معركة عين دارة
صدى وادي التيم – متفرقات/
كانت معركة الأقحوانة نقطة انطلاق في تاريخ الطائفة الدرزية، وأدى الانتصار فيها، إلى تثبيت جذور أبناء التوحيد في هذه المنطقة، وترسيخ كيانهم. وفي تاريخ الطائفة الدرزية، معارك شديدة وقوية، انتصروا فيها، لكن معركة عين دارة المشؤومة، كانت أكبر انكسار في تاريخ الطائفة الدرزية، وهي أصعب من محنة أنطاكيا، فمحنة أنطاكيا كان فيها عناصر خارجية معادية للدروز، حاولت القضاء عليهم، وكافح الدروز بقوة إيمانهم وصبروا وانتصروا في النهاية، أما معركة عين دارة، فكانت حربا أهلية بين الدروز أنفسهم، بسبب انقسام تافه، لا قيمة له، حملوه معهم من الجزيرة العربية، وظل يلازمهم طوال ألف سنة، وأدّى إلى تحطيمهم. هذا الانقسام بين قيس ويمن، كان شائعا في سوريا ولبنان بين جميع الطوائف، إلا أن الآخرين تحرروا منه، وتنكروا له، بعد أن فهموا مضاره والكوارث التي سبّبها، أما الدروز، فقد تمسّكوا به، واستماتوا من أجله، وقتل الأخ أخاه، وكانت النتيجة، أن سبعة قرون من الحكم الناصع في لبنان، انتهت وبدأت الطائفة الدرزية تتدهور وتخسر مراكزها، بسبب أمور لا قيمة لها، ولا جدوى فيها.
لقد تغلب القيسيون في عين دارة على اليمنيين، لتفاهة الزعماء في ذلك الوقت، الذين فضّلوا انتخاب زعامة غير درزية لهم تابعة لنفس المعسكر، مفضلين ذلك على زعامة يمنية من المعسكر الآخر. ولأسفنا الشديد، ما أن استقرّ المعسكر الذي انتصر في ذلك الوقت في لبنان، حتى انبثق فيه انقسام جديد، هو بين يزبكي وجنبلاطي، وتحوّل فيما بعد إلى جنبلاطي وأرسلاني، وهو ما زال قائما حتى أيامنا في لبنان.
معركة عين دارة، هي الحد الفاصل، بين عملية بناء الكيان الدرزي الشامخ، وبين عملية تدهوره وتخاذله. وقد وقعت في عام 1711 بين قوات اليمنيين، بقيادة الشيخ محمود أبو هرموش وأمراء آل علم الدين، وبين المعسكر القيسي، الذي ضمّ رجال الإقطاع الدروز من أبناء القاضي التنوخيين وآل نكد وجنبلاط وعبد الملك وتلحوق يدعمون الشهابيين السنيين. وكانت عملية معركة عين دارة خدعة، فقد اجتمع الفريقان في سهل قريب من بلدة عين دارة، حيث داهم القيسيون بقيادة حيدر الشهابي الجيش اليمني، بقيادة محمود أبو هرموش ليلا على حين غرة وتغلبوا عليهم. وقد سقط من القتلى ثلاثة من أمراء آل علم الدين، وقبض حيدر الشهابي على أربعة أمراء من آل علم الدين، أمر بقطع رؤوسهم فانقطعت به سلالتهم. أما القائد محمود أبو هرموش، فقد قُبض عليه، لكن رأسه لم يُقطع، بل اكتفوا بقطع لسانه وإبهاميه، وذلك تمشيا مع التقاليد، أنه لا يمكن قتل وال سابق في الدولة العثمانية، وجريا على عادة الولاة آنذاك، التي لا تسمح بإصدار حكم الإعدام على الأمير الحاكم. وقد كافأ حيدر الشهابي حلفاءه في المعركة، ووزع عليهم الإقطاع، وحصل آل أبي اللمع على حصة الأسد، ونال الشيخ قبلان القاضي إقليم جزين، والشيخ علي النكدي المناصف، والشيخ جنبلاط عبد الملك منطقة الجرد، والشيخان محمد وبشير تلحوق أُقطِعا منطقة الغرب الأعلى. وأدت نتائج هذه العركة، إلى فقدان الحزب اليمني أي سيطرة أو نفوذ في المنطقة خلال القرن الثامن عشر. لكن كانت لمعركة عين دارة نتيجة واحدة إيجابية، وهي تعمير جبل الدروز، فقد قام أعيان آل حمدان باكتشاف جبال حوران التي كانت شبه خاوية، وبنوا هناك مؤسسات وقرى، واستوطنوا جبل الدروز، وفتحوا المجال أمام آلاف المواطنين من الحزب اليمني من الدروز، الذين حصلت عليهم تعديات، فقاموا باستيطان الجبل وتعميره وبناء القرى فيه وزراعته. ولحسن حظنا، أن الانقسام اليزبكي الجنبلاطي، لم يصل إلى جبل الدروز، بل أنهم توحّدوا هناك، وبنوا مع الوقت قوة ضاربة، استطاعت أن تعوّض الخسائر في مراكز القوى للطائفة في لبنان.
الأحداث التي مرت فيها البلاد قبل معركة عين داره :
بعد مئات المعارك وربما آلاف المعارك والغارات بين القيسية واليمانية
أسدل الستار على هذه المعارك بمعركة عين الدارة عام 1711م
وكانت آخر المعارك بين الطرفين
وأنتهت هذه المعركة بإنتصار قيس على اليمن
في العام 1710، نقل والي صيدا خليل باشا الى القاهرة، وخلفه في الحكم عثمان باشا، وكانت لخليل باشا اموال في ذمة الامير حيدر شهاب، فكلّف الوالي الجديد عثمان باشا بتحصيلها. وعمل الباشا الجديد على اضعاف الامير حيدر، اذ قوّى زعماء الاسر اليمنية، ووعدهم بالحكم عند عزل الامير حيدر.
واقنع وكيل والي صيدا فريقا من اللبنانيين وجمعهم ضد الحاكم الشهابي، وجهّز حملة مؤلفة من 800 جندي، وهاجم مقر الامير حيدر في دير القمر.
ولما علم الامير بذلك، نهض من دير القمر، ومعه ولداه، الامير ملحم والامير احمد، فتبعه من اكابر البلاد الشيخ قبلان القاضي، وولده الشيخ علي النكدي، والشيخ جنبلاط بن عبد الملك، والشيخ محمد تلحوق وولده الشيخ شاهين. وبقي له حزب آخر في البلاد، مثل اللمعيين مقدمي المتن، وغيرهم من الاعيان. وتوجه بمن معه الى غزير في كسروان، وارسل عياله الى مقاطعة الفتوح.
وفي العام 1711، وبعد هرب الامير الشهابي بعياله الى كسروان، لحقته قوات الباشا الى غزير، فدمرتها وأحرقتها.
وعيّن باشا صيدا حاكما جديدا على جبل الدروز، هو الامير يوسف علم الدين، بدلا من الامير حيدر شهاب. ومن غزير هرب الامير الشهابي الى الهرمل، والتجأ عند امراء آل حرفوش الشيعة.
ولم يمض وقت قصير، حتى اقال باشا صيدا، الامير يوسف علم الدين من منصبه، وعيّن مكانه الشيخ محمود ابو هرموش. وبما ان عائلة ابو هرموش، لم تكن من العائلات الاقطاعية، فقد منحها الوالي، لقب الباشا. وعادى ابو هرموش القيسيين، وتقرّب من اليمنيين، ثم تزوّج فتاة من آل علم الدين، فغضبت الاسر الاقطاعية على آل علم الدين لأنهم زوّجوا ابنتهم. ونقم القيسيون على محمود باشا ابو هرموش، وكتبوا الى الامير حيدر شهاب، ودعوه الى العودة وتخليص البلاد. فظهر حينئذٍ من مخبأه وحضر الى قرية رأس المتن وأقام فيها عند المقدّم حسين أبي اللمع وأنفذ أمراً الى قيسيي الشوف، فحضر الكثير منهم واجتمعوا في رأس المتن. فلمّا بلغ اليمنيين ذلك أرسلوا الى بشير باشا والي صيدا يعلمونه بالأمر ويستنجدونه، وكذلك الى نصّوح باشا والي دمشق. وتمّ الاتفاق بين اليمنيين وأعوانهم على مباغتة القيسيّين، وذلك بمهاجمتهم في الوقت نفسه انطلاقاً من النقاط التالية:
– بيت مري في أول المتن حيث تكون قد احتشدت عساكر الدولة بإمرة بشير باشا.
– عين داره حيث تكون نقطة اليمنيين.
– المغيتة في طرف المتن وهي مركز تجمّع نصّوح باشا.
فلمّا بلغ الأمير حيدر هذا الاتفاق، اجتمع بالقيسيين وأجمعوا على مباغتة اليمنيين ليلاً في عين داره، وفق خطة تقضي بأن يمشي الأمير حيدر الى وادي الجوز شمال شرق عين داره، واللمعيون الى رأس القرية عبر وادي قطليج عند جسر شمليخ، أما قيسية الشوف فتمشي الى غرب البلدة.
تمّ تنفيذ خطة القيسيين في ليلة الجمعة من شهر محرم سنة 1711 م،
ودارت معركة طاحنة. وعند انتصاف النهار رجحت الكفّة لصالح القيسيين وسدّت منافذ الهرب في وجه اليمنيين فوقع محمود باشا هرموش وعدد من أمراء علم الدين في الأسر. وكان قد قتل عدد آخر من هؤلاء الأمراء خلال المعركة، والذين وقعوا في الأسر اتجه بهم الأمير حيدر الى الباروك حيث ضرب أعناقهم باستثناء محمود هرموش الذي اكتفي بقطع لسانه وابهامي يديه عملاً بالعادة التي كانت تقضي بعدم قتل الولاة عند وقوعهم في الأسر.
ولمّا علم والي صيدا ووالي الشام بما حلّ باليمنيين وما جرى لمحمود باشا هرموش عادا أدراجهما من غير أن يشاركا بالمعركة. بعد ذلك حكم الأمير حيدر في دير القمر وأعطى أعوانه كل ما كان قد وعدهم به.
أجرى الامير حيدر ترتيبات جديدة بين الاسر الاقطاعية الحليفة تركت بصماتها على مجريات الاحداث ومستقبلها. فوزّع الامير حيدر غنائم الحرب على جميع حلفائه فمنح المقدمين اللمعيين لقب امراء، الامر الذي سمح لهم بالزواج من الشهابيين وثبّتهم في اقطاعهم في المتن مضيفا اليه منطقة القاطع الذي فصله عن كسروان. ورفع آل جنبلاط الى درجة المشيخة وولاّهم على الشوف كما ولّى آل تلحوق على اقطاع الغرب وآل عبد الملك على اقطاع الجرد والنكديين على منطقة الناعمة، مبقيا على سلطة آل حمادة في بلاد جبيل وجبّتي المنيطرة وبشري. وثبّت القيسيين المسيحيين في اقطاعاتهم. فولّى الخازنيين على كسروان، والحبيشيين على غزير وضواحيها، وآل الدحداح على الفتوح، وآل العازار على الكورة، وآل الضاهر على منطقة الزاوية، وآل الخوري على رشميا. وقد عُرفت الأسر التي تولّت مهام الجباية وسواها في إقطاعات جبل لبنان “بالمقاطعجية”. وقد غَمَََرَها الامير حيدر بالاموال والالقاب والسلطة فأخلصت له ولخلفائه من بعده.
أصل القيسية واليمنية في التاريخ
ينسب العرب إلى أصلين كبيرين ، هما القحطانيون ، وموطنهم اليمن ، ولذلك عرفت قبائل هذا الأصل باليمنيين ، والأصل الثاني العدنانيون الذين ظهروا في الحجاز وتفرقوا في أنحاء جزيرة العرب (القيسيين )، وكانت قبائل اليمن تحكم العدنانيين ( القيس ) إلى ان ثارت قبائل القيس على اليمنيين وتحرروا من نيرهم بعد حروب طويلة .
واختفت النزعة هذه في صدر الإسلام الاول ، إلى أن ظهرت في عهد الإمام علي ومعاوية ، حيث تحزب القحطانيون اليمنيون لعلي ، وانتصر العوانيون القيسيون لمعاوية .
ولما وقع الخلاف بين الأمويين انفسهم ، انتصر بنو كلب اليمنيون لفريق ، وانتصرت قبيلة قيس المضرية لفريق آخر ، معرف الحزبان بالقيس واليمن وعلى مدى القرون الطويلة كانت هذه النزعة تظهر ثم تختفي ، ثم لا تلبث أن تظهر مرة اخرى ، وكان ظهورها الاخير وبشكل واضح مؤثر في الربع الاخير من العهد العثماني ، ورغم اختفاء هذه النزعة العصبية في كثير من من الأقطار العربية ، إلا انها بقيت واضحة في لبنان وفلسطين.
المصدر: الإعداد سلطان العماطوري
من عدة مواقع عبر الإنترنت