من لبنان إلى فرنسا.. مستفيدون يُهدّدون بتفجير ملفّ النّزوح!
.
صدى وادي التيم- لبنانيات/
لا يزال ملفُّ النزوحِ السوري يأخذ حيّزًا كبيرًا من الجدل لدى الرأي العام اللبناني، بعد البروز المفاجئ وغير المفهوم على السّاحة، وما خلّفه من انقسام عامودي أنتج خطابات عنصرية وشعبوية ظهرت إعلاميًا وسياسيًا بطريقة تُثير الشكوك.
حتى اليوم، يتساءل الكثيرون عن أسباب هذه الاستفاقة المستجدّة لأزمة عمرها من عمر الحرب السورية، وبعد مُضي أكثر من 3 أعوام على الأزمة الاقتصادية المستفحلة في لبنان، وبهذا الخطاب الصِدامي الذي قد يفاقم المشكلة، في الوقت الذي يحتاج فيه ملف بهذا الحجم إلى حكمة وروية وخطّة شاملة تسير بالتّوازي بين بيروت ودمشق.
بعيدًا عن توصيف الوجود السوري وأسبابه والغوص في تأثيراته الاجتماعية والاقتصادية، ثمّة مستفدين من تأجيج خطاب الكراهية بحقّ السوريين في لبنان وفي هذا التوقيت تحديدًا. وفي الإطار، تؤكّد أوساط متابعة لكواليس ما يجري في هذا الملف، أن هذا الخطاب غير بريء ويحمل في طياته أهدافًا سياسية من خلال استخدامه كورقة ضغط، مشيرةً إلى أن كل المعطيات التي ظهرت سواء من خلال مراقبة الحملات الإعلامية والخطابات، أو ما رافقها من حملات مرتبطة بالـ NGO، جميعها يصب في خانة من انقلب فجأة من داعم للوجود إلى محارب شرس له، وقد بدا واضحًا أن من اتهم المطالبين بتنظيم النزوح منذ عام 2011 بالعنصرية، يدعو إلى ترحيلهم اليوم بخطاب مقيت.
وهنا توضّح الأوساط نفسها، أن من يقف خلف تفجير الملف في هذا التوقيت ويُهدد به، هم المعارضون في الداخل اللبناني للتسوية التي تقوم بها فرنسا، والمنزعجون أيضًا من الانفتاح السعودي على إيران وسوريا، والانفتاح العربي على سوريا.
وبحسب الأوساط، يسعى هؤلاء للضغط على فرنسا والأوروبين بأكثر ملف حسّاس ومربك بالنسبة لهم، من خلال الضغط على السوريين وافتعال مشكلة حقيقية وخطيرة من شأنها أن تدفعهم للجوء مجدّدًا إلى أوروبا، وهو ما لا تتحمّله الأخيرة أبدًا في ظل الظروف الاقتصادية الصّعبة التي تمر بها، لاسيما إثر الحرب الروسية – الأوكرانية. وبالتالي، استخدام هذا الملف يأتي بالدرجة الأولى في وجه فرنسا التي تقود المبادرة الرئاسية المنسجمة مع التّحولات الإقليمية والتسوية العربية، وتهديدها بإحداث فوضى إذا ما استمرت بالسير في التسوية.
لكنّ تحريك ملفّ النازحين بهذه الطريقة قد يأتي بنتيجة عكسية لما يريده محركوه، وذلك لأسباب عدة أهمّها، بحسب الأوساط، أن لبنان لا يشكّل عمليًا شيئًا في المعادلة الإقليمية، وهو من الدول المتأثرة لا المؤثرة؛ لأن الثقل المتمثّل اليوم بالسعودية وإيران وسوريا، إضافة إلى تركيا التي تسعى إلى حل مسألة النازحين على أراضيها أيضًا، يسعى لبسط الهدوء وتصفير المشاكل في المنطقة، كما أن لا مصلحة لأميركا بفتح ملف متفجّر بهذا الحجم.
واحد من أهم البنود التي بُحثت في اللقاءات التي عُقدت على المستوى السعودي والسوري والإيرا.ني كان ملف النزوح، وهي الخطوة الأهم بعد انتصار سوريا عسكريًا وعودتها إلى جامعة الدول العربية، على الرغم من الرغبة الأوروبية بابقاء هذا الملف ورقة ضغط، إلّا أن الإرادة الإقليمة التي يبدو أن أصبحت متوفّرة لحلّه قد تجعل تأثيرها شبه منعدم، في حال استجابة الدول العربية لدعوة الرئيس السوري بشار الأسد للمساعدة في تهيئة الأجواء اللازمة لعودة المواطنين السوريين، وهو ما طلبه من وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لدى زيارته دمشق، بحسب ما أوضحت أوساط مطّلعة، والتي أشارت إلى أن ذرائع المجتمع الدولي التي كانت تواجه مبادرات مدير عام الأمن العام السابق اللواء عباس إبراهيم في السابق، بدأت تتلاشى اليوم أمام هذا التقارب الإقليمي.
لذلك، لا يمكن فصل ملف النزوح في لبنان عما يجري في الإقليم، لاسيما أن سوريا المنهكة اقتصاديًا وعمرانيًا تحتاج إلى الكثير من الدّعم حتى تتمكّن من استقبال مواطنيها وتوفّر لهم الحياة الكريمة، وهذا بطبيعة الحال حتى يتمّ تدريجيًا، يستدعي حوارًا مباشرًا واتفاقًا رسميًا مع الحكومة السورية لتنظيم العودة ووضع خطة زمنية تتناسب وقدرة الداخل السوري لا سيما على المستويين اللوجستي والتقني، وما يمكن أن يُقدم لها على المستوى العربي بعد كل هذه التغيرات الجذرية، لا التعاطي مع الملف بهذه الفوضوية.