لماذا طار الدولار بعد الانتخابات؟
صدى وادي التيم-اقتصاد/
رغم انّ فوز التغييريين والمعارضين للسلطة هذه المرة كان يجب ان ينعكس استقراراً في سعر الصرف في السوق السوداء الّا انّ ما حصل هو العكس تماماً، صحيح انّ الدولار يتحرك صعودا منذ ما قبل الانتخابات إنما سجّل ارتفاعا صاروخيا منذ يوم الجمعة وحتى الامس مسجّلاً زيادة 3000 ليرة من 27 الفاً الى 30 الفاً أمس. فهل دخل لبنان في المجهول نتيجة الضبابية السياسية ام انّ هناك اسباباً أخرى؟
بعد أن طويت صفحة الانتخابات عاد الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي ليتصدّر، فقد استفاق اللبنانيون امس على ارتفاع صاروخي في اسعار المحروقات بتسجيل سعر صفيحة البنزين زيادة 35 الف ليرة لتصبح 542 الفا، الى جانب الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار الذي تخطى عتبة الـ30 الفا، ناهيك عن عودة أزمة الطحين والتلويح بإقفال الافران… هكذا عاد اللبناني الى همومه المعيشية بانتظار انتظام الحياة السياسية بعد الانتخابات فهل سيتمكن من الصمود حتى تمر كل الاستحقاقات المنتظرة من انتخاب رئيس لمجلس النواب الى تأليف حكومة قادرة على اتخاذ قرارات واجراءات ملحّة والسير بإصلاحات مطلوبة ام سيكون عليه ايضاً انتظار الاستحقاق الرئاسي؟
في هذا الوقت ومع الارتفاع المتواصل لسعر الصرف في السوق السوداء، ساد الاعتقاد أمس بتوقّف عمل منصّة صيرفة وتوقف مفاعيل التعميم 161، خصوصاً انّ هناك قناعة تامة بأنّ القرارات والتعاميم التي اصدرها مصرف لبنان في الفترة الاخيرة هي لتوفير استقرار موقّت لتمرير مرحلة الانتخابات، وما تَفلّت سعر الصرف مؤخرا سوى دليل على فقدانه السيطرة على السوق. لكنه، ودَحضاً لهذه الاقاويل، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بيانا امس أكد فيه انه «خلافا لكل الأخبار التي تتناولها وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن توقف مصرف لبنان قريبا عن العمل بالتعميم 161، يؤكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامه على الاستمرار في تطبيق التعميم 161 الى زمن غير محدد وذلك على منصة Sayrafa كالمعتاد من دون اي تعديل»
وعليه، ما الذي أدى الى هذا الارتفاع الصاروخي للدولار في السوق السوداء؟ (مع التأكيد ان هذا الامر كان متوقعاً إنما ليس بهذه السرعة)، وهل يمكن القول انه اعتبارا من هذه المرحلة لا سقوف لارتفاعه؟
في هذا السياق، يؤكد الخبير المالي وليد ابو سليمان لـ«لجمهورية» انه من الناحية التقنية الاسواق المالية تكون دائماً في حالة ترقّب. كل التوقعات كانت تشير الى ارتفاع مُحتّم للدولار بعد الانتخابات. لكن الملاحظ ان الدولار ارتفع ليل الاحد الاثنين مع العلم ان لا اعمال تجارية في هذا الوقت.
بالموازاة، لم يتراجع حجم التداول على منصة صيرفة الذي سجّل يوم الاثنين بعد الانتخابات 50 مليون دولار. إنطلاقاً من ذلك، رأى ابو سليمان انّ التلاعب في السوق الموازي في هذه الفترة من قبل المضاربين دفعَ الى ارتفاع سعر الصرف، علماً ان الدولار ليس بوارد التراجع امام الليرة، بل ان ارتفاعه كان متوقعا إنما ليس بهذه الوتيرة السريعة.
أما من الناحية السياسية فتبدو الصورة قاتمة وضبابية جدا وهناك مخاوف من ردات فعل عكسية على نتائج الانتخابات وكل هذا يصعّب استعادة الثقة، بل يبدو أكثر انّ الصدام ليس مستبعداً ما قد يؤدي الى انسدادٍ تام يتمثّل بعدم تسيير الامور الملحة والاولويات، منها القوانين التي يقع إقرارها على عاتق المجلس النيابي إضافة الى استحقاق تشكيل الحكومة، على انّ كل تأخّر في التنفيذ سيكبّدنا خسائر يومية قد تتخطى الـ 30 مليون دولار.
ورداً على سؤال، اعتبر ابو سليمان انّ مصرف لبنان مُرغَم على التطمين بأن تطبيق التعميم 161 مستمر الى زمن غير محدد عبر منصة صيرفة، إنما التحدي الأكبر يكمن في قدرة مصرف لبنان على التدخل في السوق ومدى استدامة هذه الخطوة، إذ عندما بدأ المركزي بالتدخل في السوق ضَخّ أحيانا 90 مليون دولار في السوق في اليوم الواحد، بينما تراجع هذا الرقم الى 50 مليون دولار واحياناً الى 30 مليونا وهناك حديث عن نيته التوقّف عن دعم تجار البنزين ومستوردي النفط وهذا دليل على انه ما عاد يملك الكثير من الدولارات.
ولدى سؤاله اذا كان ارتفاع الدولار حالياً مؤشراً الى دخول لبنان في المجهول وان هذا الارتفاع لا افق له؟ قال ابو سليمان: لقد دخل لبنان في المجهول لأنّ الصورة ضبابية جدا، وبالتالي لا سقوف لارتفاع الدولار راهناً حتى مع تأكيدات المصرف المركزي باستمرار عمل صيرفة الى زمن غير محدد، بدليل ما نراه منذ مطلع الاسبوع من تحركات للدولار في السوق السوداء، وكلما طالت حالة الجمود السياسي كلما ارتفع الدولار أكثر.
ولفت ابو سليمان الى انّ توقّف عمل صيرفة سيحوّل التجار نحو السوق السوداء كلياً ما سيدفع الى مزيد من الارتفاع في سعر الدولار مقابل الليرة، على انّ هذه الخطوة ستتجه بالاقتصاد الى مزيد من الدَولرة ما سيدفع بالتجار واصحاب محطات البنزين الى التسعير بالدولار فيزيد الطلب على الدولار ويرفع أسعاره، وبالتالي سنتّجِه الى مزيد من تدهور القدرة الشرائية عند المواطنين.