بالصبر والإيمان والإرادة…

صدى وادي التيم-أمن وقضاء/

صبر وإيمان وإرادة، تلك هي أبرز عناصر المعادلة التي تجعل جنودنا يقفون بثبات في مركز «الثلاجة» على علو ٢٢٠٠ متر، وفي مراكز أخرى تقاربه ارتفاعًا ووحشة. وفي تلك المراكز الواقعة بين جرود بريتال وجرود بعلبك، كان لقائد الجيش العماد جوزاف عون لقاءات مع رجاله، وكان له كلام بدأه مؤكدًا عشية عيد رأس السنة أنّ زيارته للوحدات على الأرض هي بالنسبة إليه عيد، «فحياتنا الأساسية» هنا على الأرض، في المراكز المتقدمة، قال العماد عون.

يواصل الجيش زرع شرايين الحياة في الجرود الموحشة التي لم يسمع معظم اللبنانيين بأسماء جنباتها، وآخر المبادرات في هذا السياق الطريق الذي افتتحه قائد الجيش العماد جوزاف عون قبيل ليلة رأس السنة في منطقة البقاع، وهو طريق جرود بريتال – بعلبك الذي يمتد بطول ٢٢ كلم ليصل بين ٤ مراكز لفوج الحدود البرية الرابع، هي: مركزا مقيال الحلاني والنبي سباط في جرود بريتال، ومركزا الثلاجة وعمشكي في جرود بعلبك. وقد جرى الافتتاح في حضور قائد الفوج وضباطه ومحافظ بعلبك الهرمل القاضي بشير خضر وعدد من رؤساء البلديات والفعاليات في المنطقة.

تسهّل الطريق المفتَتحة انتقال العسكريين بين المراكز المذكورة، وضبط مناطق حدودية حساسة كانت تُستعمل سابقًا من قبل الإرهابيين للتنقُّل عبر الحدود الشرقية، كما تساعد المواطنين في الوصول إلى أراضيهم، وتخفف من صعوبات الحياة في مناطقهم النائية. فقبل تمركز الجيش في أعالي الجرود البقاعية، كان وجود طرقات يكسوها الزفت هناك حلمًا صعب المنال.

إنت من وين؟

الاحتفال الرسمي لم يكن سوى جزءًا من أجندة قائد الجيش في ذلك اليوم، فبالنسبة إليه تفقّد العسكريين المتمركزين في الأعالي هو أكثر من واجب، إنّه مصدر فرح ومناسبة لاستعادة ذكريات زمن الخدمة على الأرض ومشاركة الرفاق تعبهم وهمومهم وآمالهم. «إنّه عيد».

في جولته التي شملت النبي سباط ومقيال الحلاني والثلاجة، هنأ العماد عون العسكريين بمناسبة الأعياد المجيدة متمنّيًا لهم ولعائلاتهم عامًا أفضل، ومؤكدًا أنّ السنة المقبلة ستكون أفضل بوجودهم وثباتهم، وأنّ الأصعب مرّ. وقال لهم: «زيارتي لكم اليوم تعبيرٌ عن تقديري العميق لكل ما قمتم به خلال العام المنصرم وسط الظروف العصيبة التي يعاني منها وطننا. وجودكم هنا أساسي وضروري، لبنان هو بيتكم وهذه الحدود هي أبوابه ونوافذه، وأنتم تحافظون عليها. أنتم حافظتم على لبنان وكتبتم التاريخ، وهو سيذكر أنكم حميتموه، لولاكم لما بقي هذا الوطن، أنتم شرف هذه البزة التي ترتدونها».

وأضاف: «الدفاع عن وطننا شرف لنا، وهو دفاع عن العِرض والهوية. نحن نكبر بكم ولبنان يكبر بكم أيضًا. لقد نلتم محبة اللبنانيين وثقتهم كما ثقة المجتمع الدولي، وهي عامل أساسي في استمرارنا عن طريق المساعدات المقدمة من قبل اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، والدول الصديقة.»

وأكد أن الجيش صامد ومتماسك وقادر على الاستمرار خلافًا لكل الشائعات التي تطاله ومنها ما يتعلّق بأعداد الفارين، مشيرًا إلى أنّ هناك آلافًا من الشباب الذين تقدموا بطلبات تطويع للانخراط في صفوف المؤسسة العسكرية.

كما شدد العماد عون على أن القيادة تتابع أوضاع العناصر عن كثب من خلال رؤسائهم التراتبيين، وتسعى بأقصى جهودها إلى تخفيف وطأة الأزمة عنهم عبر تعزيز الطبابة العسكرية وتأمين مساعدات مختلفة، لافتًا إلى أن لبنان سيبقى بوجود الجيش، وأنه لا بد من التحلّي بالصبر حتى انجلاء الأزمة.

وقبل أن يغادر كانت له وقفة مع العسكريين، صافحهم واحدًا واحدًا استفسر فيها عن أحوالهم، سأل كلًا منهم من أي منطقة هو وأين يقيم وكيف يصل إلى مركز خدمته؟ لم يفاجئه أن يكون العدد الأكبر من عكار، وأن تغطي المناطق التي ذكرها العسكريون لبنان من أقصاه إلى أقصاه، هذا هو جيشنا الذي يحتضن جميع أبناء الوطن… ودّعهم، شد على أياديهم، لينتقل إلى محطة أخرى في يومه البقاعي.

خبز بلادك…

تفقد العماد عون أيضًا قيادة فوج الحدود البرية الرابع في بعلبك واطّلع على المهمات العملانية التي ينفذها والتحديات التي يواجهها في سياق مراقبة الحدود وضبطها. وإذ أثنى على جهود ضباط الفوج، أكد أنّ التاريخ سيسجل لجيش لبنان أنّه أنقذ بلده، وقال: «لولا جهودكم لما بقي لبنان، وهذا رأي المجتمع الدولي بكم». وفي هذا السياق أخبرهم: «قائد الأسطول الخامس في القيادة الوسطى الأميركية قال لي: «يجب أن توثّقوا تجربتكم خلال السنوات الثلاث الماضية فحري بها أن تُدرّس». وثمة جنرال بريطاني متقاعد يزورنا من وقت لآخر، قال: «أنا بريطاني وعلى الأقل أستطيع أن أتحدث باسم الجيوش الأوروبية، ما حصل عندكم لو حصل في أوروبا لما بقي جيش». كل ذلك بفضل جهودكم وتضحياتكم، تابعوا ما تقومون به وليكن تركيزكم دائمًا على الهدف، هدفنا حماية لبنان».

وخاطبهم قائلًا: «أنتم خيرة الشعب اللبناني وشرف هذا الشعب ولبنان. ناموا مرتاحي الضمير، فكرامتكم عالية وما تقومون به يتخطى طاقتكم. أنتم قادة حقيقيون، أصحاب مبادرة وإرادة صلبة وإيمان قوي. وإذ دعاهم إلى التمسك بإيمانهم ببلدهم لأنهم جميعًا أبناء مدرسة الصبر والإرادة والإيمان، لفتهم إلى أنّ الأوضاع في الخارج صعبة أيضًا، وهذا ما دفع ١٥٠ من العاملين في الجامعة الأميركية إلى العودة بعد أن كانوا قد سافروا، واس ت ش هد بمثل شعبي يقول: «خبز بلادك المعجون بالخل ولا خبز الغربة المعجون بالعسل»…

غادر قائد الجيش عائدًا إلى مكتبه لكنّ أصداء زيارته ظلت تتردد في المراكز، كلامه شحن النفوس بمزيد من الأمل والإصرار على مواجهة الصعاب وتحقيق الهدف الأسمى، وأكّد للعسكريين مرة جديدة أنّ قيادتهم إلى جانبهم بكل ما أوتيت من إمكانات وعزم. «شعرنا أنّنا فوق الريح، وبالفخر لكوننا أبناء هذه المؤسسة» قال أحد العسكريين في مركز مقيال الحلاني. وفي سرية الحدود البرية الأولى كما في مركزَي الثلاجة وعمشكي، تردد الكلام نفسه من عسكريين يؤمنون بقدسية مهمتهم ويثقون بقيادتهم مقدرين سهرها على متابعة كل التفاصيل المتعلقة بهم.

مراكز جديدة على الحدود، طرقات هي بمنزلة شرايين حياة، يواصل جيشنا تعزيز وجوده في مناطق لم يسبق أن وصل إليها منذ استقلال لبنان، ويواصل رجاله التزام رسالتهم النبيلة في الزمن الصعب، مزودين من الصبر والإيمان والإرادة ما يكفي لتحمّل جبال المسؤوليات الملقاة على عاتقهم.

المصدر:د. إلهام نصر تابت – مجلة الجيش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!