ماذا يفعل مالك شحنة “نيترات الموت” في بيروت؟
ما زالت أصداء شحنة الموت تتردّد تباعاً في بعض أنحاء العالم مع كلّ تطوّرٍ جديدٍ يعيد تسليط الضوء على قضيّة نيترات الأمونيوم التي تسبّبت بانفجار 4 آب في مرفأ بيروت. أمّا التطوّر الجديد فهو توقيف السلطات التشيليّة للبرتغالي خورخيه موريرا، المطلوب من الإنتربول الدولي بموجب مذكّرة من السلطات اللبنانية، للاشتباه بارتباطه بالانفجار الذي دمّر المرفأ وأجزاء كبيرة من العاصمة بيروت.
البرتغالي موريرا هو ممثّل الشركة الموزمبيقية “إف.إي.إم” التي طلبت شحنة النيترات من جورجيا. والجديد ما تبيّن عن أنّه كان قد زار بيروت في العام 2014، بالتزامن مع تفريغ حمولة الباخرة “روسوس” في العنبر رقم 12. وهي الزيارة المشبوهة التي كان قد أرسل بسببها المحقّق العدلي السابق القاضي فادي صوان مذكّرة للإنتربول ليتمكّن من استجواب موريرا والوقوف على تفاصيل الزيارة، بحسب معطيات الصحافي الاستقصائي المتخصّص في متابعة هذا الملف فراس حاطوم.
فماذا جاء ليفعل في بيروت مع شحنة غير مدفوع ثمنها وتمّ تفريفها في ظروف غامضة؟
هل جاء ليتأكّد من تسليم الشحنة القاتلة إلى الجهة التي أرسلت إليها سرّاً، وتمّ التفريغ للإبقاء عليها في بيروت، الوجهة النهائية غير المعلنة؟
بين تشيلي وبيروت
الجديد أنّ السلطات التشيليّة أوقفت موريرا في مطار أرتورو بينيتيز في سانتياغو، ومنعته من دخول تشيلي وأُجبرته على العودة إلى إسبانيا. وأفاد كريستيان سايز، المسؤول في شرطة المطار أنّ “الرجل مطلوب بشبهة إدخاله إلى لبنان موادّ متفجّرة مرتبطة بالانفجار الهائل الذي دمّر أحياء عدّة من العاصمة اللبنانية، صيف 2020. وكانت النشرة الحمراء الصادرة بحقّ هذا الشخص لا تزال سارية حتى اليوم، بصورة عامّة، وهي تسمح بتحديد مكان وجود شخص ما في بلد أجنبي وتوقيفه”.
زيارة بيروت “الغامضة”
في تفاصيل الزيارة السوداء تظهر إشارات استفهام عديدة بوضوح، لتؤكّد المؤكّد من جديد، وتقول إنّ الخيوط الأساسية في القضية تدور حول مسار الشحنة التي انطلقت من جورجيا في أيلول 2013، متّجهة إلى موزمبيق تلبية لطلب شركة “إف.إي.إم”، وحطّت رحالها في بيروت بطريقة مشبوهة في 22 تشرين الثاني 2013، وبقيت إلى لحظة تفجيرها في 4 آب 2020، ويُرجَّح في كلّ مرّة نظرية النيّة السيّئة المدبّرة من لحظة تسيير شحنة الموت من ميناء باتومي.
خورخيه موريرا زار العنبر رقم 12 وتفقّد شحنة النيترات، بموجب ورقة تسهيل مهمّة من الشركة التي ادّعى أنّه ممثّلها، موقّعة من الشركة نفسها في تاريخ 28 تشرين الأول من العام 2014، وموجّهة إلى الوكيل البحري الذي سبق أن تحدّثنا عنه في تقارير سابقة في “أساس”. إذ ورد اسمه في تصريح لقبطان الباخرة “روسوس” الأخير، الذي قال إنّ الباخرة مرّت بمرفأ بيروت بعدما تحدّثت مع الوكيل البحري مصطفى بغدادي، بغرض تحميل معدّات لوزارة الطاقة الأردنية، استأجرتها الشركة الأردنية “جيوسبكتروم” التي أتت وقامت بالمسح الزلزالي في لبنان تمهيداً للتنقيب عن النفط، ونقلها من لبنان إلى الأردن.
تدور علامات استفهام عديدة في فلك هذه الزيارة. أولاها التوقيت:
فلماذا قرّرت الشركة تفقّد شحنتها التي لم تدفع ثمنها أصلاً، بعد ما يقارب سنة من عرقلة مسارها في بيروت؟
ولماذا انتظرت حتى يتمّ تفريغ حمولة الشاحنة في المرفأ، أي بعد الوصول إلى مرحلة يصعب من بعدها إعادة شحنها من جديد؟
وعن أيّ كشف نتحدّث بعد انتهاء صلاحيّة هذه الموادّ إذ يجب أن تُستخدَم النيترات خلال ستة أشهر، سواء كسماد أو لصناعة المتفجّرات، قبل أن تنتهي صلاحيّتها وتتحجّر، بحسب خبراء في الكيمياء، وبالتالي لا طائل من استخدامها بعد الأشهر الستّة، خصوصاً إذا كانت متروكة في شروط تخزين غير مناسبة؟
سبق أن نُقل عن الشركة أنّها لم تطالب بالشحنة أو لم تسأل عنها لأنّ الصفقة التي دارت بينها وبين المصنع تنصّ على دفع ثمن المواد بعد وصولها إلى موزمبيق، وبالتالي لم تأبه لقضية عرقلة الشحنة في لبنان، لأنّها لم تدفع ثمنها، وطلبت شحنة ثانية لتلبية احتياجاتها من النيترات. فلماذا تتكلّف الشركة أعباء ماليّة من بدل سفر وفندق من أجل زيارة ممثّلها للبنان، للكشف عن بضاعة منتهية الصلاحية وهي لم تدفع ثمنها في الأساس؟!
فهل زار خورخيه موريرا مرفأ بيروت ليتأكّد من وصول الشحنة لأصحابها، وليتقاضى ثمنها؟
لماذا تقاعس القضاء اللبناني؟
تؤكّد كلّ الأسئلة السابقة أنّ استجواب موريرا يمكن أن يوصل التحقيق إلى مكان ما. وفيما يشير متابعون إلى أنّ القضاء اللبناني لا يمكنه متابعة قضيّته بسبب الإشكالات الحاصلة في ملفّ التحقيق، تؤكّد مراجع قضائية أنّ النيابة العامّة التمييزية تستطيع اتّخاذ المبادرة فيما لو كانت النيّة موجودة، لأنّها جهة الادّعاء في الأساس ويمكنها طلب ملفّ موريرا وطلب استجوابه.
في هذا الإطار يُلفت المحامي أشرف صفي الدين، المتابع للملفّ، إلى أنّه يمكن للنيابة العامة التمييزية متابعة الملف، لأنّ المخابرة في الأساس تتمّ عبرها، ويمكنها التواصل مع السلطات الإسبانية، فإمّا تطلب استرداد الموقوف، أو ترسل أحداً من الضابطة العدليّة للقيام باستجوابه هناك: “لكن هنا أيضاً لا بدّ من وجود محقّق عدلي يقوم بالتحقيق أو ينتدب أحداً للقيام به”.
يشير صفي الدين إلى أنّ السلطات التشيلية كان بإمكانها توقيف موريرا، “فلها الحقّ أن تردّه وتنقله إلى لبنان بموجب المذكّرة، لأنّه ليس مواطناً تشيليّاً، بينما أوروبا أو إسبانيا أو البرتغال لا يمكنها ذلك لأنّه مواطن إحدى دول الاتحاد الأوروبي، وترفض تسليمه للسلطات اللبنانية، بل تطالب بمحاكمته في دولته، لكن يبدو أنّ تشيلي أُحرِجت ولا تريد الدخول في تعقيدات هذه القضية”.
هكذا يتكشّف خيط آخر جديد في قضية نيترات المرفأ، ويعيد النقاش إلى حيث يجب أن يكون… لماذا أتت شحنة الموت إلى لبنان؟ ومن أتى بها؟ ولماذا؟
نهلا ناصر الدين – اساس ميديا