لست فؤاد شهاب…بقلم”بيار عطالله”
صدى وادي التيم-رأي حر بأقلامكم/
سعى الشهيد الاستاذ جبران تويني جاهداً الى قيام افضل العلاقات بين العماد ميشال عون ووالده غسان تويني، وكان يقول لي، او يذكرني دائماً بأن مهمتي في باريس هي تغطية نشاط الزعماء الموارنة الثلاث: الرئيس أمين الجميل، العميد ريمون أده والعماد ميشال عون، و”ما عندك شغلة ثانية” و “ان تكون النهار منبراً لهم للاطلالة على الوضع اللبناني من منفاهم الفرنسي”. لكن العلاقة لم تكن لتستقيم بين غسان تويني والعماد ميشال عون فالاثنان على طرفي النقيض غسان تويني مع رفيق الحريري وسياسته وعون ضد الحريري واتفاق الطائف والاحتلال السوري على لبنان. غسان تويني يكتب مهاجماً عون، فيرد عون بكلام ناري، فيتدخل جبران اما عبر الهاتف او بحضوره شخصياً الى باريس لاصلاح الاحوال، او الاتصال بي للتواصل مع عون والتخفيف من حدة الرد على تويني الأب، وهذا ما كان يحصل الى ان طفح الكيل مع عون مرة، وقال لي: “غسان تويني ينام ويحلم بـ فؤاد شهاب وعندما يستيقظ يهاجمني، انا لست فؤاد شهاب (وغسان تويني كان على عداء كبير مع الشهابية ولم يرى من انجازاتها الكثيرة في بناء مؤسسات الدولة سوى ممارسات الشعبة الثانية)”.
حقق العماد ميشال عون حلمه بترؤوس الجمهورية خلال السنوات الست الاخيرة، ورغم انه لا يتحمل المسؤولية عن الوضع برمته بل هو ورث تركة مثقلة بالسرقات والفساد والمحسوبيات إلا ان يتحمل ايضاً جزءاً لا بأٍس به من المسؤولية عن انهيار الدولة اقله منَ العام 2005. واستطراداً كان ما كان من افلاس البلاد والعباد في كوارث ومسلسل ازمات لم تعرف الجمهورية مثيلاً لها في كل عهودها، الى درجة ان تشبيه العهد المنتهية رئاسته بعد اقل من شهرين بعهد الرئيس بشارة الخوري وشقيقه السلطان سليم مع كل موبقاته وفضائحه يحتمل الكثير من علامات الاستفهام، خصوصاً ان مستوى الانهيار والتفتت والتشرذم والجوع والفقر والمهانة التي يعيشها اللبنانيون لا سابق لها بكل المعايير، اللهم إلا على عهد جمال باشا السفاح الذي ضرب الحصار على جبل لبنان واذاق اهله طعم الجوع والفقر والاذلال بأبشع معانيها.
عمل العماد ميشال عون وفريقه على الترويج لمشروع “لبنان القوي” واتخذ انصاره من صورته معتمراً القبعة العسكرية ومذيلة بعبارة “لبنان القوي” عنواناً لكل النضال، على قاعدة التناقض، أو نقض كل ما قام او كان سائداً ومعتمداً ومطبقاً منذ العام 1990 تاريخ احكام السيطرة السورية على لبنان والبدء بفرض تنفيذ اتفاق الطائف، لجهة العمل على رفض الاحتلالات الاجنبية، والتأكيد على السيادة الكاملة وحرية القرار الوطني اللبناني، وبقاء الجيش اللبناني واحداً لا شريك له على كامل الاراضي اللبنانية، الى احترام التعددية اللبنانية والعمل من اجل اصلاح مؤسسات الدولة وقيام دولة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية وغيرها ومثلها. وكان فوز عون بأكبر كتلة نيابية في انتخابات العام 2005 بطاقة خضراء من غالبية مهمة من الشعب اللبناني للسير بهذه العناوين التي حملها عون، فكان انتخابه رئيساً للجمهورية فرصة لتنفيذ الافكار المعلنة ووضعها حيز التطبيق. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل على نقيض ذلك، تم الإجهاز على ما تبقى من الجمهورية خلال السنوات الست الاخيرة وتم تبرير ذلك بشعار: “ما خلونا”. وكما تقلص انتاج كهرباء لبنان مثل الشمعة التي تذوي شيئاً فشيئاً الى ان تنطفئ وتعم الظلمة الكالحة فكذلك انتهى “مشروع عون” اذا صحت التسمية الى الدمار الشامل للجمهورية.
لا مجال للمقارنة بين اي رئيس للجمهورية والرئيس الحالي المنتهية رئاسته بعد شهرين، حتى بشارة الخوري نجح في اطلاق دولة الاستقلال، وكميل شمعون عزز حضور الجمهورية الناشئة في المحافل الدولية وكانت له إنجازات عمرانية وانمائية، وفؤاد شهاب (الذي رفض عون التشبه به) هو باني دولة المؤسسات وحافظ السلم الاهلي، اما الرؤساء شارل حلو وسليمان فرنجية فعملوا على الدفاع عن لبنان في مواجهة مشروع الوطن الفلسطيني البديل، والياس سركيس اشترى اكبر مخزون ذهب للدولة الصغيرة لحماية عملتها الوطنية. وامين الجميل قام ببناء جيش قوي املاً بقيام دولة قوية. ام عهد الهراوي ولحود فحدث ولا حرج عن ارتهانهما للاحتلال السوري وسياسة الفساد.
انتهى كل شيء في العهد الحالي، وذهبت الشعارات الكبيرة الى غير رجعة: الليرة تنحدر الى قاع لا قرارة له، والمؤسسات تنهار الواحدة تلو الاخرى، والميليشيات والعصابات واسراب الفاسدين يسرحون ويمرحون، وعلاقات لبنان العربية والعالمية تشبه المصاب بمرض الجرب او الجذام الذي يتم عزله او يعزل نفسه بنفسه كي لا يؤذي الاخرين وينقل العدوى اليهم.
لم يتخلى اللبنانيون عن احلامهم في قيام جمهورية “لبنان القوي” بسيادته ومؤسساته ودولة القانون المدنية والعدالة الاجتماعية واصلاح المؤسسات وتعزيز القطاعات الانتاجية واللامركزية واحترام التعددية والتنوع وبقاء سلاح الجيش واحداً لا شريك له على ارض لبنان، لكن عون هو الذي تخلى عن كل ذلك فلم يكن لا فؤاد شهاب ولا غيره.
*نشرت في “الحدث” الصادرة في كندا