكتئاب أو القلق، مما قد يكون له تأثير سلبي على جوانب الأخرى لصحتك إذا كنت منهم.
وإذا وجدت نفسك تمضي الكثير من الوقت بمفردك، فحاول المشاركة في النشاطات التي تجدها مفيدة، تلك التي تولّد إحساساً بالهدف في حياتك اليومية. يمكن أن تشمل هذه الهوايات والنشاطات التطوعية في خدمة المجتمع، أو تمضية الوقت مع العائلة والأصدقاء