حتى الذهب في لبنان انقطع.. وللحصول عليه يستوجب الحجز!
صدى وادي التيم – إقتصاد /
الطّلبات تتزايدُ بوتيرةٍ سريعةٍ كلّ يوم، والمحال فرغت من الأونصات أو السّبائك…” هكذا يفتتحُ جهاد حديثه، الذي يؤكّد من خلالِه على أنّ هجمةً غير مسبوقةٍ شهدتها محالُ الذهب لناحية شراء واقتناء سلع معينة دون أخرى.
وخلال حديث خاص عبر موقع “ليبانون فايلز” يشير “جهاد” صاحب إحدى متاجر الصيغة والذهب، إلى أنَّه ورغم الأوضاع الإقتصاديّة الصّعبة إلا أنّ سوق الذهب في لبنان انتعش بقُدرَةِ قادر، ليُسجّل البيع أرقامًا جيّدة مع بداية الأزمة الإقتصاديّة، وصولاً إلى حرب روسيا وأوكرانيا. فما هي حالة السّوق اليوم؟
المغتربون يستثمرون؟
يؤكّد جهاد خلال حديثه مع “ليبانون فايلز” على أنَّ المغترب بدأ هذه الافتتاحيّة الكبيرة، ويقول: “يوميًا نشهدُ حركةً نشِطةً مصدرها الخارج، إذ إنَّ المغترب اللّبنانيّ ومع ازدياد التّضخم الخارجيّ خاصةً في الولايات المتحدة الأميركيّة، وما تبعَه من انهياراتٍ متتاليةٍ، واهتزازات لبنوكٍ تجاريّة، وما سبقه من مواجهات اندلعت بين روسيا وأوكرانيا؛ كل ذلك جعل الخوف يتحركُ لناحيةِ تكديسِ الثروة بالدولار، والإتجاه نحو شراءِ الذهب لحماية ما أمكن من أمواله، ويؤكّد “جهاد” على أنَّ هذا الأمر يعبّر حتمًا عن أن هؤلاء اتجهوا لأجل ادخار أموالهم ولا يعبّر عن أيّ استثمار يُذكر، فالهدف حمائيّ لا أكثر.
فما بين الأزمات العالميّة والمحليّة، حاول اللّبنانيّ أن يستثمرَ أموالَهُ من خلالِ تحصينها بسلعِ الذهبِ، إذ أنَّ بدايةَ الأزمة شهدت حركةً قويةً حيث كان المواطنون يحاولون أن يقوموا بإخراج أموالهم من البنوك بعد قرارِ الحجزِ عليها عام ٢٠٢٠ وذلك من خلال شراء الذهب بشيكاتٍ مصرفيّة، لتعاود حركة الأسواق نشاطها مع الضّربة الروسيّة على أوكرانيا، والانهيارات البنكيّة الأميركيّة.
الذهب المحلي مطلوب!
بسوق الذهب العالميّ من المتعارف عليه بأنّ الذهب السّويسريّ يعتبر من أفضل السّلع التي تُباع، إذ إن هذا الذهب يتميزُ بالثقةِ الكبيرةِ التّي يحظى بها داخل السّوق العالميّة.
“أبو إيلي”، التّاجر البيروتيّ منذ أكثر من عشرين عامًا في سوق الذهب والصّاغة، يوضحُ لموقع “ليبانون فايلز” بأنَّ هجمة غير مسبوقة تُشابه هجمات ١٩٧٥ وما تلاها، حيث تم شراء سبائك الذهب والأونصات واللّيرات آنذاك خوفًا من اهتزاز العملة، إذ يؤكّد على أنّ الطّلب اليّوم انخفض وتراجع بشكلٍ دراماتيكيّ على المجوهرات والزينة، مقابل ارتفاع ملحوظ في الطّلب على الذهب الذي يُشترى بغية الإدخار كالأونصات، والسّبائك واللّيرات، إذ إن هكذا سلع غالبًا لا تخسر من قيمتها على عكس المجوهرات العاديّة، فالليرة لا تخسر أكثر من ١٠ دولارات، والسبائك والأونصات لن تخسر أكثر من ١٪ من قيمتها، وهذا ما يفسّر اختفاء هذه السلع من السوق.
من ناحية أخرى يوضح “أبو إيلي” بأنّه ومع ازدياد الطّلب على هذه السّلع، فُقدت العديدُ منها من السّوق، وباتَ الطّلب عليها يتمُّ بشكلٍ مسبق، إذ يتّصل الشّاري ويحجز سبيكتَه مثلاً على سعرِ نهار الإتّصال، خاصةً وأنّ أسعارَ الذهبِ تشهدُ ارتفاعًا وانخفاضًا متواترين. ومن هنا يشدّد “أبو إيلي” على أنَّ التّجار الذين يستوردون الذهب السّويسريّ يتأخرون إجمالاً بتسليم الطّلبات بسببِ الارتفاعِ الكبيرِ على الطّلب عليها، الذي يقابله شحٌّ بالعرض من قبل المستوردين، وهذا ما دفعَ بالمستهلكين إلى شراءِ الذهب المصنّع محليًّا لأجل تدارُكِ أسعار الذهب والدولار معًا.
هذا الأمر أنعش السّوق، إلى حدّ وصل معدّل بيع أونصات الذهب بشكلٍ يوميّ سواء السّويسري أو المشغول إلى حدود الـ٤٠ أونصة داخل كلّ متجر، ما يعني تلقائيًا بيع المئات من القطع يوميًا على امتداد الوطن.
هذه الخطوة تنطبق على الميسورين، أمّا لأصحابِ الدخلِ المحدود، فإنّ الطّلب أيضًا متوافر لكن لناحية القطع الأقل قيمة كليرات الذهبِ مثلاً، إذ إنَّ هؤلاء يعمدون إلى تحويل ما تبقى من رواتبِهم إلى الدولار ويعملون على تحويلها لذهب لأجل الحفاظ على قيمة أموالهم، ومن هنا يوضح معظم التّجار أن عملية الشّراء هذه لا تقتصرُ على أحد لا بل تشمل أيّ كان سواء أكان راتبه بالدولار أو اللّيرة.
هل الذهب الملجأ الآمن حتمًا؟
قلناها مرارًا وتكرارًا… الذهب ثم الذهب ثم الذهب..” هذا ما يؤكّد عليه الخبير والمحلّل الإقتصاديّ علاء زين الدين، الذي يشير خلال حديث خاص عبر موقع “ليبانون فايلز” إلى أنّ سعر الأونصة اليوم يبلغ حوالي 2010$، بوقت تؤكد دراساتٍ اقتصادية أن السّعر يجب أن يكون أعلى، ويضيف:” إقتصاديًّا من المفترض أن نكون قد دخلنا الآن بمرحلة الركود الإقتصاديّ، خاصةً بعدما تم إعلان إفلاس مصرف سيليكون فالي في أميركا، حيث نشهدُ خلالَ هذه المرحلة انهيار كافة أسعار السّلع العالميّة ما عدا أسعار الذهب، وهذا ما يفسّر بأنَّ المستثمرين سواء في لبنان أو في الخارج سيكونون على استعداد لأجل الذهاب نحو شراء الذهب، “الملاذ الآمن”، وهذا ما سيفسّر لاحقًا الإرتفاع الإضافي الذي سيصيب أسعار الذهب لأننا مقبلون على دورة اقتصادية جديدة ستغيّر خارطة الإستثمارات، ومكانة العملات العالميّة كالدولار واليورو.”