يوم بكى البطريرك لبنان.. صورةٌ بألف كلمة!

 

صدى وادي التيم – لبنانيات/

… يوم بكى البطريرك. صورةٌ بألف كلمة ارتسمت بدموعٍ حبسها رأس الكنيسة المارونية وغصّ بها صوته وهو يوجّه رسالةَ الميلاد الذي حلّ على وقع أعتى عاصفة شاملة حكمت على الوطن الصغير وشعبَه بـ… الموت البطيء.

واختصرت رسالةُ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أمس، الأزمات التي تتقاذف لبنان منذ نحو 3 أعوام مع بدء انهيارٍ مازال «يجرف» الواقع المالي والنقدي والمعيشي، واتضح أنه مجرد «رأسُ جبلِ جليدِ» مخاطر وجودية باتت تُطْبِق على لبنان الصيغة والفكرة والرسالة، ومن آخِر تجلياتها الشغور في موقع رئاسة الجمهورية الذي عطّل نظام الحُكْم واستولد «معارك» على ضفاف «الحرب الرئاسية» تُركت معها قمرةُ قيادةِ الـ «تايتنيك»… فارغة.

وغداة «تقريع» الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون «القيادة في لبنان» داعياً إلى «ضرورة تغيير القادة السياسيين وإزاحة الذين يعرقلون الاصلاحات»، ذهب الراعي أبعد في معرض التحذير من «مخططٍ لهدم لبنان» وتكرار الدعوة لمؤتمرٍ برعايةِ الأممِ المتّحدةِ والدولِ الصديقةِ خاصٍّ بلبنان «لأننا يئسنا من السياسيين» الذين وبّخهم «مسؤولين ونافذين مُمْعِنين في قتْل شعبنا بإفقاره وحرمانه وتشريده، وبتعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، وتفكيك المؤسّسات الدستوريّة».

واستحضر في «جردة الاتهام» لهؤلاء المسؤولين «ارتفاع سعر الدولار ولا أحدَ منهم يتحرك! تهبطُ الليرةُ ولا يَرِفُّ جِفنُ مسؤول! التحقيقُ في تفجيرِ مرفأِ بيروت يَنتظر القضاءَ، والقضاءُ ينتظرُ نهايةَ المناكَداتِ السياسيّة والمذهبيّة! حَصلت جريمةٌ سياسيّةٌ في بلدةِ العاقبية الجنوبيّة واغتيلَ جنديٌّ إيرلنديٌّ من قوّاتِ حفظِ السلام، وكأنّه حدَث عابر».

ووضع ما يجري في سياق «مخطّط ضِدَّ لبنان، تؤكد كلّ المعطيات السياسيّة وجودَه، لإحداثِ شغورٍ رئاسيٍّ معطوفٍ على فراغٍ دستوريٍّ يُعقّدُ أكثرَ فأكثر انتخابَ رئيسٍ»، سائلاً «ألم تمنع فئاتٌ سياسيّةٌ تأليف حكومةٍ قبل انتهاءِ ولايةِ الرئيسِ العماد ميشال عون رغمَ علمها أنَّ الحكومةَ القائمةَ مستقيلةٌ حُكماً وتُصرِّفُ الأعمال، وأنّها ستَخلقُ إشكاليّاتٍ في تحديدِ دورِها؟ ومن ثم صار تعطيلٌ متعمّد لانتخابِ رئيسٍ للجُمهوريّة ليُصبحَ لبنانُ من دون أيِّ سلطةٍ شرعية».

وتابع «نسأل المعنيّين بهذا المخطّط: ماذا تريدون؟ لماذا تنتقمون من لبنان؟ لماذا تهدمون دولة لبنان»؟

وشدد على أنه «مهما دارت الظروف لا أولويّةَ سوى انتخاب رئيس. لا توجد دولةٌ في العالم من دونِ رئيسٍ حتى في غياهبِ الكرة الأرضيّة».

وقال «إنّ الذين يمنعون إنتخاب رئيس لكلّ لبنان، يمنعون قيامة لبنان. أمّا البطريركيةُ المارونيّةُ فمُصمِّمةٌ على مواصلةِ نضالها ومساعيها في لبنان ولدى المجتمعَين العربيِّ والدولي من أجل تسريعِ الاستحقاقِ الرئاسي. لكنَّ الصراعَ الإقليميَّ يُعيق هذه المساعي لأنَّ هناك مَن يريدُ رئيساً له لا للبنان ويريد رئيساً لمشروعِه لا للمشروع اللبناني التاريخي. وهذا أمرٌ لن ندعَه يحصُلُ فلبنان ليس مُلكَ فريقٍ دونَ آخَر».

واعتبر «أن اللبنانيين يعيشون اليومَ أزمةً تَفوق سائرَ الأزَماتِ والحروبِ السابقة ومختلفةٌ بجوهرِها وغاياتِها عن جميعِ الأزَماتِ السابقة. فهذه أزْمةٌ من خارجِ الكيانِ والنظامِ والشرعيّة.

والمشكلةُ أنَّ الّذين يَرفضون نظامَ لبنان وهُويّتَه وخصوصيّتَه، لم يُقدِّموا أيَّ مشروعٍ دُستوريٍّ يَكشف عمّا يريدون».

وقال: «التسريباتُ المتناقِلةُ عن مشروعِهم لا تُناسِبُ أيَّ مكوّنٍ لبناني سوى أصحابِ المصالح الخاصّة، وليست بالتأكيد أفضلَ من لبنانَ القائم. حتى الآن لم يُقدِّم أيُّ طرفٍ لبنانيٍّ فكرةً وطنيّةً أو حضاريّةً أفضلَ من الفكرةِ اللبنانيّة.

وإذا كنّا دعونا – ونُصرّ – إلى مؤتمرٍ برعايةِ الأممِ المتّحدةِ والدولِ الصديقةِ خاصٍّ بلبنان، فكي نُحيّدَ لبنان عن أي مواجهةٍ عسكريّةٍ ويبقى الوضعُ مضبوطاً في هذه المرحلةِ الإقليميّةِ المجهولةِ المصير. ونقول أيضا إنّ الدعوة من جهتنا الى هذا المؤتمر تأتي لاننا يئسنا من السياسيين».

وفيما شدد على «أننا في الحقيقةِ لسنا على خلافٍ مباشَرٍ مع أحَد، بل نحن على تباينٍ مع أطرافٍ هي في نزاعٍ مع الوطن، ومتى تَصالَحت هذه الأطرافُ مع الوطنِ يلتقي الجميع ويَتوحَّدُ لبنان على الفور»، أعلن «أن مَن يَتوهّمُ داخليّاً أو خارجياً أنّه يستطيعُ أن يَتصرَّفَ انطلاقًا من معادلةِ الانتصارِ والهزيمةِ يُخطئ التقدير وهو مهزومٌ سلفاً. فكلّما اشْتدّت التحدّيات زادَ الصمودُ في وجهِ المخطّطاتِ وصولاً إلى إنقاذِ لبنان وتثبيتِ وجودِه».

الراي الكويتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى