الألغامُ في لبنان.. احتلالٌ مُقنَّع

 

 صدى وادي التيم – لبنانيات /                                       

منذ اندلاع الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، وما رافقها من مسلسل للاعتداءات والحروب العسكرية الاسرائيلية في الجنوب والبقاع الغربيّ ، ولبنان يعاني من مشكلة الألغام، وتنتشر البقعُ الخطرة المفخخة بالألغام في معظم المناطق اللبنانية ، وإذا كانت هذه الآفةُ قد طالت معظمَ المناطق التي كانت تشكل خطوط تماس خلال الحرب ، تبقى أكثر المناطق معاناة من مخاطر الألغام، في منطقتي الجنوب ( من العام 1978 وحتى اليوم ) والبقاع الغربيّ ( من العام 1982 وحتى العام 1985)، حيث حصدت العديد من الضحايا.

مع تحريرِ معظمِ مناطق الجنوب في أيار من العام 2000 ، وصولًا إلى الفترات التي تلت العدوانَ الاسرائيليَّ على لبنان في العام 2006 ، سُجل وقوع المئات من الإصابات في صفوف المدنيين ، جراء اصطدامهم بقنابل عنقودية وألغام مضادة للأفراد ، القتها قواتُ الاحتلال الاسرائيليِّ في مساحات شاسعة من الأراضي والحقول الزراعية في مناطق عدة من الجنوب اللبنانيّ، وشكلت خطرًا حقيقيًّا أمام عودة الجنوبيين إلى منازلهم ، مع انتهاء العدوان في آب 2006.

في الجنوبِ اللبنانيّ ، ما تزال ورشُ التنقيب عن الألغام وإزالتها، متواصلةً في غير منطقة، وآخرها مبادرة لمنظمات غير حكومية جرت قبل أيام ، في تسع بلدات في الجنوب، وينشطُ في السياق ، المكتبُ الوطنيُّ لنزع الألغام التابع للجيش اللبنانيّ ، في جهوده للتخفيف من مخاطر الألغام ، بالتعاون والتنسيق مع قوات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب “اليونيفيل” ومنظمات ومؤسسات دولية ، والتي أثمرت ونجحت في إزالة ما نسبته 19 بالمئة من الألغام والقنابل العنقودية، فضلًا عن أنَّ المكتبَ ساعد المصابين بتوفير أطراف اصطناعية ، في حين ينشط في تنظيم ندوات وورش عمل بهدف التوعية من مخاطر الالغام. 

في جنوب الليطاني ، المنطقة التي تشكل عمل قوات الأمم المتحدة “اليونيفيل”، وفق القرار 1701 ، الصادر في أعقاب عدوان تموز 2006 ، تنشط هذه الوحدات في تنظيف المزيد من المساحات المزروعة بالألغام والقنابل غير المنفجرة، ما ساهم في إحياء الاستثمارات الزراعية في الحقول والبساتين المزروعة بالخضر والفاكهة، وتعمل وحدات من “اليونيفيل” متخصصة بالألغام في معالجة مساحات ما تزال خطرة، سيما في المناطق القريبة من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.

وتحولت عملياتُ نزع الألغام والذخائر غير المنفجرة في جنوب لبنان، إلى مهمة بارزة في عمل قوات “اليونيفيل”، وعملت فرق خاصة من بلجيكا وكمبوديا والصين وفنلندا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا ، بالتعاون مع الجيش اللبنانيِّ على تنظيف مساحات شاسعة من الأراضي، وفي تقرير لـ “اليونيفيل” ، أنَّ هناك أكثر من 1000 حقل ألغام في منطقة عمل قواتها ، وهي مساحات ما تزال تشكل عامل قلق للسكان المحليين ، ولأنَّ نزع الألغام عند سكان القرى والبلدات الجنوبية ، يشكل العامل الاساسيَّ لزراعة الأرض، ارتفعت وتيرة الاعمال الخاصة بإزالة الألغام ، نظَّفت فرق من الوحدات العاملة في”اليونيفيل” مساحاتٍ واسعةً من الأراضي، ومع السنوات ارتفع عدد الألغام والقنابل والقائف غير المنفجرة التي ازيلت من الأرض الى 50 ألفًا ، بالتزامن مع حملات توعية في العديد من المناطق، وهي حملات تستهدف فئة الأطفال وتلامذة المدارس الذين غالبا ما يتعرضون لحوادث انفجار ألغام صُمِّمَت على شكل ألعاب للأطفال لجذبهم إليها وتسجيل إصابات في صفوفهم ، وقد أصيب العشرات منهم ، خلال المرحلة التي أعقبت عدوان تموز 2006. 

اليوم ، وبعد سبعة عشر عاما ، تتواصل فرق التنقيب وإزالة الألغام في جنوب لبنان ، ويقول أحد اللبنانيين العاملين ضمن فرق نزع الألغام مع إحدى المنظمات الدولية العاملة في جنوب لبنان ، إنَّ طبيعةَ المخاطر في الألغام ، تستدعي العمل على التنقيب وإزالتها ، بوتيرة مدروسة وربما بطيئة جدا ، فالعمل يبدأ مع ساعات الصباح الأولى ، ويتوقف مع اشتداد حرارة الشمس، كي لا يفقد أعضاء الفريق القدرة على التركيز والتنبه، فيما تتراجع الأعمال خلال فصل الشتاء ، بسبب ارتفاع المخاطر التي يسببها تحرك التربة بفعل السيول ، حيث تتحرك الألغام من مكانها مع التربة، ما يستدعي دراسات وخطة عمل جديدة.

.. جاء في شهادة طفل أصيب بلغم ارضيّ : ” كنت أرعى أغنامي كالعادة، دخلت إلى الحظيرة ورأيت شيئًا مستديرا، وعندما حملته انفجر… رسمت حذاء ، رغم أنني أدرك أنني لن أنتعل أحذية أبدا من جديد”.

 حقائق 

كلفةُ زرع اللغم تساوي ما يقارب الدولار الواحد فقط ، بينما نزعه يكلف مئات الدولارات.

 معظم المصابين بالألغام في مناطق الجنوب اللبنانيّ ، هم من الأطفال والمزارعين والرعاة ، وهذا يدل على أنَّ الألغام تزرع بشكل كثيف في المناطق الزراعية والبساتين وقرب المنشآت المدنية التي يقصدها المدنيون.

خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006 ، ألقى الاحتلال أكثر من مليون قنبلة منتشرة على مساحة 35 مليون متر مربع في أكثر من 155 بلدة وقرية في جنوب لبنان والبقاع الغربي، وأسفرت عن وقوع 224 إصابة من بينهم 29 شهيداً .

 مقابل 100 ألف لغم يتم نزعها من باطن الأرض، يتم زرع مليوني لغم سنويا، أي مقابل زرع 20 لغم يُنزَع لغمٌ واحد.

خبراء ألغام في العالم : إنَّ عملية إزالة الألغام نهائيا من العالم، تتطلب أكثر من 1100 عام، هذا إذا لم يزرع أي لغم جديد.

المصدر: محمود الزيَّات -خاصّ الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى