صفحة بمليون دولار: إليك كيف ربح شاب مليون دولار في 4 أشهر من الإنترنت!
منذ فترةٍ قريبة كتبت مقالًا عنوانه “إن كنت لا تزال فقيرًا فهذا خطؤك وأستطيع إثبات ذلك” وبينما انهالت بعض التعليقات شاكرةً موافقة، جاء بعضها الآخر مستنكرًا مدّعيًا أن ما طُرِح في المقال ما هو إلا أحلاماً ورديّةً غير قابلةٍ للتطبيق، متذرّعين بالظّروف وواقع الحياة المرير. في واقع الأمر، استغربت هذه التعليقات لأسباب كثيرة أهمها أنّ وجود الإنترنت فتح أبوابًا وفرصًا للعمل لم يكن للعقل أن يتخيلها. وتعقيبًا على المقال السابق وتأكيدًا لأفكاره، جئت اليوم بقصة شاب ربح مليون دولار في 4 أشهر فقط! ليس هذا الشاب حالةً فريدة؛ أصبحنا نسمع عن أشخاص يكسبون الكثير من وراء شاشاتهم كلّ يوم، لكنّ المميز في قصة هذا الشاب هو السرعة التي كسب فيها هذا المبلغ الكبير، والفكرة البسيطة التي لم تتطلّب منه رأس مال لتدحض كل الحجج التي يتذرع بها الآخرون عندما يشتكون من ضيق المعيشة.
أليكس تيو (Alex Tew)، طالبٌ بريطانيٌّ كان يبلغ من العمر 21 عامًا عندما راودته الفكرة. أراد أليكس الحصول على مصدر دخلٍ يمكّنه من دفع تكاليف شهادته الجامعية شريطة ألا يثقله الأمر بمزيدٍ من الديون وألّا يحتاج رأس مال. راودته فكرةٌ بسيطة للغاية، بسيطةٌ لدرجةٍ شعرتُ عندما سمعتها بغبائي وتساءلت لماذا لا تراودني هذه الأفكار؟ نعم الفكرة بسيطة، لكنها ذكيّة وكانت كفيلة بأن تحقق له مكسبًا قدره مليون دولار في أقل من خمسة أشهر.
الأمر المميّز في تيو هو اختلافه؛ فبينما تسارع أذهاننا إلى إيجاد الحلول التقليدية كالحصول على قرض أو العمل بدوامٍ جزئي لتسديد الأقساط، جاء تيو بفكرةٍ غير مألوفة، وبالفعل يبدو أنّ العشب على الجانب الآخر من الصندوق أكثر خضرة!
لم يكن المليون دولار ثمرة فكرةٍ فقط!
في مقالٍ سابق استعرضت لك لماذا تفشل 90% من الشركات الناشئة وكان أحد هذه الأسباب هو التوقّع الخاطئ بأنّ فكرةً مبدعةً كافية للنجاح. تيو لم يقع في هذا الفخ على الرغم من أن فكرته كانت مختلفةً بما يكفي لجذب انتباه وسائل الإعلام؛ كان يدرك تمامًا أهمية التسويق والإعلان، ولما لم يكن لديه ميزانيةً تكفي ليرصدها لذلك، ضغط على أفراد العائلة والأصدقاء لشراء وحدات البكسل. بعد أسبوعين، باع 4700 بكسل محققًا 4700 دولار التي كانت كافيةً ليخصّصها للإعلانات وليستأجر وكالة علاقاتٍ عامة كتبت عن موقعه بيانًا صحفيًّا حاز على اهتمام كل من BBC و The Guardian على الفور.
في اليوم الذي صدر فيه البيان، باع ما قيمته 3000 دولار من البكسلات. ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي والمدوّنون ومنتديات الدردشة في انتشار القصة الفريدة ليحصل تيو على 250 ألف دولار في الأسبوعين اللاحقين ويتلقّى موقعه البسيط 65 ألف زيارة يوميًا. لتحتضن وسائل الإعلام العالمية القصة بعد ذلك، ويحصل تيو على تغطيةٍ إعلامية في 35 دولة.
بعد 138 يومًا فقط من الإطلاق، وصل ربح تيو إلى 999 ألف دولار وليبيع آخر 1000 بكسل قام بأكبر خطوةٍ دعائية؛ فعقد مزادًا على موقع eBay استمر 11 يومًا، تجاوز خلالها تيو هدفه وباع آخر 1000 بكسل بـ 38000 دولار ليبلغ ربحه المجمل 1,037,000 دولار!
أسباب نجاح أليكس تيو فيما فشل الآخرون:
فكرة فريدة من نوعها:
قدّم تيو نموذجًا مختلفًا استرعى انتباه وسائل الإعلام وكان هذا أحد أسباب نجاحه حسب تعبيره: “الشيء الحاسم في إثارة اهتمام وسائل الإعلام هو الفكرة نفسها؛ كانت فريدةً وغريبةً بما يكفي لتتميز. توجّب عليّ دفع الفكرة قليلًا في الأيام القليلة الأولى بإرسال بيانٍ صحفي كان بمثابة محفّزٍ بشكلٍ أساسي. خلق هذا الاهتمام إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي والتوصيات الشفهية التقليدية ضجةً حقيقيةً حول الموقع، مما أدى بدوره إلى زيادة الاهتمام”.
الرسالة التي وجّهها إلى المستهلكين
في أعلى الصفحة الرئيسية للموقع، خطّ تيو الجملة التالية: “امتلك جزءًا من تاريخ الإنترنت”، ما حفّز الشركات على الانضمام إليه والإعلان معه لأنّها أرادت أن تكون جزءًا من هذا المشروع.
أصالة الفكرة:
لا يكفي للفكرة لتنجح أن تكون مميّزة فحسب، بل أن تكون أصيلةً وتجتاز اختبار “هل قام بها أحدهم سابقًا؟”، والدليل على هذا أن العديد من المواقع قلّدت تيو؛ ففي غضون شهر، كانت هناك صفحةً رئيسيةً أخرى بمليون دولار، والصفحة الرئيسية لمليون بيني، والصفحة الرئيسية للمليون يورو وغيرها، لكنّ أيًّا منها لم تنجح.
علّق تيو على الأمر حينها: “ظهر المقلّدون على الفور تقريبًا؛ يوجد الآن المئات من مواقع الويب التي تبيع وحدات البكسل. كلّ المقلّدين يتنافسون مع بعضهم البعض. الفكرة تنجح مرةً واحدةً فقط وتعتمد على الحداثة”.
المفهوم كان بسيطًا والشعار كان مفهومًا:
الرسالة التسويقيّة التي قدّمها أليكس تيو كانت سهلة الفهم؛ مليون بكسل مقابل مليون دولار. لم يكن هناك حاجة للتفصيل والتوضيح؛ حتّى إنّه اختار العملة الأنسب على الرغم من إقامته في المملكة المتحدة؛ فاسم الدولار كان له وقعًا أفضل على الأسماع الأمر الذي وضّحه بقوله: “الكل يعرف العبارة القائلة، تبدو جذابًا مثل مليون دولار”.
صدق الإعلان:
الموقع يقدّم خدمةً حقيقيّةً؛ اشترت العديد من هذه الشركات وحدات البكسل لتتلقى زياراتٍ قيّمةٍ فعلية مقابل جزءٍ بسيطٍ من تكلفة إعلانات الإنترنت التقليدية، وبالفعل استفادوا من زيادة حركة المرور على مواقعهم مقابل مبلغٍ زهيد.
صاحب فكرة المليون دولار اليوم:
يعيش تيو حاليًا في سان فرانسيسكو، بعيدًا عن مسقط رأسه في جنوب غرب إنجلترا، وهو مؤسّس شركة كالم (Calm) ومديرها التنفيذي. قدّمت الشركة تطبيقًا للهواتف النقالة بنفس الاسم ويتضمن برامجَ عديدة تتعلّق بالاسترخاء والتأمّل وتهدف إلى مساعدة المستخدمين على الاسترخاء. يمتاز التطبيق أيضًا بمؤثراتٍ سمعيّة لجداول المياه وعواصف ممطرة وأمواج.
بلغ عدد مرات تحميل تطبيق كالم 60 مليون مرة في عام 2020، وبينما لا يحبّ تيو الإفصاح عن عائدات التطبيق إلا أنّها بلغت 150 مليون دولار في عام 2019 وفقًا للإحصاءات.
هل أليكس تيو مجرّد رجلٍ محظوظ يحابيه حجر النرد؟
بدأ تيو بمشروع بيكسيلوتو (Pixelotto) بفكرةٍ مشابهة لموقع “الصفحة الرئيسية بمليون دولار” لبيع مساحاتٍ إعلانية. ثم جرّب بوب جام (PopJam)، وهو موقع للتواصل الاجتماعي يهدف إلى تبادل مواد مضحكة. ثم جرّب موقع يحمل اسم مليون شخص (One Million People) مشابهًا لمشروعه الأول مستخدمًا الصور بدلًا من الإعلانات، لم ينجح أيٌّ منها بالشكل الذي كان يطمح إليه.
ما أصبو إليه من طرحي لسلسلة المشاريع الفاشلة التي مرّ بها تيو، هو إيصال الصورة الحقيقية بأنّ نجاحه لم يكن ضربة حظ وأنّه لم يكن مجرّد رجلٍ خطرت له فكرةٌ درّت عليه الملايين. على العكس، أليكس رجلٌ لا يهاب التفكير خارج الصندوق وبعيدًا عن المألوف، ولا يمنعه الخوف من الفشل من العمل على هذه الأفكار بعزمٍ قوي جاعلًا من الفشل حافزًا له للمثابرة والمتابعة بدلا من الاستسلام والتذرّع بأنّه حاول وفشل.
اسمح لي أن ألخّص لك الهدف من هذا المقال في كلماتٍ معدودة؛ ليس الهدف من ذكر قصة نجاح أليكس تيو إلّا أن أخبرك ألّا ضير من المحاولة إن كان لديك فكرةً تخزك من الداخل بين الحين والآخر، وأنّك إن كنت لا بدّ محاولاً فاستفد من تجارب الأسبقين؛ لا منطق في الاصطدام بالمطبات التي واجهوها إن كان بإمكانك تفاديها. آخر ما أودّه لهذا المقال أن يصبح شيئاً مشابهاً للعبارات التي نسمعها في طفولتنا عندما نُقارَن بغيرنا وتصغّر نجاحاتنا مقارنةً بنجاحات الآخرين. لا تسمح لقصص النجاح أن تضرّك أكثر ممّا تنفعك وخذ منها ما يخدمك ودع عنك الباقي بسلام.