من زرع “لغم” بعلبك في طريق عون الرئاسي؟
أثارت الحملات التي قامت بها مؤسسة الجيش اللبناني في منطقة البقاع، في الأيام الأخيرة، الكثير من علامات الاستفهام عن توقيتها وحيثيّاتها، ليست فقط الأمنيّة والعسكرية في أكثر المناطق إشكالية في البقاع، بل وحيثيّاتها السياسية، لأنّها تحصل على بُعد شهرين فقط من فتح أبواب مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية جديد، لخلافة الرئيس ميشال عون، الذي تنتهي ولايته في 31 تشرين الأول المقبل.
فهل هناك مَن أراد أن “يحرق” قائد الجيش جوزيف عون ليمنع ترشّحه للرئاسة، فدفعه إلى الحسم في مواجهة العشائر؟ الأمر الذي قد يؤدّي لاحقاً إلى “إحراقه” في البيئة الشيعية، وبالتالي إضعاف حظوظه الرئاسية؟ وهل هناك من “رفع الغطاء” عن تجار المخدرات، ليدخل الجيش، ثم ألّب العشائر عليه؟
فقد سقط للجيش شهيد وجرحى، وردّ الجيش بقتل عدد من مطلقي النار، خلال حملة ضخمة نفّذها في واحد من أكثر الأحياء “عنفاً” وشهرةً في لبنان، وهو حي الشراونة داخل بعلبك، في إطار سعيها إلى اعتقال علي منذر زعيتر الملقّب بـ”أبو سلة”.
كثُر الجدل في العلاقة بين الحزب وقائد الجيش جوزيف عون، الذي يُطرح اسمه رئيساً تسوويّاً مقبلاً، لتدشين مرحلة جديدة في البلاد، تواكب اتفاقاً منتظراً مع صندوق النقد الدولي، وإقرار الإصلاحات المطلوبة من الدولة اللبنانية لمعالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة.
مرّت العلاقة بين الجيش والحزب بمدّ وجزر في الأعوام القليلة الماضية، وقبل أشهر وجّه الأمين العام للحزب ، انتقاداً مباشراً لقيادة الجيش، فُسِّر على أنّه محاولة لقطع الطريق أمام احتمال تبوُّؤ قائده سدّة الرئاسة. وتلت ذلك أحاديث لقيادات من الحزب عن “تغلغل أميركي في صفوف الجيش”. غير أنه سرعان ما صوّب الكلام مُشيداً بقيادة الجيش في خطاب ألقاه في 16 شباط الماضي، لمناسبة “ذكرى الشهداء القادة”. فاعتبر أنّ الجيش هو الضمانة الأساسية لأمن البلاد ووحدتها، داعياً إلى إمداده بالسلاح من دول عدّة، وعدم حصر تسليحه بدولة واحدة، لم يسمِّها، وتحصينه وتقويته. وشكّل الموقف ثغرة إيجابية في العلاقة بين الطرفين.
سرّ التوقيت البعلبكي
لا يتحدّث المطّلعون على علاقة الحزب بالقيادة العسكرية عن فيتو من الحزب على اسم جوزيف عون للرئاسة، إن فرضت المعطيات السياسية انتخابه رئيساً. بل يتحدّثون عن علاقة جيّدة، وتعاون في أكثر من مكان. وعليه ما الذي دعا جوزيف عون إلى استئناف الحملة ضدّ تجّار المخدِّرات والقيام بمداهمات وهدم منازل مدنية في أكثر اللحظات دقّة في المشهد السياسي العامّ، خصوصاً في ظلّ التأخير في تشكيل حكومة جديدة؟
يختصر المطّلعون على حركته الأخيرة الموقفَ بما قاله عون علناً في كلامه من البقاع: “سلِّموا تسلموا، لا نحتاج إلى غطاء سياسي للقيام بواجبنا، ودماء الشهداء لن تذهب هدراً”. وتشير مصادر متابعة لحركة قائد الجيش إلى أنّه تنقّل بين المناطق البقاعية في الآليّات العسكرية وليس في الطوّافة. ولهذه الخطوة دلالات كبيرة لناحية عدم تعرّض موكبه لأيّ اعتداء، وكأنّ ثمّة موافقة ضمنية، أو ضوءاً أخضر، كي لا نقول طلباً ضمنيّاً بالحسم الأمني، في ملفّ متعلّق بآفة ضربت المجتمع وأصبح تجّارها عبئاً على البيئة الشيعية قبل غيرها.
وبدا ظاهراً أنّ من مصلحة الحزب وحركة أمل أن يقوم الجيش اللبناني بتطويق ما عجزا عن تطويقه ومعالجته، على الرغم من احتمال أن يتحوّل إلى عدوّ لهما في بيئتهما. هذا بالإضافة إلى العلاقة الشائكة بين الأحزاب والعشائر. فمَن يعرف بواطن الأمور يدرك أنّ العلاقة من بدايتها لم تكن علاقة تبعيّة، بل ندّيّة تخلّلتها إشكالات عدّة على مرّ الأعوام الماضية، قبل إرساء نوع من التفاهم بين العشائر من جهة، والحزب وأمل من جهة أخرى.
إضافة إلى تأثير الوضع الداخلي، لا يُمكن إبعاد العنصر الخارجي عن معادلة فرض الأمن في لبنان. ترسيم الحدود البحرية عامل أساسيّ ليس في علاقة لبنان بالاحتلال وحسب، بل وفي علاقات القوى اللبنانية فيما بينها. فالجيش هو مَن حدّد الخط 29 الذي اعتبره خطّاً تقنياً، ويبدو أنّ ركائز الدولة اللبنانية يضعونه في سياق “الخط التفاوضي” من أجل ضمان الحصول على الخط 23، وضمنه حقل قانا. لكن في حديث ن ص را ل ل ه الأخير، يوم الخميس الماضي، كانت واضحةً محاولته إسقاط نموذج مزارع شبعا برّاً على الخط 29 بحراً، وتحويله إلى منطقة متنازَع عليها، وإضفاء طابع اللاستقرار الأمنيّ عليها، وهو ما يجمّد التنقيب فيها وسحب الغاز منها.
غير أنّ الحسم الذي قام ويقوم به الجيش في البقاع، يضعه في الوسط بين مختلف الأطراف، وكأنّه قرّر أن يتلقّى الرصاص عن الحزب وأمل، خصوصاً أنّ النجاح في أكبر محافظة لبنانية قد يفتح الأبواب أمام حسم ملفّات أمنيّة أخرى في مناطق عدّة، في صيف لبناني ساخن.
فهل تصيب هذه المحطات الجيش في مقتل؟ أم هي رصاصة من رصاصات معموديّة النار المفروضة عليه على طريق الرئاسة؟
جوزفين ديب – اساس ميديا