هل كأس العالم قطر 2022 الأكثر تكلفة في تاريخ البطولة؟
صدى وادي التيم – رياضة:
مع اقتراب موعد انطلاق كأس العالم قطر 2022، يتم تسليط الضوء على الدولة المضيفة وتحضيراتها للمونديال ومدى استعدادها لاستقبال الجماهير من شتى بقاع الأرض.
وخلال الأيام الأخيرة، انتشرت على مواقع إخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، صورة تشير إلى ما انفقته دولة قطر لتنظيم المونديال، وتوضّح أنّ بطولة كأس العالم هذا العام، التي من المقرر أن تبدأ في نوفمبر/تشرين الثاني المُقبل، ستكون أغلى بطولة في تاريخ كرة القدم.
إذ تبلغ تكلفتها 220 مليار دولار، أي ما يقرب من 20 ضعف ما أنفقته روسيا في عام 2018، والتي بحسب الصورة المتداولة أنفقت حوالي 11 مليار دولار فقط.
وعلى العكس من ذلك تظهر الصورة أنّ تكاليف كأس العالم 2006 في ألمانيا تبدو ضئيلة تقريبًا، حيث بلغت قرابة 4 مليار دولار. فيما كانت أعلى ميزانية سابقة هي 15 مليار دولار أنفقتها البرازيل في عام 2014، بينما أنفقت جنوب أفريقيا 3.6 مليار دولار في تنظيمها مونديال 2010.
لم يتّضح للعديد ممن شارك الصورة، الأسباب الحقيقية للفروقات الواسعة في المبالغ المنفقة والظاهرة في الشكل المتداول، ولماذا أنفقت قطر هذا الرقم الضخم على الرغم من أنّ هناك دول أخرى نظمت البطولة بأرقام أقل بكثير.
في هذا التقرير يرصد “مسبار” ونوضّح الأسباب الحقيقية لتكاليف كأس العالم في السنوات السابقة وفي قطر.
ما الذي يجعل قطر مختلفة بالضبط؟
فازت قطر بحقّ تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022، بعدما اُختيرت في التصويت الذي جرى في مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، في مدينة زيورخ السويسرية وشارك فيه أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد.
وأعلن رئيس الفيفا السابق، جوزيف بلاتر، عن نتيجة التصويت لتصبح قطر أول دولة عربية وكذلك أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف هذه البطولة.
وكان الملف القطري لتنظيم كأس العالم 2022 الذي تم تقديمه إلى الفيفا، تعهّد بتنفيذ العديد من الجوانب الاقتصادية والرؤية البعيدة في تحقيق معايير الاستدامة في البيئة من حيث الطاقة والمنشآت المواكبة للتطور. وقدمت دولة قطر حينها أيضًا، التزامًا حكوميًا رسميًا بأن يتحقق النجاح في التنظيم وفق البنية التحتية التي قُدمت في عرض الملف القطري والتطوير الذي سيتم لاستضافة الحدث وتنظيمه.
وقدمت الدولة مجسمات لمشروعات الملاعب والمنشآت التي ستحتضن الحدث الكبير، كانت جميعها عبارة عن صور فقط للشكل المستقبلي للملاعب.
رؤية قطر الوطنية 2030
قبل إعلان فيفا عن فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022، وفي عام 2008 تحديدًا، أعلنت قطر عن الرؤية الشاملة لتنمية الدولة “رؤية قطر الوطنية 2030“، وهي عبارة عن مشروع يهدف إلى بناء الدولة في “مجتمع متقدم قادر على الحفاظ على تنميته وتوفير مستوى معيشة مرتفع لشعبه”، وكانت الرياضة إحدى الركائز الأساسية لهذا المشروع. كما شملت هذه الرؤية مشروعات ذات صلة مباشرة بكأس العالم، وتهدف إلى تعزيز الاستمرارية لما بعد البطولة.
وتم التخطيط لمعظم مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق هذه، والتي ستستخدم من قبل الفرق والمشجعين في المونديال، مثل الطرق الجديدة ومترو الأنفاق والمطار والفنادق والمرافق السياحية الأخرى، حتى قبل حصول قطر على حقّ استضافة كأس العالم.
ووفقًا للبيانات الحكومية وتصريحات المسؤولين، أنفقت قطر نحو 220 مليار دولار على البنية التحتية ومشروعات تنموية عملاقة، وذلك في 11 عامًا منذ فوزها باستضافة هذه البطولة. ومن بين هذه المشاريع تجهيز الملاعب المونديالية، والبنية التحتية من شوارع وجسور وأنفاق ومسارات للدراجات الهوائية وحدائق عامة ومتنزهات، إضافة إلى إنشاء شبكة سكة حديد لقطارات المترو والترام، إلى جانب الفنادق وأماكن إقامة المشجعين، وتوسعة مطار حمد الدولي، ومشاريع أخرى.
أي أنّ استضافة كأس العالم والمشاريع التي أقيمت تعد جزءًا من رؤية قطر الوطنية 2030، وهو ما أوضحته اللجنة العليا للمشاريع والإرث، المسؤولة عن متابعة ملف استضافة قطر لكأس العالم قطر 2022.
وفي تصريحات سابقة أدلى بها لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، أكّد حسن الذوادي، الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث، على الأهمية البالغة لكأس العالم قطر 2022 في إرث دولة قطر، معتبرًا أنّ أهمية هذا الحدث لا تقتصر على مجرد منافسات كرة القدم، وإنما يعد تجسيدًا للأهداف التي أرستها قطر في رؤيتها الوطنية 2030، ومنها التنوع الاقتصادي ودعم المبادرات البيئية والتنمية البشرية والتطور الاجتماعي.
وفي كلمة له خلال مشاركته في فعاليات منتدى الاقتصاد العالمي، أكّد الذوادي أنّ استضافة المونديال ساعدت في تسريع وتيرة تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.
كم تبلغ تكلفة ملاعب مونديال قطر؟
أكّدت العديد من التقارير الصحافية أنّ تكلفة ملاعب مونديال قطر 2022، من 7 إلى 8 مليار دولار. وخلال حديثه لبرنامج “بعد أمس” على الجزيرة بودكاست، الشهر الفائت، كشف الرئيس التنفيذي لكأس العالم قطر 2022، ناصر الخاطر، أنّ تكلفة المشاريع الخاصة بالمونديال والمصروفات تصل إلى حوالي 8 مليارات دولار. قائلًا “تكلفة مشاريع المونديال والمصروفات تصل إلى حوالي 8 مليارات دولار، وهو رقم طبيعي، وأقل من بعض البطولات السابقة، مثل البرازيل وروسيا”، مشيرًا إلى أنّ العائد المادي على الاقتصاد القطري، أثناء وبعد، سيصل إلى 17 مليار دولار، وبالتالي يمثل أكثر من ضعف التكلفة.
مكاسب كأس العالم لقطر
تتوقّع الحكومة القطرية أن تشهد هذه البطولة توافد ما بين مليون و200 ألف ومليون و700 ألف مشجع إلى قطر. ومن المنتظر أن تبلغ عائدات القطاع السياحي القطري فقط من هذه البطولة مليارات الدولارات، حسب توقعات حكومية وعدد من شركات الأبحاث الاقتصادية.
وتتوقع الحكومة القطرية أيضًا، أن يضيف الإنفاق السياحي والأنشطة الاقتصادية المصاحبة لهذا المونديال ما يعادل 1.5% إلى قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ويقول صندوق النقد الدولي ووكالة بلومبيرغ، إنّ الاقتصاد القطري سيجني عائدات مالية من تنظيم بطولة كأس العالم تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، بما في ذلك قفزة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطر قبل وبعد تلك البطولة العالمية. كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ النمو الاقتصادي في قطر 4.4%، مدعومًا ومدفوعًا بالعديد من العوامل الاقتصادية الأساسية، ومنها استضافة الدولة بطولة كأس العالم.
كأس العالم 2018 في روسيا
بالعودة إلى النسخة السابقة من البطولة، ووفقًا لعدد من التقارير الرسمية وتصريحات المسؤولين، أنفقت روسيا الكثير من الوقت والمال في بناء ملاعب جديدة وتجديد الملاعب القديمة والبنية التحتية الخاصة بالمواصلات لاستضافة كأس العالم 2018.
ولاستضافة الحدث، الذي استمر من 14 يونيو/حزيران إلى 15 يوليو/تموز 2018، قامت روسيا ببناء أو تجديد 12 ملعبًا في 11 مدينة مختلفة في جميع أنحاء البلاد، تمتدّ من مواقع بعيدة في الغرب إلى أقصى الشرق. ومن بين الملاعب الـ 12 المستخدمة للبطولة، تم تجديد ثلاثة وبناء تسعة أخرى خصيصًا لكأس العالم.
وأنفقت روسيا نحو 11 مليار دولار، على إعادة بناء المنشآت الرياضية وإضافات وتعديلات البنية الأساسية للمواصلات، إضافة إلى البنية التحتية لمرافق الإقامة. فيما أشارت بعض التقارير أنّ كلفة كأس العالم روسيا 2018، تخطّت حاجز الـ13 مليار دولار.
وحصدت روسيا الكثير من العوائد على إثر تنظيمها كأس العالم 2018، إذ قالت المديرة التنفيذية لاتحاد منظمي الرحلات السياحية في روسيا، مايا لوميدز، إنّ المونديال “جلب لروسيا أكثر من 850 مليار روبل (13.54 مليار دولار)، وهو ما يمثّل حوالي 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي”.
وبحسب لوميدز، شهدت السياحة الروسية طفرة بسبب كأس العالم، موضحة أنّ “حوالي 5.7 متفرجًا توافدو إلى الدولة بسبب البطولة”. كما وأكّد رئيس وكالة السياحة الفيدرالية الروسية، أوليج سافونوف، على أنّ “المدن المضيفة لكأس العالم استقبلت أكثر من خمسة ملايين سائح”.
كأس العالم البرازيل 2014
خلال كأس العالم 2014 في البرازيل، أنفقت الدولة أكثر من 11 مليار دولار، في تحسينات البنية التحتية المُتعلّقة بتنظيم البطولة، وذهب ثلثها إلى بناء أو إصلاح الملاعب في 12 مدينة مضيفة، وتسببت هذه المبالغ في خروج مظاهرات عديدة من قبل البرازيليين الذين سئموا من ضعف الخدمات العامة في البلاد، والمطالبة بصرف هذه الأموال على المستشفيات والمدارس ووسائل النقل العام بدلًا من المونديال، وفقًا لوكالة رويترز.
ووفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة معهد البحوث الاقتصادية البرازيلية، بناءً على بيانات وزارة السياحة، ضخت بطولة كأس العالم 2014، حوالي 30 مليار ريال برازيلي في اقتصاد البلاد (أكثر من 5 مليار دولار). فيما توقعت تقارير حكومية زيادة نمو الاقتصاد البرازيلي وتحقيق عشرات مليارات الدولارات في السنوات التي أعقبت البطولة.
كأس العالم جنوب أفريقيا 2010
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، قالت حكومة جنوب أفريقيا في تقرير نشرته عن بطولة كأس العالم جنوب أفريقيا 2010، إنّ البلاد أنفقت أكثر من 3 مليارات دولار على تنظيم البطولة، موضحة أنّها حصلت في المقابل على “إرث غير ملموس” نتيجة الحدث.
وفي التقرير الذي صدر بعد عامين ونصف تقريبًا من الحدث، قالت حكومة جنوب أفريقيا إنّها أنفقت 1.1 مليار دولار على بناء وتحديث الملاعب وحدها. وكان النقل هو الأكثر تكلفة، إذ خصصت حوالي 1.3 مليار دولار لتحسين الطرق والسكك الحديدية والطيران، و392 مليون دولار أخرى على موانئ الدخول الرئيسية في البلاد.
وجاء التقرير في غياب أي أرقام نهائية حول المبلغ الإجمالي الذي كسبته البلاد من كونها البلد المضيف، وقال التقرير إنّ بطولة كأس العالم “تركت إرثًا غير ملموس من الفخر والوحدة بين مواطني جنوب إفريقيا، وغيرت صورة البلاد على أنها بلاد جريمة غير متطورة وممزقة وخطيرة في عيون بقية العالم”.
ووفقًا لدراسة أجرتها شركة تحليل المخاطر والتمويل Grant Thornton، توقعت فيها حصول زيادة قدرها 6 مليارات دولار لاقتصاد جنوب أفريقيا نتيجة لكأس العالم الذي استمر لمدة شهر.
كأس العالم ألمانيا 2006
استضافت ألمانيا كأس العالم عام 2006، وأشارت البيانات إلى أنّ الحكومة الألمانية أنفقت قرابة 4 مليارات دولار على البنية التحتية وتجهيز الملاعب. وبالمقابل، فإن الإيرادات التي حققتها ألمانيا خلال فترة المونديال كانت كبيرة، وشهدت البلاد طفرة كبيرة في مبيعات الأغذية والمشروبات والمواد التذكارية، إذ ارتفعت المبيعات إلى أكثر من 2.6 مليار دولار، كما شهدت الإيرادات السياحية طفرة أيضًا، وبلغت الإيرادات أكثر من ملياري دولار، بحسب ما أعلنته الحكومة آنذاك، إضافة إلى مكاسب أخرى حققت ملايين اليوروهات.
يتّضح من هذا التقرير الفرق الكبير بين كلفة كأس العالم 2022 في قطر، والإنفاق الذي تم على الكثير من مشاريع البنية التحتية التي كانت بالفعل جزءًا من خطة التنمية القطرية لعام 2030، وهي مشاريع مستدامة ستستفيد منها الدولة خلال البطولة وبعدها، وتم تقديمها من أجل كأس العالم. على عكس البلاد الأخرى التي نظمت كأس العالم في السنوات السابقة ولديها بنية تحتية جاهزة، وأنفقت هذه المبالغ من أجل تنظيم البطولة فقط.
وكان فريق مسبار رصد في وقت سابق أبرز الأخبار المضللة حول بطولة كأس العالم قطر 2022 بعنوان “كأس العالم قطر 2022: أبرز الأخبار المضللة والزائفة قبل أشهر على انطلاق البطولة“