الحرب القضائيّة”: استراحة “ما بين عاصفتين” وخشية من انفجار!
“استراحةُ مُحارِب”. هكذا بدا المشهد في لبنان على مختلف الجبهات «المشتعلة» أو «النائمة»، في القضاء والمال والسياسة، من دون أن يكون بإمكان أحد تَلَمُّس آفاق أيٍّ منها ما خلا أنها كلها «طرقٌ توصل إلى… الانفجار»، بحسب “الراي” الكويتية:
وثمة انطباعٌ متزايد في بيروت بأن الأسبوعَ العاصِف الذي عاشتْه البلاد ولا سيما مع اندلاع «حربٍ قضائية» على تخوم التحقيق في «بيروتشيما» زلزلتْ العدلية وحرّكت «فوالق» سياسية، كما بلوغ الليرة «سلسلة قمم» جديدة في انهيارها المريع، فرضتْ على الجميع «التقاط الأنفاس» ومحاولة إخماد ما أمكن من «فتائل» كرّستْ واقع أن لبنان تتقاذفه «أفواه براكين» تتغذّى من فراغ متمادٍ في رئاسة الجمهورية.
وفي حين تستعدّ قطاعاتٌ عدة، ولا سيما النقل البري، لتحركاتٍ غداً على وقع الارتفاع «الحارق» لأسعار المحروقات حيث يناهز سعر صفيحة البنزين المليون و100 ألف ليرة، وبدء عدد من المدارس اللجوء إلى «خطط ب» (مثل إطالة عمر بعض العطل والتفكير في خفض عدد أيام الحضور المدرسي) لمواكبة المسار الجنوني للدولار والأسعار بانعكاسها المباشر على تكلفة النقل للمعلّمين والطلبة كما الإنارة والتدفئة وسائر المصاريف التشغيلية، فإن المَخاوف تتعاظم من أن يُفضي أي «تسونامي» تضخّمي جديد إلى تأجيجٍ واضطرابات في الشارع «المتحفّز» والذي أعطى بعض إشارات في الأيام الماضية إلى جاهزيته لتحركاتٍ يُخشى أن تتقاطع أيضاً مع الاحتقان الشعبي والسياسي الكبير الذي رافق وأعقب اندلاع معركة «الأمر لمَن» في تحقيقات «بيروتشيما» التي تنتقل من «خندق» تعطيل إلى آخَر.
ولم يكن عابراً أمس «المناخ التهويلي» الذي واكب تحركات، بعضها جرى وبعضها الآخر «أوحي» بأنه سيحصل، أمام قصر العدل، والذي استدرج خشيةً من «دم يُسال»، في ما بدا محاولةً لفرْملةِ جو التضامن مع أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، شعبياً وسياسياً (من غالبية نواب المعارضة) والالتفاف حول المحقق العدلي القاضي طارق بيطار الذي «حَكَم لنفسه» باستنئاف مهمته بعيداً من عشرات دعاوى الردّ والمخاصمة العالقة ضده، وفي الوقت نفسه إرساء ما يشبه «تَوازن رعب» بوجه ملامح الهجوم المضاد على مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات الذي «ادّعى بالمثل» على بيطار وذهب إلى وضع اليد على صلاحياته وأخلى كل الموقوفين في القضية.
وإذ برز انطباعٌ بأن التحقيق في «بيروتشيما» دَخَلَ نفقاً جديداً وأن أي وقف لتشظي القنبلة التي انفجرت في جسمه بات يستوجب تلازُماً بين خطوتين إلى الوراء يقوم بهما بالتوازي كل من بيطار وعويدات (طالب 40 من نواب المعارضة بمحاسبته) من دون أن يُعرف مَن يمكن أن يرعى مثل هذا المخرج الذي يحتاج بطبيعة الحال إلى «تتمات» وآليات غير معقّدة تُفْرج عن التحقيقات، فإن البارز كان اعتبار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع خلال لقائه سفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا «أن التطورات الأخيرة تحتم علينا توفير الدعم الكامل لاستكمال التحقيق في ملف انفجار المرفأ من خلال التوجه فوراً نحو تأليف لجنة تقصي حقائق دولية للمساعدة في كشف الحقيقة في هذه الجريمة واعادة تصويب مسار العدالة».
وكان محيط قصر العدل في بيروت شهد تحركاً لعشرات الناشطين الذين طالبوا بإقالة القاضي عويدات، وسط دعوات مضادة على مواقع التواصل الاجتماعي لتحرك مضاد دعماً لمدعي عام التمييز، وهو ما استدعى من أهالي ضحايا المرفأ إصدار بيان أعلنوا فيه أن «هناك دعوات توزع للتجمع عند الساعة 11 أمام قصر العدل في بيروت، منها ما هي مؤيدة لغسان عويدات ومنها ما هي مؤيدة لإقالته… يهمنا كأهالي ضحايا أن ننبِّه من هذه الدعوات التي تهدف – من جملة ما تهدف إليه – الى العنف وإراقة الدماء في الشارع»، متمنّين من «الجميع التيقظ وعدم الانجرار وراء من يحاول جرنا الى الفتن، والى متابعة الدعوات الى التحرك التي تصدر عن أهالي الضحايا حصراً».
وتَرافق ذلك مع إجراءات مكثفة نفذها الجيش اللبناني بين عين الرمانة والطيونة والشياح حيث أغلق بعض المداخل بالأسلاك الشائكة، تَدارُكاً لأي سيناريوات تستعيد ما حصل في تشرين الأول 2021 خلال مرور مسيرة لـ «حزب الله» وحركة «أمل» في طريقها إلى محيط قصر العدل للمطالبة بإسقاط القاضي بيطار حيث انحرفت التظاهرة باتجاه عين الرمانة ووقعت مواجهات دموية بدت معها البلاد على ضفاف حرب أهلية جديدة.
من جهتها، أشارت “القبس” الكويتية، الى ان في ظل الانهيار الاجتماعي المتسارع، تبدو العاصفة القضائية والمالية التي شهدها لبنان الأسبوع الماضي مفتوحة على شتى الاحتمالات، خصوصًا إذا ما توسعت الفوضى القضائية المرتبطة بتحقيقات جريمة تفجير مرفأ بيروت، والتي بدأت أجهزة أمنية تنبّه من انعكاساتها في الشارع.
ومن المرتقب أن يشهد الأسبوع المقبل احتدامًا للكباش القضائي بين مدعي عام التمييز غسان عويدات من جهة، والمحقق العدلي طارق بيطار من جهة أخرى. في الأثناء، يبقى مجلس القضاء الأعلى الذي لم يلتئم الاسبوع الماضي عاجزاً عن اتخاذ أي اجراء أو توجيه دعوة إلى جلسة جديدة.
بدورها، لفتت “الانباء الالكترونية” الى ان الهدوء النسبي في الملف القضائي لم يتزامن مع أي خرق يُذكر على صعيد معالجة الأزمة السياسية والتعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية كي يبادر الى معالجة الأزمة الإقتصادية المتفاقمة، والتي باتت تنذر بثورة شعبية. أمّا على صعيد الأزمة القضائية فما زالت تراوح مكانها وسط التلويح من قبل أهالي الضحايا بالعودة الى الشارع مع ما يؤدي ذلك الى توتر وتصعيد.
وعلى وقع الإنتظار يشتدّ غضب الشارع في العديد من المناطق، احتجاجاً على الفوضى الإقتصادية، القضائية والتعليمية، ممّا قد يُنذر بزعزعة الإستقرار الأمني مع تفاقم حدّة الأزمة وصعوبة التوّصل إلى حلول مُلائمة لتفادي الأسوأ.