إدفَع “فريش” تَعِش.. أو “انتظِر الفرج” على أبواب المُستشفيات!

 

صدى وادي التيم – لبنانيات /

باتَ المجتمعُ اللّبناني عاجزاً عن تأمين أدنى مقوّمات العيش، في ظلّ الانهيار الذي يتفاقمُ يوماً بعد يوم ويَطال اليوم كافّة القطاعات والمجالات من دون أيّ استثناء. والخوف على الصّحّة أصبح جدّيًّا، وسط مُعاناة المواطن لتأمين طعامه مع النّقص في الأدوية وانتشار أنواعٍ مزوّرة بالإضافة إلى استبعاد اللّجوء للمستشفيات لتلقّي الرّعاية اللّازمة.

فبعدما أصبحت الرّعاية الصّحيّة في المستشفى حِكراً على الأغنياء، باتت اليوم محجوبة عن الجميع حتّى الميسورين! هذا الواقع يُهدّد فعلاً صحّة المجتمع المحلّي، وسيُلحقُ الضّرر بالفئات الهشّة والأكثر فقراً بالدّرجة الأولى، إلّا أنّه على المدى الطّويل، ستطالُ تداعياته كلّ فئات المجتمع لأنّ الرعاية الصّحيّة لن تعود متاحة لأيّ لبناني.

في هذا الإطار، أفادت “الدوليّة للمعلومات” أنّ نسبة الإشغال في المستشفيات تبلغ اليوم ما بين 50 و60 في المئة أي من 3 آلاف إلى 3600 مريض، ما يُقارب نصف عدد المرضى قبل الأزمة، في وقتٍ كانت نسبة الإشغال تبلغ 60 إلى 70 في المئة سابقاً. ويعود السّبب الأساس إلى عدم القدرة على دخول المستشفيات بسبب العجز عن تحمّل التّكلفة.

ويُشيرُ نقيبُ أصحاب المستشفيات الخاصّة سليمان هارون، في حديثٍ لـ”الأفضل نيوز”، إلى أنّ “وضع المستشفيات في العام 2023 مريع في غياب انتظام المؤسّسات والإضرابات، خصوصاً إذا استمرّت الأمور كما هي عليه”، لافتاً إلى أنّ “الأمور الإداريّة مُعطّلة والجهات الضّامنة الرسميّة لا إمكانات ماديّة لديها لتغطية التكلفة الفعليّة، واستمرار ارتفاع سعر صرف الدّولار وتقلّبه في السّوق السّوداء سيُفاقم المشكلة. في النّهاية، مرجعيّة الأسعار هي الدّولار، من مستلزمات طبيّة أو أدوية أو طعام أو مازوت”.

ويُضيف هارون: “من المشاكل الكبرى التي تواجهها المشتسفيات اليوم النّقص في الطّواقم البشريّة، وهذا أرغم بعضها على إغلاق أقسامٍ فيها أو تخفيف عدد الأسرّة، ويُمكن أن نشهد إقفالاً كليًّا لمستشفيات أو نقل ملكيّة كما شهدنا في الـ2022”. هذا وكانت “الدوليّة للمعلومات” قد لفتت إلى أنّ تقليص عدد الأسرّة في المستشفيات من حوالي 10 آلاف سرير إلى 6 آلاف سرير.

في ظلّ هذا الواقع، باتَ ملحوظاً لجوء المواطنين إلى مراكز الرعاية الصّحية الأوليّة بدل التّوجّه إلى المستشفيات، وفق ما تُفيد معلومات لـ”الأفضل نيوز”. وتلفتُ مصادر أحد المراكز الصّحية إلى أنّه شهد إقبالاً كثيفاً في الفترة الأخيرة، خصوصاً عند المُقارنة مع فترة ما قبل الأزمة. وتُضيف المصادر: “حتّى في المركز الصّحّي الذي تنخفضُ فيه التّكاليف نسبيًّا مقارنةً بالمستشفى، يُحاول العديد من المرضى خفض فاتورتهم قدر الإمكان، وأحياناً يطلبون عدم إجراء بعض الفحوصات المطلوبة إن لم تكن ضروريّة ومسألة حياة أو موت، بهدف التّوفير”.

ويقول هارون: “الكلفة المرتفعة والتكاليف الباهظة تُجبر الناس على الذّهاب إلى مراكز الرّعاية الأوليّة، وهذا أمر جيّد وتوجّه استراتيجي وعامل يُخفّف الكلفة على المواطن ويُمكّنه من تمرير الأزمة من دون أن يُحرَم من تلقّي العناية الطبيّة”. ويشرح: “السّبب الأساس لارتفاع الفاتورة الاستشفائية، ارتفاع سعر الدولار لأنّ المستلزمات كلّها نستوردُها ومعظم الأدوية أيضاً، وهذا يُدفع ثمنه بالفريش دولار، بالإضافة إلى صيانة المعدّات وكلفة المولّدات الكهربائيّة، كلّه يُساهم بارتفاع الفاتورة وزيادة التّكاليف على المواطن”.

وبالنّسبة إلى جودة الخدمة في المستشفيات، يؤكّد هارون أنّها “ما زالت مقبولة نسبيًّا، ونُحاول قدر الإمكان الحفاظ على مستوى عالٍ من الخدمات رغم كلّ المشاكل، ويُمكن القول إنّه حتّى اللحظة نتمكّن من تلبية حاجات المرضى ولكن بعدد أقلّ وهذا أمر خطير. لو أبقينا على عدد الأسرّة نفسه كالسّابق ولم يُقفل بعض الأقسام، لكان ذلك خفّف من مستوى الجودة بشكلٍ كبير”، لافتاً إلى أنّ “تقليص عدد الأسرّة ساعد في الحفاظ على الجودة بالطّواقم البشريّة الموجودة”.

التّحدّيات تكبر أمام المستشفيات أيضاً، فهل يُقفل بعضها؟ يُجيب هارون: “حالياً ما من مستشفى مُهدّد بالإقفال. ونحن نتصدّى للتحديات ونُحارب “باللّحم الحيّ”، بإمكانات ضئيلة وعناصر بشريّة تتقلّص تباعاً وبوضعٍ إداريّ سيّء جداً”.

ماذا عن خطّة تُعيد النّهوض بالقطاع؟ يُشدّد هارون على أنّه “لا يُمكن القول بوضع خطّة للنّهوض بالقطاع الاستشفائي وحده، إذ أنّنا جزء من كلّ اقتصاد البلد وكلّ المجتمع ولا يُمكن أن يكون هذا القطاع جزيرة فالحلول تأتي لجميع القطاعات بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية إلى تأليف حكومة جديدة وإجراء الإصلاحات وإعادة الثّقة بالبلد وتحسين مستوى المعيشة ودخل الفرد، كلّها أمور مرتبطة ببعضها ولا يُمكن أن تتجزّأ ولا أن نواجه التحديات إذا لم يتمّ العمل على معالجة هذه الأمور المذكورة”.

منظّمة “العفو الدوليّة” من جهتها، لفتت في آخر تقريرٍ لها، إلى أنّ مراكز الرّعاية الصّحية الأوليّة التي تشرف عليها وزارة الصّحة العامة وتديرها المنظّمات غير الحكوميّة والسلطات المحلّية، باتت أحد الخيارات القليلة المتاحة للمواطنين الذين يبحثون عن أدوية مجانية أو منخفضة التكلفة. ومع ذلك، وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في عدد الأشخاص الذين يلتمسون خدماتها، لم تتلقَ المراكز زيادة في التّمويل، مما أدّى إلى نقص الأدوية. 

فالتّهديد الصّحي يتفاقم، إذ يعيش الناس في لبنان مُعاناة لا تُحتمل في محاولتهم الحصول على الأدوية المُنقذة للحياة، هذا مع العجز عن دخول المستشفى.

من جهة أخرى، وفي وقتٍ تزداد الشّكاوى من المرضى وأهاليهم بشأن كيفيّة التّعامل معهم في المستشفيات من قبل الإداريين وأقسام المُحاسبة وبعض الأطبّاء، يُعلّق نقيب أصحاب المستشفيات مُقلّلاً من أهمّية ما يحصل، قائلاً: واقع الأمر اليوم “ما حدا عم يقدر يتحمّل الآخر”، وبالتّالي كلّ سؤال أو أمر يحصل داخل المستشفى يأخذ حجماً أكبر ممّا هو عليه و”بصير منها قصّة وبتكون شغلة ما بتحرز.. الناس عايشة على أعصابها وما حدا طايق حدا”. 

ويُضيف هارون: “نقوم دائماً بدورات تدريبيّة كنقابة مستشفيات، للطواقم والموظّفين بشأن كيفيّة التّعامل مع المرضى وأهلهم وخصوصاً من ناحية تحمّل الضّغوط. لا يجب أن ننسى أيضاً التّعديات المتكرّرة على الممرّضين والأطباء من قِبل أهالي المرضى، وهذا غير مقبول مهما كانت الأسباب، التّعدي بالضّرب أو التّكسير لا يجوز”.

المستشفيات في وضعٍ حرجٍ كما لم تكن عليه من قبل، والمواطن أيضاً لم يعد قادراً على التّضحية بصحّته وبصحّة أهله والمُقرّبين منه. حياتنا وحياة أهلنا باتت تتحكّم بها ألوف وملايين “الفريش دولار”. 

إدفع تَعِش.. أو تمُتْ على أبواب المستشفيات! كم بات الإنسان رخيصاً في بلدنا.. نَفَسُه يُساوي بعض الدّولارات!

المصدر: كريستال النوّار – خاص الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!