في الجنوب مستشفيات وفنادق وعمليات تجميل للكلاب والقطط

صدى وادي التيم – لبنانيات /

يمدّ الكلب “كوبا” رأسه من نافذة السيارة، محرّرًا لسانه ليتراقص مع الهواء، حيث تقود به صاحبته، قاصدةً صالون النقاهة الذي يقع على الطريق العام، بين بلدتيّ الدوير وحاروف، وهو مخصّص للكلاب والقطط.

بدايةً ينزل الكلب إلى البانيو، ليتعرّض لرشّاش المياه الدافئة، ثم يُفرَك عليه الشامبو حتى تتضاعف الرغوة، وتتطاير الفقاقيع. يتكرر الأمر لمرّتين، ليدخل هذا الكلب (من نوع غولدن رتريڤر) مرحلة التجفيف مع السشوار، يليه الحلاقة من خلال قصّ الوبر بالماكينة الكهربائية والمقصّ، يستتبعها التسريح ليختتم الأمر برشّ عطر مخصّص للكلاب، أو بودرة معطّرة.

منذ عشر سنوات، كان هذا سيناريو لفيلم عن الخيال العلمي غير قابل للتصديق، تحديداً في جنوب لبنان، بينما هو اليوم، إجراء روتيني يقوم به بعض مربّي الكلاب والقطط لمرّة في الشهر على أبعد تقدير. ليس هذا المركز استثناءً في المنطقة، فمثله الكثير في النبطية وصيدا وصور، حيث زادت المراكز التي تُعنى بكل ما يتعلّق بالكلاب، من أنواع الأطعمة حتى الاكسسوارات والألبسة.

لورا شتاينباخ تركت ألمانيا وجاءت إلى جنوب لبنان لمساعدة الحيوانات في مركز Animal lives in lebanon، الكائن في منطقة الحوش قرب مدينة صور (الصورة مأخوذة من موقع الخيام)
ليست خاصيّة طبقية

تتنوّع المراكز المخصّصة للحيوانات في الجنوب، بين باعة الأطعمة والحصى، وبين عيادات الطبابة والتلقيح والتعقيم، وما بينهما من أرفف تحمل الألعاب المخصّصة لهم، وفراشي الأسنان والمعجون والعطور والمماشط المتخصصة والأطواق الملوّنة، والقلادات ذات الكلمات المحفورة…

ترتقي بعض العيادات لتبلغ مستوى المستشفى، لما تتضمنه من تجهيزات وما يُجرى بداخلها من عمليّات دقيقة في الكبد، والمعدة، والعيون، والأطراف، فأغلب مشاكلهم الصحيّة تدور حول التسمّم، والتشمع حول الكبد، والحساسية، والكسور.

يلتزم أكثر المقتنين بمتابعة اللقاحات التي تحمي الحيوان وصاحبه، وهناك دفتر للّقاحات متواجد في أدراج الطبيب البيطري، يتم الاستعانة به لترتيب التواريخ والأنواع.

بعض المراكز تقدّم خدمة الاستضافة لأيام، فيسميها البعض أوتيلات، والبعض الآخر يطلق عليها اسم حضانة، حيث قد يسافر أصحاب الحيوانات، ولا يجدون مكاناً يأوي حيواناتهم فترة سفرهم.

مخطئ من يظن أن كل ما ذكرناه مرتبط ببرجوازيّي الجنوب حصرًا، فأصحاب تلك العيادات والمحال، يعرفون ان أغلب زبائنهم من الطبقة المتوسطة، أو الفقيرة في حالات الضرورة. فتلك الحيوانات لم تعد هامشًا في البيت، بل عناصر رئيسية مدلّلة، يُنفَق عليها الجزء الأكبر من المعاش، كما الوقت الذي يخصَّص لها.

عمليات تجميل

تتنوّع القطط المقتناة بين تلك البلدية المتواجدة بكثرة في محيط المنازل، وهناك من يهتم بشراء القطة الفارسية، أو سكوتش. بينما أكثر الكلاب عبارة عن هاسكي، وريتوايلر، وغولدن ريتريڤر، والكلب الألماني، وبيدبول، ودبرمان، ومالينوا.

حيوانات يتباهى بها أصحابها، ملتقطين معها الصور اليومية، وبعضها له حسابات على التيك توك، بمتابعين كثر.

الاهتمام بجمال بعض الكلاب، (مثل البيدبول والدوبرمان) يدفع أصحابها لإجراء عمليات تجميل لأذنيها، حيث يتم اقتطاع جزء منها، بهدف المحافظة عليها منتصبة. بينما يولي البعض عناية خاصة بليونة الكلب، فتُجرى له تمارين، وهذا مختلف عن التدريبات.

أول عيادة متنقلة لإنقاذ الحيوانات في لبنان تقودها طبيبة بيطرية (الصورة مأخوذة من موقع الجزيرة نت)
النفور التاريخي

خلال تاريخها، لم تعرف البشرية حالات اقتناء القطط إلّا في المخازن، وفناءات البيوت، بغية التخلص من الفئران التي تقرض المحصول، والمصادر تقول إن الفراعنة هم أول من بدأوا بذلك الاستخدام، فكانت إرهاصات الاستئناس الأولية. كذلك كانت تربية الكلاب لأهداف متعلّقة بحماية المزرعة، أو مواكبة القطيع، أو حراسة المنزل.

حتى وقت قريب كانت الأمهات في جنوب لبنان، تقمن بالدور التاريخي ذاته، فلا تسمح بدخول أي حيوان إلى البيت، بينما قد ترضى به كزائر في الأرجاء، وغالبًا ما تشفق الحاجّة على تلك الكائنات، فترمي لها بعض من طعام البيت، مهما يكون: يخنة، مجدرة، بقايا دجاج أو حسك سمك، او كسرات خبز، وغالباً ما تأكل تلك الحيوانات ما يُرمى لها، حيث لا تمتلك ترف الاختيار.

ما مِن علاقة ودّ ودلال في التاريخ، تشبه هذه الطفرة التي تجتاح البيوت، بعد أن كان الغرب قد سبقنا إلى ذلك، فكان موضع استغراب، إن لم نقل تندّر، فنحن هنا “ننجب الأبناء، بينما هناك يعيشون مع حيواناتهم الأليفة كفعل تعويض عن تفكك الاسرة، والعزلة”.

هذا كان التصور السائد في بلادنا، حتى ما قبل سنوات من الآن، حيث حدثت متغيّرات كثيرة، منها ما هو اقتصادي، مثل تحسُّن أحوال الأفراد، ومنها ما هو ثقافي اجتماعي متّصل بانتشار وسائل التواصل، او التبدّل في حجم الأسرة، وهندسة البيت، والأهم هو الوعي الانساني والحقوقي للذات والآخر، والانتباه إلى التفاصيل الممتعة التي تدخل السرور إلى النفس، وتمنح الطاقة الايجابية، تماماً مثل التواصل بالعيون والاشارات والكلمات، مع الكلاب والقطط، التي صار لها أسمائها المميزة: كوتشي، بينغو، فلافي، بيلّا، آشا، دالي، برونو، ليلي، عنتر…




الكلب والملاك

ضمن كل هذه الجلبة الاحتفائية، هناك خطوط حمراء شرعية، رسمها الدين الاسلامي منذ ألف وأربعمائة سنة، بما لا يحتمل التغيير، أو تأويل النص بما يلائم المتغيرات.

السؤال: أنا من محبّي الكلاب، هل يجوز تربيتها ووضعها في حديقة المنزل؟
 الجواب: لا يحسن ذلك، والأولى إتّخاذ حيوان آخر علمًا أنّ الكلب نجس شرعاً ومن ثمّ تكون معاشرته مظنّة للابتلاء بالنجاسة، وعُدّ مكروهًا الصلاة في بيت فيه كلب.

هذا كان ردّ المرجع السيستاني على سائله، بينما كانت الاجابة بالموافقة على اقتناء هرّة في المنزل. كذلك كانت فتوى المرجع الخامنئي: “هناك فرق كبير بين الكلاب والقطط. فالكلاب من الأعيان النجسة، أما القطط، فليست نجسة. وما فضل من طعام أو شراب الكلب نجس وحرام، أما بقايا طعام وشراب القطة، فليس كذلك.

كما أن الكلب يصدر أصواتاً قد تؤذي الجيران. كذلك تربية الكلاب في المُجمّعات السكنية من شأنه أن يؤذي الأشخاص الذين يريدون مراعاة أحكام الطهارة، لأن الطرق والإمكانات في هذه الأماكن تكون مشتركة عادة. وعليه، فإن كانت تربية الكلاب والاحتفاظ بها موجبة لأذية السكان أو تنجيس ثيابهم أو نقل الأمراض لهم، فلا يجوز. لا إشكال في الاحتفاظ بالقطط في البيوت بهدف اللعب والتسلية. وأما الكلاب، فقط ورد النهي عن الاحتفاظ بها داخل البيوت، لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب.” بهذا يتفق الفقه الشيعي مع السنّي، بل عند السنة حديث عن الرسول، يوصي به بقتل الكلب الأسوَد.

المستغرب في الأمر ان مقتني تلك الحيوانات هم من المسلمين، وأكثرهم ملتزمين أو محافظين، لكنهم ـ لسبب ما ـ تجاوزوا الفتوى، وفعلوا ما يريحهم ويرضيهم، بل تولّدت اشكالية عند أصدقاء الحيوانات، حيث يستفسر هؤلاء عن مصير حيواناتهم في مرحلة ما بعد الموت. هل يصعدون إلى الجنّة مثل البشر؟ في السابق كانت الاجابات تستثني الحيوانات من بلوغ هذه المراتب، فهي في الدنيا “مجرد كائنات خُلقت لخدمتنا” كما كان العرف السائد، لكن الطريف في الأمر أن بعض رجال الدين بدّلوا تصوراتهم تلك، وراحوا يتكلمون عن أن للقطط والكلاب أرواح، والروح ترتفع إلى السماء. هي محاولات للمحافظة على هذه الشريحة الواسعة، القلقة على مصائر حيواناتها، ولن ترضيها فكرة خسارة من تحب إلى الأبد. نستطيع وصف الامر بإعادة تحديث للفتوى.

للحالات الطارئة

ليس الأمر مثالياً عند الجميع، فالبعض يعاني من فوبيا الاقتراب من القطط أو الكلاب، وهناك من يتصرفون بوحشية معهم، وثمة من يقوم بتسميمها، أو إطلاق النار عليها دون رحمة. وفي المقابل هناك جمعيات كثيرة مدعومة من منظمات دولية، أو داخلية، هدفها تبنّي، أو علاج الحالات التي تعاني من مشاكل صحّية، أو مهملة بلا أكل وشرب. كان “الكوفيد” هو وقت الذروة الذي دفع الكثير من العائلات للتخلّص من حيواناتها الأليفة، عبر رميها في الشارع، خوفاً من نقل العدوى كما شاعت الأمور بين الناس حينذاك. وهناك من مسّته الأزمة الاقتصادية في الصميم، فاختار التخلّص من الحيوان الذي يربّيه في المنزل، بينما البعض كان أكثر انسانية، فعرض ذلك الحيوان للتبني على الصفحات المهتمة بهذا الجانب، فلم يعرضها لصدمة الانتقال من البيئة المرفّهة إلى مكبّات النفايات.

عبد الحليم حمود – مناطق نت

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى