جنوبا: مجزرة بيئية تهدّد حياة المقيمين بالسرطان!
في كل مرة يعود فيها تجار النحاس للعمل ترتفع اصوات الاهالي مطالبة بوضع حد لهذه المعضلة من دون جدوى، لم تستتبع استغاثاتهم بأي تحركات ضاغطة ولم يتلقفها اي نائب من نواب المنطقة بالعمل الجاد لرفع الضرر البيئي والصحي عنها، وظل المشهد المسمم غائباً عن الخطابات والتحركات وحتى فرمانات التوقيف…
فمن اين يأتي الحريق الاسود المسرطن، وما علاقة معمل حرق الاطارات به؟
قبل شهر بالتمام والكمال زار وزير البيئة ناصر ياسين معمل حرق الدواليب في وادي الكفور، حينها عاين بأم العين المجزرة البيئية والصحية التي ترتكب بحق ابناء المنطقة.
داخل المعمل الذي تتوزع الاعمال فيه بين حرق اطارات لاستخراج النحاس، وتفكك حراري لاستخراج زيت النفط، تتعرف على صناعة الموت ان صح التوصيف، على معمل غير مطابق لمواصفات السلامة البيئية، هنا وحدها رائحة الكاوتشوك ترافقك، خزانات عملاقة يتم حرق الدواليب داخلها، عبر اشعالها بالحطب، ما يسبب انبعاثات سامة في الهواء.
يرفض صاحب المعمل فكرة انه يهدد الناس بصحتهم، يصر على انه يتبع نظام التفكك الحراري لاستخراج زيت النفط الذي يعتمد كبديل عن المازوت، ويستخدم للمولدات الكهربائية، غير ان الكلام شيء والحقيقة شيء آخر.
وحدها الاطارات المشتعلة تفضح حقيقة الامر، هذه الاطارات التي حولها احمد شمس الدين قبل سنوات ارضيات للملاعب والحدائق كصناعة صديقة للبيئة، هي نفسها اليوم تحترق بطريقة غير مطابقة حتى للصناعة، الشحتار الاسود يغطي المكان الذي يغرق بأعداد هائلة من الاطارات المستعملة، التي تشتعل ليلاً، على قاعدة “سواد الليل لا يفضح” غير ان الكم الهائل من الشكاوى، دفع بالوزير ياسين للقيام “بكبسة” ميدانية على بؤرة التلوث تلك. يقر ياسين بأهمية تحويل الاطارات الى زيت نفط لتوليد الطاقة، لكن يجب ان يتم ذلك وفق شروط صحية ومواصفات محددة ويخضع للانظمة الداخلية، والاهم ان يحوز صاحبه على “ترخيص” للعمل، وكل ذلك يحصل “على عينك يا دولة”، بشكل عشوائي و”فلتان”، ضارباً بعرض الحائط اعداد الاصابات بالسرطان التي بدأت تتزايد يوما بعد آخر. وفق ياسين فإن “المعمل يشكل بؤرة تلوث حقيقية، ويجب وضعه تحت المراقبة، وفي الوقت عينه يرى حجم المخاطر البيئية الجمة المحدقة بالمنطقة والتي تهدد صحة الناس والبئية”، ورغم انه قرر وقف العمل بالمعمل لحين التأكد من مطابقته للمواصفات، عاد الحريق وبحجم اكبر، ودخل المعمل مجدداً الى العمل مستفيداً من تعليق الحكومة عملها ودخولها عصر تصريف الاعمال. غير ان ياسين طلب من الاهالي التحرك امام محافظة النبطية اعتراضاً على الامر، في خطوة اعتبرها كثر مفاجئة، سيما وأن لا قرارات فاصلة صدرت لايقاف هذه المجزرة البيئة التي لا تتوقف فقط على المعمل الذي يعد الاخطر، فهناك التجار الصغار الذين يحرقون الاطارات في الوادي لاستخراج النحاس وبيعه بالفريش دولار مستفيدين من ارتفاع سعره، وهو ما يؤكده ياسين واعداً بالعمل للجم هذه الظاهرة. ولكن كيف ومتى وبأي طريقة؟
يشكو علي روماني واقع الحال، يرفع صوته بوجه الجميع، فصحة عائلته واهل بلدته دير الزهراني على المحك، فهي تقع على تخوم مباشرة مع الوادي. مرات عديدة اشتكى وغيره من الروائح الكريهة والانبعاثات السامة الصادرة عن حرق الدواليب، ولكن “دق المي مي”، احد لم يسمع، حتى تهديد الوزير ياسين بردعهم بالقانون لم يفلح، وبحسب قاسم فـ”إن الامر يتطلب تدخلاً سريعاً لان صحة الناس بخطر، وادوية السرطان غير متوفرة، كما معظم الادوية”، مردداً ” نحاول محاربة السرطان ولكن السرطان بيننا، بفضل تجار الدولار الذين يلهثون خلف العملة الخضراء، ويتركون الناس يتخبطون بالسرطان”.
مشكلة الناس مع وادي الكفور وحرق الاطارات ليست وليدة الساعة، بل هي قديمة، غير أنها تزايدت بشكل كبير خلال الفترة الاخيرة، بعد ارتفاع سعر النحاس، فلجأ كثر الى هذه المهنة لمحاربة البطالة ولو على حساب صحة الناس وصحة عائلة من يعمل بها، ما حدا بالمحافظ بالوكالة حسن فقيه للمجاهرة بأنه سيعاقب المخلين بالامن البيئي والصحي، وهو ما دفعه لرفع شكوى الى الوزير ياسين، وقد ردها له مجدداً، واضعاً الطابة في ملعبه لوضع حد للعبة السوداء القاتلة.
لا احد من البيئيين في المنطقة ينكر مخاطر ما يحصل ولا حجم الكارثة الصحية التي قد تصيب الاهالي، فغازات الاطارات سامة جداً، والاجدى محاربة هذه الكارثة قبل فوات الاوان ولكن في لبنان لا احد يتحرك الا حين تقع الكارثة وبعدها بقليل قبل ان يعود كل شيء الى سابق عهده.