الزيارة ​لم​ تعد​ ترفاً… مبادرة “دير​ميماسية” تجمع ما فرّقته الأزمات!

صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم:

تماماً كأوراق الخريف، سينسلخون عن غصون زيتونها مع نهاية أيلول الحالي. هذه ليست قصّة جنوبيين أبعدتهم الحرب مع العدو الإسرائيلي عن قراهم. بل هم جنوبيون أبعدوا قسراً عن بلداتهم بسبب ظروف المعيشة السيئة، في وطن لا يعرف سوى توديع أبنائه. إلا أن مبادرةً واحدة من قبل شبّان يافعين، كانت كفيلة بأن تقلب، ولو لشهرين من الزمن، القاعدة التي رسمها “الستاتيكو” القديم العهد، والتي تحتّم على الجنوبيّ أن ينظر دوماً إلى قريته متحسّراً. من هنا، وعلى متن باصٍ بسيط بأجرٍ زهيد، ولدت كلمة السرّ: “يلّا لَيْنا عدير ميماس“!

زيارة البلدة… رحلة باهظة

كطفلة تنتظر انطلاق رحلتها المدرسية بفارغ الصبر، تحزم “س. أ” حقيبتها كلّ يوم جمعة وتضع فيها ما يلزمها لمدّة يومين من الزمن متجهة إلى بلدة دير ميماس الجنوبية، إلا أنها تعود بحقائب مليئة بالذكريات من منزلها الأبوي تدفئها على الأقلّ مدّة أسبوع، موعد الرحلة القادمةلم تأخذ قهوتها المفضّلة معها حتّى، فـ”قهوة ديرميماس طعمتها وريحتها غير مع إخواتي

 “مين قدّي”، تقول السيدة لـ“لبنان24” بفخر وفرح عظيمين، مشيرة إلى أنها تنتظر الرحلة هذه كي تزور إخوتها وتقضي بعض الوقت معهم “على رواق”. المميّز لديها، هو أن سنوات طويلة مرّت على الزيارة الأخيرة التي قامت بها “س. أ” إلى بلدتها الأم

 

وعن السبب قالت: “مشاغل الحياة كثيرة، فضلاً عن أن لدي نوستالجيا خاصة في البلدة إذ انها تذكّرني بوالديّ رحمهما الله. إلا أن ما فاقم هذه القطيعة التي لم تكن يوماً بيدي، هو أن الأحوال المعيشية في لبنان باتت صعبة للغاية”، معتبرة أن “زيارة الضيعة الآن هي كترف لا يحظى به الجميع“.

وتابعت “س. أ”: “المشوار عالجنوب مكلف كتير”، مشددة على أنها بالطبع لن تسمح لأولادها باصطحابها ولا يمكن أن تستقل التاكسي الخاص، لأن هذا الأمر سيعدّ ضرباً من الجنون.

فبعملية حسابية بسيطة، وبسيارة متوسطة استهلاك الوقود، ينفق المواطن 950 ألف ليرة لبنانية ذهاباً وإياباً، متجهاً إلى ديرميماس وعائداً منها. وبالنسبة إلى الشريحة الأكبر من المواطنين اللبنانيين، ليس بمقدورهم تحمّل هكذا كلفة فقط بهدف زيارة بلدتهم أو للاستمتاع بوقتهم.

ولفتت إلى أن “مبادرة الشبان من بلدتنا شجعتني على خوض هذه التجربة ثلاث مرات حتى الآن، فكل ما يطلبونه هو 20 ألف ليرة لبنانية فقط لا غير ثمن تذكرتي الذهاب والعودة”، مشددة على أن الباص آمن ومجّهز للرحلة، كما أن السائق يقود بتروٍّ وبوعي.

وختمت حديثها متأثرة بكون هذه المبادرة ستنتهي بحلول نهاية الشهر، قائلةّ: “تعوّدت من جديد على دير ميماس بالرغم من أنني لم أنسها يوماً، واليوم أفترق عنها مجدداً“.

Image

مشروع يلّا لينا عدير ميماس

 

وفي معلومات عن هذه المبادرة الفريدة من نوعها، فهي مخصّصة إلى أبناء بلدة دير ميماس القاطنين خارجها والذين يرغبون بزيارتها خلال فصل الصيف، إلا أنه يتعذّر عليهم ذلك لاعتبارات مختلفة.

وقد أطلق هذه المبادرة الجديدة شباب من البلدة بهدف تشجيع أبناء دير ميماس في بيروت وضواحيها على زيارة مسقط رأسهم من دون أي قلق إزاء كلفة النقليات والمحروقات، إذ يقوم المشروع بتأمين رحلتين بين دير ميماس وبيروت أسبوعياً بكلفة رمزية.

تنطلق الرحلة يوم الجمعة عند السابعة مساء من بيروت، ساحة الدكوانة تحديداً، متجهة إلى دير ميماس، لتعود بالركّاب يوم الأحد عند السابعة مساءً أيضاً من شارع البيادر في البلدة نحو ساحة الدكوانة في بيروت.

وفيما اعتبرت الأسابيع الثلاثة الأولى من المبادرة كفترة تجريبية يتمّ خلالها دراسة مدى الإقبال والتكاليف والتمويل، أشار القيّمون عليها في بداية شهر أيلول إلى أنه وبعدما تمّ بنجاح “نقل 193 دير ميماسيّ دير ميماسيّة بين البلدة وبيروت خلال شهر آب، يسرّنا أن نعلن عن تجديد المشروع لشهر أيلول للإستمرار في تقديم الأفضل لدير ميماس وأبنائها بعد تأمين الدعم الكريم والمشكور من أبناء البلدة في الإنتشار“.

 

دير ميماسبلدة سباقة ونموذجية

 

وفي هذا الإطار، قال رئيس جمعية “دير ميماس يونايتد” كريس حاصباني، إن القيّمين على هذه المبادرة هم مجموعة من حوالى خمسة شباب ساكنين في بيروت إلا أنهم يتحدّرون من دير ميماس، وهم منضوون تحت لجنة أسّسها بنفسه، مشيراً إلى أن تعلّقهم ببلدتهم دفعهم إلى التفكير بمبادرات تفيد البلدة وأبنائها في ظلّ تقاعس الدولة، على حدّ تعبيره.

وأشار حاصباني في حديث لـ“لبنان24” إلى أن الهدف الرئيسي من الأفكار التي تتبلور في هذه الإجتماعات هو “عدم السماح للحياة بأن تنعدم في البلدة، وإحدى هذه المبادرات كان مشروع الباص وقد كلّف تمويله حوالي 2500 دولار“.

وأوضح قائلاً: “لاحظنا أنه بسبب غلاء البنزين، فالناس فضّلت عدم زيارة البلدة كالمعتاد. ومن هنا سعينا لطمأنة الأهالي إلى أن سعر مشروع النقل رمزيّ، وقد وُجد هذا السعر حفاظاً على كرامة إبن دير ميماس كي يشعر أنه جزء من هذا المشروع“.

سقوط جسم غريب قرب دير ميماس - Lebanese Forces Official Website

وفضلاً عن مشروع الباص، أشار حاصباني إلى أنه تمّ خلال فصل الصيف العمل على تطوير أكثر من مبادرة، إحداها يكمن في تأمين تمويل شهريّ لدعم صندوق المولّد بهدف تخفيف التقنين وتقليص الفاتورة على الناس، معتبراً أن “إطفاء المولّد هو تهجير لأهالي البلدة في ظل غياب الكهرباء”، كما أوضح أنهم تمكّنوا من إصلاح الطاقة الشمسية على الطرقات فباتت مضاءة ليلاً، وقد كلّف هذا المشروع حوالي الـ10 آلاف دولار.

ونوّه حاصباني بالدور الريادي الذي يلعبه المغتربون في تمويل هذه المشاريع، مؤكداً أنهم باتوا متبرّعين على سبيل المثال بأكثر من 30 ألف دولار لدعم صندوق المولّد.

وختم حديثه قائلاً: “نعمل بالتنسيق مع المغتربين والبلدية كي تكون دير ميماس بلدة سباقة ونموذجية خاصة في هذه الظروف الصعبة“.

وكأنه مكتوب على اللبناني أن يحارب بأظافره كي يبقى في أرضه، حتى ولو كان جغرافياً ضمن حدودها. ففي هذه الظروف الإستثنائية التي يمرّ بها جميع أبناء الوطن الواحد، لا يبدو من خلاص سوى المبادرات الفردية التي تعتبر حبل الخلاص الوحيد للتشبث بالأرض. وفي النهاية، بين نبع الحافور، معاصر زيت الزيتون العضوي، والمجموعة المتنوعة من أيقونات الفسيفساء البيزنطية في كنيسة مار ماما الأثرية، تشدّ هذه البلدة في قضاء مرجعيون من يجهلها إليها. فمن يشتمّ رائحة دير ميماس لا يستطيع مغادرتها بسهولة، كيف الحال إذاً لمن يجري زيتها وزيتونها في دمه؟.

زينة كرم – Zeina Karam

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!