لبنان في مهبّ النزوح السوري… النار اقتربت من “البارود”!

 
 
 
7 سنوات على الحرب في سوريا. 7 سنوات ولم يولد أي ربيع، بل مات الياسمين والورد الجوري، ومات الأطفال. 7 سنوات وسوريا، والجوار، في طور عملية إحصاء لامتناهية. سوريا تحصي قتلاها ومنكوبيها وأراملها وأيتامها. وسوريا تحصي مشرديها وصغارها المقذوفين ببحر لئيم على شاطئ المجهول. والعالم أيضاً لا يتوّقف عن العدّ: مليون لاجئ – نازح. مليونان. خمسة أو عشرة…400 ألف قتيل وقتيلة. نصف مليون يعيش في الدمار! إنها حربٌ مجنونة، فيها الحسابات، بكلّ أبعادها وأشكالها ومعانيها، حاكمة بأمرها!

7 سنوات، ولا يبدو أنّ هذا الجنون سيتوّقف. سوريا متهالكة، تئن وتحتضر. الجوار ليس بأفضل أحواله أيضاً. لبنان تحديداً، ما عاد أبداً بخير، رغم الصورة المتماسكة التي يحاول أن يُظهرها. النازحون السوريون المنتشرون في كلّ مناطقه بطريقة عشوائية وغير منظمة باتوا يشكلون عبئاً على أصعدة كثيرة، اقتصادية واجتماعية وصحية وأمنية… هذا ما يعترف به الجميع، من مسؤولين ومواطنين وحتى من مجتمع دولي مُدرك لحجم التحديات والصعوبات التي تُثقل كاهل البلد المضيف. لكن هل من يتحرّك فعلاً لحلّ ملف بات يوصف بـ “الأزمة”؟! لماذا هذا التراخي، أو الإهمال، أو التقصير؟ لمَ كلّ تلك الفوضى التي تهدد المجتمعين، المجتمع المضيف ومجتمع النزوح، ولا سيّما أن العلاقات بين الاثنين باتت قابعة على جمر ملتهب؟!

والأنكى، لم زجّ الملف مؤخراً في البازار الحكومي، وذلك من بوابة “التقاتل” على وزارة الشؤون الاجتماعية، ومن خلال الردّ والردّ المضاد؟!

الوضع صعب ومقلق. الأزمة قائمة، بل متفاقمة، بحسب الخبير في السّياسات العامَّة واللَّاجئين زياد الصائغ الذي يستطيع أن يُلخّص او يختصر أسبابها بجملة واحدة: “الطبقة السياسية اللبنانية لم تتفق على سياسة عامة موحدة لمعالجة أزمة النزوح”.

وقبل أن يغوص في تفاصيل القضية، يعيد الصائغ التذكير بأن المصطلح الواجب استعماله، لبنانياً، هو “نازحون” وليس “لاجئين” (مع العلم بأن المجتمع الدولي يستخدم مصطلح “لاجئون”). يشرح أن لبنان لم يوّقع على اتفاقية 1951 ولا على بروتوكولات 1967 بما يعني أنه ليس بلد لجوء. ولبنان يعترف فقط باللاجئين الفلسطينيين المرتبطين بقرار الأمم المتحدة 194 والذي يتحدث عن حق العودة. 

النازحون … والخلاف اللبناني – اللبناني

في حديث لـ “لبنان24″، يشرح الصائغ أنّ اللبنانيين متفقون على مبادئ عامة وعلى رأسها إعادة النازحين السوريين إلى سوريا. لكن في الوقت ذاته، هم أيضاً مختلفون حول قناة تلك العودة: فريق يدعو إلى التفاوض مباشرة مع النظام السوري وفريق آخر يريد أن تكون تلك العودة من بوابة الأمم المتحدة، لا غير.

برأيه كخبير، يلفت إلى أنّ “المبدأ العام يقول بضرورة معالجة قضية العودة من خلال الأمم المتحدة لأسباب عديدة ورئيسية، أبرزها: إن الأمم المتحدة تخوض قناة عملية السلام في سوريا من خلال مسار جنيف وهي قادرة على التواصل مع كل الأفرقاء سواء كانوا من جهة النظام أم المعارضة، كما أن الأمم المتحدة هي الجهة التي سيكون النازحون تحت رعايتها لدى عودتهم.

ويلفت الصائغ إلى أن لبنان يحترم مبدأ العودة الطوعية انطلاقاً مما يسمى بعدم الإعادة القسرية، ولذلك هو يتحدث اليوم عن مبدأ العودة التدريجية والمنظمة التي يجب أن تكون كريمة وآمنة!

ويذكّر بأن لبنان أوقف تسجيل النازحين في العام 2015 ، لكنه في المقابل لم يُقفل حدوده في وجه النازحين الراغبين بالعودة إلى ديارهم، قائلاً:”سجلّت حالات عودة بدليل انخفاض عدد السوريين المسجلين على قيود المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى حوالى 990 ألف، وقد حصل ذلك إما من خلال الهجرة إلى دولة ثالثة،وإما بفعل توطينهم في بلد ثالث من خلال مسار اعادة التوطين وإما من خلال العودة إلى سوريا. 

وعن البيانات الصادرة عن المجتمع الدولي والتي عارضها لبنان الرسمي باعتبار أنها تدعو إلى توطين السوريين في لبنان، أشار الصائغ إلى أنه صدر بيانان عن مؤتمر بروكسيل 2: البيان الاول هو بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والثاني بين الاتحاد الأوروبي وكلّ من الدول المضيفة. وفيما اعتمد البيان الرئاسي العام (بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) مبدأ العودة الطوعية الكريمة والآمنة (وهو ما فُسّر في لبنان على أنه دعوة إلى التوطين)، لم يأت البيان الثاني على ذكر العودة الطوعية بل تمّ الأخذ بكلّ ملاحظات لبنان وهواجسه. يشرح الصائغ: “ليس غريباً أن يتحدث البيان العام عن مبدأ العودة الطوعية  وتخفيف التوترات من خلال معالجة القضايا الاقتصادية والمعيشية لمجتمع اللجوء والمجتمع المضيف على حدّ سواء لأن ذلك يندرج ضمن مبادئ القانون الدولي العامة وبالتالي لا تغريد خارج السياق! أما فحوى البيان المشترك بين لبنان والاتحاد الأوروبي إنما يدلّ إلى أنّ التدابير السيادية التي يمكن أن يتخذها لبنان لعودة النازحين تخضع لرؤية الدولة اللبنانية ولا يُعلى عليها، على أن تُنظّم الدولة اللبنانية نفسها ضمن سياسة عامة موحدة وتحترم ضمان العودة الكريمة والآمنة بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

اللغة الواحدة

أما ولماذا لا يفلح لبنان بذلك؟ّ ببساطة لأن الاشتباك السياسي الحاصل لا يسمح للدولة اللبنانية بأن تنطق بلغة واحدة وموّحدة.

ويشدد الصائغ على أن الحلول العلمية متوافرة. لقد أنجزت وزارة الدولة لشؤون النازحين السياسة العامة بالتعاون مع كل الوزارات، والمطلوب اليوم هو إقرارها واعتمادها وفق المعايير العلمية الموجودة فيها وليس بالاستناد إلى عناد من هنا أو رفض من هناك، وإلا فالآتي أعظم!

برأي الصائغ، فإن لبنان ذاهب إلى الأسوأ في حال استمرّ بالتعاطي مع ملف النزوح بالشكل الذي ما انفكّ مستمراً منذ العام 2011 وهو ما أوصلنا إلى عطب إداري مؤسساتي بسبب تشتت المرجعية وإلى عطب في الرؤية في ظلّ عدم التوافق حول سياسة موحدة، وصولاً إلى ما بتنا نشهده اليوم من زجّ القضية في بازار سياسي وشعبوي وديماغوجي!

التداعيات خطيرة، ليس أقلّها تسعير التوترات بين مجتمع النازحين والمجتمع اللبناني ما يهدد بضرب الاستقرار المحلي والصيغة اللبنانية، كما بضرب النسيج السوري وهويته.

وهنا يُذكّر الصائغ بأنه من الضروري في الوقت الذي يتمّ فيه التحضير لعودة النازحين إلى بلادهم، الحفاظ على استقرار البلد المضيف وخلق مقومات الصمود، ويعلّق:” للأسف، أستطيع أن أقول في هذا السياق أن المجتمع الدولي مقصّر في دعم لبنان، ولنتذكر أننا لم نستطع أن نُحصّل أكثر من 45% من المساعدات في العام الماضي، وهو أمر سلبي على لبنان”.

برأي الصائغ، تقصير المجتمع الدولي  والدول المانحة سببه ربما شعور بالتعب بعد دخول الحرب في سوريا عامها الثامن. لكنه يسأل:” هل يمكن ان تُحل ازمة سياسية امنية بتدخل إغاثي أو تنموي وحسب؟! طبعاً لا. هذه حلول موقتة لا تدوم. الحلّ يكون بوقف الحرب في سوريا وإعادة النازحين إلى بلادهم”.

وبانتظار أن تنتهي تلك الحرب، على لبنان ألا يكون جماداً. التحرّك مطلوب اليوم قبل الغد، والحلّ يكون بالكفّ عن افتعال إشكالات سياسية عقيمة، بل والعمل بجديّة من خلال الوزارات كافة والطرق الدبلوماسية اللازمة وصولاً إلى إقرار سياسة عامة يلتزم بها الجميع في الداخل اللبناني كما تلتزم بها الشرعيتان الدولية والإقليمية ذلك أن لبنان عضو مؤسس في كلّ من الأمم المتحدة والجامعة العربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى