الحشيشةُ تصلُ إلى معظم البيوت البقاعية: “الممنوعُ صارَ مسموحًا”
صدى وادي التيم – لبنانيات:
في مشهدٍ غير مألوف تمردَ شباب البقاع على حرمة العادات والدين والعيب، فكلُ ممنوعٍ صار مسموحًا وعلى العلن في بعض البلدات البقاعية. فيسود الهدوء في سهراتهم كلَّ يوم دون أن تسمعَ عن أي إشكال، فمعظم الشباب في غيبوبة الحشيش وقليلٌ منهم بات يتعاطى المخدرات وكأنها شيءٌ مألوف منتظرين فقط أن تُشرعَ لتصبحَ جهرًا في ضوء النهار.
بدأ لبنان بزراعة القنب الهنديِّ أو ما يُعرفُ بحشيشة الكيف عام ١٩٣٠، وقد بلغت هذه الزراعة ذروتها خلال الحرب الأهلية نتيجةً للفوضى العارمة التي حلت بلبنان. أما اليوم ارتفعت نسبة زراعة الحشيش في البقاع ١٠٪ وفق ما أكده المزارعون في البقاع، ولكنها ما تزال غير مُشرعة بعد، بانتظار موافقة مجلس النواب على القانون الذي يسمحُ بزارعة الحشيش لأغراضٍ طبية وصناعية.
أما عن نسبة المدمنين على الحشيش والمخدرات تضاعفت مرتين بحسب ما نشره تقرير الأمم المتحدة في لبنان. ويعود ذلك للأوضاعِ الاقتصاديةِ والاجتماعية والأمنية السيئة التي يُمر بها لبنان، فيحاول الشباب الابتعاد عن الواقع المرير بإدمان الحشيش، المخدرات والكحول. فيمضي معظمُ الشباب العاطلون عن العمل أوقاتهم في المقاهي التي باتت المروجَ الأول للحشيش، ويأتي في المرتبة الثانية بائعو “بسطات القهوة” بحيث باتت مصدرًا خطيرًا وجاذبًا للشباب لإدمان الممنوعات. وبالتالي الخوض بمعارك وعادات سيئة جديدة. فيبدأ الشاب العاطل عن العمل برهن الأملاك من بيوت ومجوهرات، وفي كثيرٍ من الأحيان يلجأ الفقراء إلى السرقة من أجل شراء الحشيش ،الأمر الذي يمُكن أن ينتهي بجرائم كبيرة لا تُحمدُ عقباها كالقتل.
بات المشهدُ الذي يخيِّمُ على حارات القرى البقاعية مخيفًا كُلَّ ليلة، فتبادل الممنوعات يبدأ مساءً لينتهي مع طلوع الفجر وينهي معه مستقبل شباب ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا في لبنان، إلا أنَّ هذا لا يُبرر الخطأ، فالإدمانُ سيزيد من سواد حياتهم ومستقبلهم. أما الأكثر غرابة في هذه الصورة، وجود عدد كبير من الفتيات في عملية بيع الممنوعات وتعاطيها. وكأنَّ كلَّ الحواجز والخطوط الحمراء القروية قد زالت، وبات الشباب اللبناني في قمة اليأس واللامبالاة.
تُعدُّ مشكلةُ الإدمان على المخدرات من أكبر المشاكل التي خلقتها الأزمة اللبنانية، أو إذا صح التعبير زادت منها. فالإدمان آفةٌ تعاني منها كافة الدول ولكن بنسبٍ مختلفة، وبوجود سُلطات تعمل على الحدِّ منها بعكس لبنان حدث ولا حرج فما من سُلطة صاحية لتحدَّ من هذه الآفة وخلق مستقبل أفضل لهؤلاء الشباب الذين يُعدون ضحايا بالمرتبة الأولى، فهم ضحايا الفقر، والبطالة والفراغ، والفلتان الأمني، والجهل في بعض الأحيان. وفي الطرف الآخر هم جُناة، فنبدأ بحوادث السير التي يتسببون بها عند قيادة السيارة تحت تأثير المخدرات، إلى المشاكل الأسرية والخلافات الزوجية التي تصلُ إلى حدِّ العنف في كثيرٍ من الأحيان، ناهيك عن السرقة والسلوكيات غير الأخلاقية وغير القانونية.
المُشكلة وقعت ولكن أين الحل؟ يبدأ الحلُّ من الشخص عينه بدايةً، فعلى كلِّ مدمن أو شاب معرفةَ مخاطر هذه الآفة. ليأتي فيما بعد دور الدولة والمؤسسات المدنية في توعية الشباب من خلال التطرق إلى أضرار المخدرات وتأثيرها عبر ندوات دورية في المدارس والجامعات وحتى في بلديات القُرى. والدور الأكبر يبقى من مسؤولية السُلطات، فإذا كان الفلتان الأمني منتشرًا في البلاد “وكل مين إيدو إلو” دون حسيبٍ أو رقيب سنصلُ إلى نتائج لا تُحمد عقباها.
لا يُمكننا اليوم التبرير لهؤلاء الشباب ولكن في الوقت نفسه لا يجوز أن نجلدهم مرة أخرى. فنظراتُ المجتمع لهم ستزيدُ من حدة المشكلة، لنكن عونًا لهم لا عليهم. هو مرضٌ تغلغل في أجسادهم دون أن يعوا مدى خطورة الأمر على حياتهم، ظنوا أنها للتسلية ونسيان الهموم دون أن يعلموا أنها ستزيدُ من حياتهم سوءًا، فالفقر يرحل والعمل يأتي ولكن أرواح ومستقبل كل شاب إذا تدمر سيصعبُ ترميمه من جديد فالذي كُسر ربما لن يعود كما كان. فرأفة بأرواحكم وبقلوب أمهاتكم، فالإدمان هو عادةٌ تجلب السعادة المؤقتة وتسرقُ ما تبقى من حياة جميلة.
ريما الغضبان- الأفضل نيوز