سرعة انتشاره أدهشت العلماء – متحور جديد لـ “كورونا” يثير مخاوف العالم
صدى وادي التيم-طب وصحة/
تزداد المخاوف في العالم من انتشار متحور جديد لفيروس كورونا، تفشى بسرعة البرق في أيام قليلة، بشكل رئيسي في الولايات المتحدة، حيث ارتفع بها عدد المصابين الذين اضطروا لدخول المستشفى. المتحور الجديد الذي يعد طفرة لتركيبة من متحورات أوميكرون أطلقت عليه تسمية XBB 1.5 “إكس بي بي 1.5 ومن خصائصه الرئيسية سرعة انتشاره وتفشيه. فما الذي نعرفه عن هذا المتحور الجديد؟ وهل ستتمكن الأوساط الطبية من احتوائه قبل تحوله إلى وباء عالمي؟
انتشاره بسرعة مفرطة رغم مناعة الأشخاص وتلقيهم التلقيح، بدأت تقلق الأوساط الطبية في العالم. إنه المتحور الجديد XBB 1.5 “إكس بي بي 1.5” الذي يعود إلى سلالة سار-كوف-2 من فيروس كورونا. وأصبح ينتشر بسرعة فائقة في الولايات المتحدة. ففي غضون شهر تقريبا قفزت نسبة انتقال العدوى فيها من 5 بالمئة إلى 40 بالمئة.
“لم نشهد من ذي قبل هذه السرعة في انتقال العدوى منذ ظهور أوميكرون في 2021. إنه أمر مدهش”، يؤكد لورانس يونغ عالم الفيروسات في كلية طب وارويك البريطانية. وهي النتيجة نفسها التي توصلت إليها منظمة الصحة العالمية، والتي وصفت الأربعاء “إكس بي بي 1.5″ بـ”أكثر المتحورات نقلا للعدوى”.
هذه السلالة هي نسخة ثالثة وحتى رابعة من فيروس سار-كوف-2، باعتبار أن الأمر لا يتعلق فقط بمتحور وحيد لكوفيد-19. “إنها طفرة لتركيبة من متحورات أوميكرون”، حسب تفسير جوناثان ستوي عالم الفيروسات ومدير الأبحاث في معهد فرانسيس كريك في لندن.
على عكس السلالات التي تتولد مع حصول طفرات في الفيروسات الأكثر انتشارا، كل على حدا، يتشكل المتحور الجديد عموما “في جسم شخص مصاب بعدة متحورات تندمج فيما بينها”، وفق توضيحات لورانس يونغ.
ويتميز المتحور الجديد بخاصيتين، وهما مقاومته الكبيرة للقاح وأيضا المناعة التي قد تكون تشكلت عقب الإصابة بأوميكرون. كما أنه يثبت نفسه بسهولة وبقوة على خلايا جسم الإنسان لإصابتها” بالمرض، حسب يونغ.
هذه المقاومة التي تميزه ليست بالجديدة، “لقد كانت موجودة فعليا في المتحورات الفرعية الأخرى لـ XBB ولم تغيره الطفرة الجديدة”، يؤكد سايمون كلارك الباحث في الأمراض المعدية في جامعة ريدينغ. لكن، يتابع الباحث البريطاني، التغيير الكبير يحصل أساسا في الموضع 486 من الشفرة الجينية للفيروس، حيث “يحول بروتين سبايك، المفتاح المعروف الذي يسمح للفيروس بفتح باب الخلايا، للارتباط بسهولة بمنطقة الاستقبال فيها”.
هذا التغيير هو ما يتسبب في انتشار العدوى على نطاق واسع. “فإذا كان لديك فيروس يصيب الخلايا بسهولة، فأنت بحاجة إلى عدد أقل من مسببات الأمراض لإصابة شخص” آخر، يلخص سيمون كلارك، الذي يشير إلى أنه يمكن أن تكون هناك عوامل أخرى أيضا تُسرِّع انتشار العدوى، (على سبيل المثال إذا كان هذا المتحور يسبب كثرة السعال).
يتوفر “إكس بي بي 1.5” على كل المقومات التي تضمن له الانتشار عالميا. وزير الصحة الألماني كارل لاوترباخ عبر عن قلقه من هذا المتحور، ودعا إلى الحذر الشديد من الفيروس. “أتمنى أن نجتاز فصل الشتاء قبل أن ينتشر هكذا فيروس لدينا”، يقول الوزير الألماني في إيحاء إلى العبء الثقيل المحتمل الذي قد يخلفه تفشي العدوى على المستشفيات، المكتظة أصلا بمرضى الفيروسات الموسمية مثل الإنفلونزا.
في بريطانيا، بدأ مسار “إكس بي بي 1.5” يأخذ منحى الوضع الصحي في الولايات المتحدة. “فليس هناك مبرر أن تنجو بقية دول العالم من هذا المتحور”، يؤكد جوناثان ستوي.
لكن قد لا يوسع الفيروس انتشاره بنفس السرعة في جميع مناطق العالم. “يجب علينا أخذ المميزات المناعية للسكان بعين الاعتبار”، يلفت لورانس لونغ. ففي مناطق أميركا الشمالية التي انتشر فيها هذا المتحور بسرعة، هناك احتمال أن المتحورات التي كانت متفشية فيها قبل ظهور “إكس بي بي 1.5″، لم تكن تنتج إلا مناعة ضعيفة لدى المتعافين من كوفيد-19 ضد المتحور الجديد”.
إضافة إلى ذلك، “كانت حملة اللقاحات المعززة في الولايات المتحدة أقل فعالية من البلدان الأخرى، وخاصة في أوروبا”، حسب لورانس يونغ.
ويشير جوناثان ستوي إلى أنه وإن كانت هذه السلالة الجديدة تفلت من المناعة التي يوفرها اللقاح بسهولة أكبر (بما في ذلك المعززات ضد أوميكرون)، إلا أنه في أوروبا “هناك المزيد من الحواجز الوقائية” ضد الوباء.
ويبقى السؤال المطروح حول مدى ضراوة هذا الفيروس. فتفشي “إكس بي بي 1.5” في الولايات المتحدة أثر إلى حد ما على الطاقة الاستيعابية للمستشفيات في الولايات المتحدة، التي ارتفعت نتيجة ذلك بأكثر من 4 بالمئة مقارنة مع الأسبوع السابق، كما هو حال وحدات العناية المركزة التي سجلت ارتفاعا في عدد المرضى بنسبة 9 بالمئة. وهذا الوضع لا يثير الاستغراب بحكم أن “فيروسا ينتشر بسرعة، يصيب أيضا بسهولة وبسرعة الأشخاص المهددين أكثر بخطر الإصابة”، وفق شروحات لورانس يونغ.
ولا تشهد مناطق العالم التي انتشر فيها هذا المتحور تدهورا استثنائيا في الوضع الصحي مقارنة مع الولايات المتحدة، التي لا ينفرد “إكس بي بي 1.5” فيها “بزعامة” المتحورات المنتشرة في هذا البلد، حيث توجد سلالات أخرى إلى جانبه أكثر انتشارا. لكن ظهوره مؤخرا وسرعة تفشيه قد تضعه على رأس المتحورات الموجودة بكثرة في أميركا مستقبلا.
وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت أنها تراقب بشكل خاص المتحورة الفرعية من أوميكرون، XBB.1.5. وقالت إنه تم رصدها في 29 دولة حتى الآن بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة.
ويقول سايمون كلارك إن “المعطيات الحالية في الولايات المتحدة تفيد أن المتحور الجديد ليس أكثر خطورة من بقية السلالات الأخرى لأوميكرون”.
وحتى لو تبين أن “إكس بي بي 1.5” ليس أكثر ضراوة من بقية المتحورات، فليس هذا داع للتعامل معه بشكل عرضي. لأن الفيروس الذي يتفشى بسرعة يتمتع بكل الفرص لإنتاج متحورات فرعية، ما قد يؤدي إلى ظهور متحور أكثر شراسة من بقية الفيروسات الأخرى. وبالنسبة لجوناثان ستوي، متحور “إكس بي بي 1.5” “يجب أن يكون بمثابة تذكير حقيقي بأن الوباء لم ينته بعد”.