آخر همّ عندهم إذا متت أو عشت’.. مرضى يروون معاناتهم على أبواب المستشفيات
صدى وادي التيم-لبنانيات/
فوضى التسعير:
خالد شاب تعرّض لحادث سير مروّع قبل أيام في أسفل نفق فندق فينيسيا. وتمّ نقله إلى مستشفى الجامعة الأميركية مصاباً بكسر في فكّه الأسفل. عند وصوله إلى مدخل الطوارئ، أبلغت إدارة المستشفى ذويه بالحادث طالبة منهم إحضار مبلغ 23 مليون ليرة يُسدَّد عند الدخول وقبل أخذ صور الأشعة وإجراء الفحوصات الروتينية. وصل الوالد على وجه السرعة وفي حوزته المبلغ المطلوب – والذي كان تسديده شرطاً أساسياً للبدء بالإجراءات اللازمة. يتبيّن أن خالد بحاجة إلى عملية جراحية طارئة في الفك. فيتوجّه الوالد إلى مكتب المحاسبة، ليتفاجأ بالموظف يبتسم في وجهه باستخفاف متسائلاً: «هل أنت جاهز للصدمة؟». لم يدرك الوالد في البداية عن أي صدمة يُسأل إلى أن علِم بأن المبلغ المطلوب لإجراء العملية هو 45 ألف دولار «فريش». موقف لا يُحسد الوالد عليه. فلَم يتردد باللجوء إلى طبيب صديق علّه يتمكن من إقناع الإدارة بتخفيض المبلغ. إلا أن الأخير لم يفلح إلا بالحصول على خصم ألفي دولار من أصل المبلغ. «من أين لنا تأمين مبلغ 43 ألف دولار وأموالنا محتجزة ونحن بالكاد نتدبّر مصاريف الحياة اليومية»، يتساءل الوالد بحزن أمامنا.
بعد ساعات طويلة من الانتظار في غرفة الطوارئ، راح خالد يرتجف بشدّة قبل أن يفقد الوعي. توسّل الوالد الإدارة إدخال ابنه إلى غرفة العمليات، متعهّداً تأمين المبلغ لاحقاً، غير أن الأخيرة أصرّت على شرطها مع تأجيل موعد العملية خمسة أيام بانتظار وصول الطبيب المختص من السويد. نسأل الوالد ما إذا كان خالد يحتمل التأجيل؟ «مستحيل، رأيته يموت أمام عيني، وحين سُدّت جميع السبل في وجهي، قرّرت نقله إلى مستشفى خوري حيث خضع في صباح اليوم التالي للعملية بكلفة 1800 دولار». ما هذا الفارق؟ أو أن التسعير أصبح وجهة نظر؟ لا ندري.
المستشفى تسعيرة والطبيب تسعيرة:
إليكم حالة أخرى. شعر وديع عشية أحد أيام كانون الأول الماضي بألم حادّ في المعدة. توجّه إلى مستشفى بيت شباب، بناء على طلب طبيبه، وهو المستشفى الأقرب إلى مكان إقامته، حيث خضع لفحص دم شامل ظهرت من خلاله نسبة التهابات مرتفعة وخطيرة. لكن كون المستشفى غير مجهّز بالمعدات اللازمة لإجراء الصور الشعاعية، طُلب منه التوجّه إلى مستشفى بحنّس. قاد وديع سيارته وهو «يفترخ» ألماً وعند دخوله الطوارئ نُصِح مجدداً بالانتقال إلى مستشفى ضهر الباشق. يضيف وديع: «أنا لا أتمتّع بتغطية صحية خاصة، كما أني لست مضموناً، وبما أن مستشفى ضهر الباشق هو مستشفى حكومي، فالتحاليل هناك حتماً أقل تكلفة».
البرد كان قارساً والألم لا يستكين. فوديع يشعر أن حالته خطيرة تستدعي تدخّلاً طبياً عاجلاً. وصل أخيراً إلى مدخل الطوارئ حيث طال انتظاره لأكثر من ساعة. وكانت المفاجأة: «بعد طول انتظار والألم المبرح لا يفارقني، دخل أحد الأطباء إلى غرفة الطوارئ ليبلغني بوجوب تسديد مبلغ 10 ملايين ليرة قبل السماح لي بدخول المستشفى. وأكمل معتذراً عن إجراء الصورة الشعاعية لأن آلة التصوير ليست مخصّصة للأوزان الثقيلة». أحد أفراد عائلة وليد تواصل مع مستشفى مار يوسف، فما كان منهم إلا أن طلبوا إحضار مبلغ 15 مليون ليرة لإجراء الصورة الشعاعية. الأمر يزداد سوءاً. إنها الثانية والنصف بعد منتصف الليل وما زال وليد على باب الطوارئ وقد «خدّره الوجع»، بحسب قوله. عندها قرّرت العائلة نقله من مستشفى ضهر الباشق إلى مستشفى جبل لبنان التي لم تتوانَ إدارتها هي الأخرى عن طلب مبلغ 15 مليوناً لاستقباله. تعهدّت شقيقته، بما يشبه الاستسلام للأمر الواقع، بتأمين المبلغ مع حلول الصباح. وبالفعل، تأمّن المبلغ فأُجريت الفحوصات اللازمة لتشير إلى ضرورة استئصال «الزائدة الدودية» منعاً لتفشّي الالتهاب. في غرفة الطوارئ، لم يكن الوضع أفضل حالاً. فقد توجّه الطبيب إلى وديع هامساً في أذنه: «عزيزي، أنا حسابي منفصل عن حساب المستشفى، بدّي مصرياتي فريش وإلا ما بعمل العملية». ابتعد الطبيب وعاد بعد دقائق مكرّراً السؤال نفسه: «شو يا وديع، تأمّنت المصاري؟ أنا حقّي بدي ياه قبل المستشفى؟». ما الحلّ إذاً؟ تواصلت الشقيقة مع جمعية «كلّنا عيلة» التي وعدت بتسديد المبلغ المطلوب. وهكذا حصل. استوجب الأمر تعهداً خطياً للطبيب بتسديد المبلغ بالدولار الفريش ليُدخل وديع إلى غرفة العمليات في فترة بعد ظهر. والقصة لم تنتهِ. فقد حُجز وديع في المستشفى يومين كاملين إلى أن سدّدت الجمعية 50 مليون ليرة كمستحقات المستشفى و600 دولار بدل أتعاب الطبيب. «أجزم أني كنت لأفارق الحياة على باب المستشفى لو لم تتدخّل الجمعية… آخر هم عندهم إذا متت أو عشت».