اربط حزام مقعدك، فالحرب التالية الحقيقية في سوريا: إيران ضد إسرائيل
اربط حزام مقعدك، فالحرب التالية الحقيقية في سوريا: إيران ضد إسرائيل
أوقفني إذا كنتَ قد سمعت هذه العبارة من قبل: سوريا ستنفجر؛ هكذا كتب توماس فريدمان في صحيفة New York Times. وأجاب على سؤاله: أعلم، سمعتها قبلاً بالفعل، لكنني هذه المرة أعني ما أقوله. إذ يعد الهجوم الأميركي والبريطاني والفرنسي على سوريا لمعاقبة نظامها على أسلوبها الخسيس في استخدام الأسلحة الكيميائية – وتعهد روسيا بالرد – في الواقع ثاني أكثر المواجهات خطورة في هذا البلد.
إذاً، فقد بدأت إيران وإسرائيل بشن ضربات مباشرة ضد بعض وليس عبر وكلاء
والأخطر من ذلك هو أنَّ إسرائيل وإيران يبدو أنَّهما سيتورَّطان في الوقت نفسه في نزاعٍ علني بسبب محاولات إيران لتحويل سوريا إلى قاعدة جوية أمامية ضد إسرائيل، وهو أمرٌ تتعهَّد إسرائيل بعدم السماح بحدوثه أبداً. هذه ليست مجرد تكهنات، ففي الأسابيع القليلة الماضية – للمرة الأولى على الإطلاق – بدأت إسرائيل وإيران بشن ضربات مباشرة، ليس عبر وكلاء، في سوريا.
في الواقع، الهدوء بين الدولتين انتهى، وستنتقلان للمستوى التالي من النزاع
وقد تكون هذه المرحلة الهادئة على وشك الانتهاء. توشك إسرائيل وإيران الآن على الانتقال إلى المستوى التالي من النزاع، وإذا حدث ذلك فعلًا قد تواجه الولايات المتحدة وروسيا صعوبة في تجنُّب التورُّط فيه.
لنشرح ذلك بتفصيل أكبر..
دعوني أحاول شرح ما يجري من موقع مراقبة على الحدود السورية الإسرائيلية، حيث وقفت منذ يومين. لمتابعة ما سأقوله من المنزل، أوصي بشدة بزيارة هذا الموقع، الذي يتتبَّع النزاعات السورية المتشابكة مُتعدِّدة الأطراف مباشرةً، ويستخدمه مراقبو الأمم المتحدة هنا في مرتفعات الجولان.
أمريكا وجهت ضربة ضد الأسد.. الآن، الطرفان لا يريدان التصعيد
لنبدأ بحقيقة أنَّ أحدث هجوم بصواريخ كروز شنَّته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا يبدو أنَّه عمليةٌ لن تتكرَّر، وأنَّه سيجري احتواء آثاره. لا ترغب روسيا وسوريا في المخاطرة بغارة غربية أخرى ورفع مستوى انخراط القوى الغربية الثلاث الكبرى في سوريا، فيما لا تريد تلك القوى الغربية الثلاث بدورها التورُّط في سوريا أكثر من ذلك.
لكن ثمة نار تستعر تحت الرماد بين إسرائيل وإيران.. بل لقد بدأت بالفعل
تعد حرب إطلاق النار المباشرة المختمرة بين إسرائيل وإيران (التي سيصعب السيطرة عليها في الأرجح) هي أكثر النزاعات احتمالاً وإثارةً للقلق، لأنَّها ربما تكون على وشك الانتقال إلى جولتها الثانية.
المواجهة الأولى بطائرة بدون طيار..
وقعت في 10 فبراير/شباط، عندما أُسقِطَت طائرة إيرانية بدون طيار أطلقتها وحدة فيلق القدس التابعة للحرس الثوري، وانطلقت من القاعدة الجوية السورية T4، في شرقي حمص بوسط سوريا، بصاروخٍ أطلقته طائرة مروحية إسرائيلية من طراز أباتشي كانت تتبعها بعد اختراقها المجال الجوي الإسرائيلي.
والمفاجأة أنها كانت “تحمل” متفجرات
أفادت التقارير الأولية بأنَّ الطائرة الإيرانية كانت في مهمةٍ استطلاعية بحتة. لكنَّ المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، الجنرال رونين مانليس، قال يوم الجمعة 13 أبريل/نيسان إنَّ مسار الطائرة بدون طيار و”تحليل الاستخباراتي والعملياتي لأجزاء من المركبة الإيرانية غير المأهولة” يشير إلى أنَّ “الطائرة كانت تحمل متفجرات” وأنَّ مهمتها كانت تنطوي على ارتكاب “عمل تخريبي في الأراضي الإسرائيلية”.
ما يعني أن قاسم سليماني كان يحاول فعلاً ضرب إسرائيل وليس مجرد استطلاع
ليس لدي القدرة على التحقق من هذا الادعاء بنفسي، لكنَّ حقيقة إعلان الإسرائيليين هذه المعلومات، تطلق ناقوس الخطر. إذا كان هذا الادعاء صحيحاً، فهو يشير إلى أنَّ فيلق القدس – الذي يقوده العقل المدبر العسكري الإيراني قاسم سليماني – ربما كان يحاول إطلاق ضربة عسكرية فعلية على إسرائيل من قاعدةٍ جوية داخل سوريا، وليس مجرد استطلاع.
وكانت المرة الأولى التي تفعل إيران شيئاً كهذا..
وقال فريدمان أن مصدرا عسكريا إسرائيليا كبيرا قال “هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها إيران تفعل شيئاً ضد إسرائيل دون الاستعانة بوكلاء. هذه بداية عهدٍ جديد”.
ولولا تغريدات ترامب حول سوريا، لكان هذا الخبر الرئيسي لأيام
ومن المؤكَّد أنَّ ذلك يساعد على تفسير السبب وراء إطلاق الطائرات الإسرائيلية غارة صاروخية قبيل الفجر على القاعدة التي انطلقت منها الطائرة الإيرانية يوم الاثنين الماضي 9 أبريل/نيسان. كان من الممكن أن يكون هذه خبراً صحفياً هائلاً (إسرائيل تقتل سبعة من أعضاء فيلق القدس الإيرانيين، بما في ذلك العقيد مهدي دهغان، الذي قاد وحدة الطائرة بدون طيار)، لكنَّه فقد بريقه إلى حد كبير وسط رد الفعل العالمي على (تغريدات ترمب) حول استخدام الرئيس بشار الأسد الأسلحة الكيميائية قبل يومين.
وكانت هذه المرة الأولى التي تهاجم فيه إسرائيل هدفاً إيرانياً حياً
وقال المصدر العسكري الإسرائيلي: “كانت هذه هي المرة الأولى التي نهاجم فيها أهدافاً إيرانية حية، سواء كانت المرافق أو الأشخاص”. أعلن الإيرانيون كذلك صراحةً خسائرهم الفادحة عبر وكالة أنباء فارس شبه الرسمية -إذ اعتادوا التقليل من حجم الخسائر السابقة غير المباشرة الناتجة عن الهجمات الإسرائيلية في سوريا- لكن بعد ذلك، تعهدوا علانيةً بالانتقام.
فأعلن خامنئي: الجريمة الإسرائيلية لن تبقى بلا رد
قال علي أكبر ولايتي، وهو مستشار بارز للمرشد الأعلى في إيران، أثناء زيارةٍ إلى سوريا إنَّ “الجريمة الإسرائيلية لن تبقى بلا رد”.
وهذه فرصة كبرى لإسرائيل لتدمير قاعدة إيران الأمامية في سوريا
ومنذ ذلك الحين، صرح مسؤولون عسكريون كبار في إسرائيل أنَّه إذا كان الإيرانيون ينوون ضرب أهدافاً إسرائيلية، فقد تستخدم إسرائيل هذه الفرصة لإجراء هجوم مضاد ضخم على البنية التحتية العسكرية الإيرانية بالكامل في سوريا، حيث تحاول إيران إقامة القاعدة الجوية الأمامية، بالإضافة إلى مصنع للصواريخ الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي، التي يمكن أن تضرب أهدافاً داخل إسرائيل بدقة أكبر – داخل دائرة نصف قطرها 50 متراً – وتنشرها من سوريا بمساعدة مع حزب الله في لبنان.
فإسرائيل لن تسمح بتكرار خطأ السماح بتشكيل تهديد صاروخي لها في سوريا
ويقول مسؤولو الدفاع إنَّ هناك فرصة ضئيلة لتكرار إسرائيل الخطأ ذاته الذي ارتكبته في لبنان – وهو السماح لحزب الله بإنشاء تهديد صاروخي كبير هناك – عن طريق السماح لإيران بفعل الشيء ذاته مباشرة في سوريا.
الآن، ستكون قد فهمت مدى خطورة الأمر
يمكن الآن أن تفهم سبب هذا الوضع الخطير، حتى بدون العقوبة التي فرضتها الأميركية والفرنسية والبريطانية على الأسد لاستخدامه أسلحةً كيميائية. تزعم إيران أنَّها تنشئ قواعد في سوريا لحمايتها من إسرائيل، لكنَّها غير طامعة في سوريا نفسها، ما يعني أنَّ إيران تفضل بشار الأسد (أفضل المساوئ في رأيها) عن الفوضى. ولم تتدخَّل إسرائيل في الحرب الأهلية هناك باستثناء من أجل منع توسع البنية التحتية العسكرية الإيرانية هناك أو للانتقام من القذائف السورية التي سقطت على الأراضي الإسرائيلية.
ولكن أيضاً، لا تنسى مخاوف إيران الأمنية في الخليج
ويقول فريدمان: أتفهم مخاوف إيران الأمنية في الخليج، فهي تواجه عدداً من القوى السنية المعادية الموالية للولايات المتحدة التي تحاول احتواء نفوذها وتقويض نظامها الإسلامي، مما يشكل تهديداً من وجهة نظر إيران.
إذاً، ما الذي تفعله إيران في سوريا؟
تبدو محاولة طهران لبناء شبكة من قواعد ومصانع الصواريخ في سوريا – وذلك بعد أن ساعدت الأسد على سحق الانتفاضة ضده – خطة فرض سيطرة وضعها قائد فيلق القدس الإيراني سليماني لتوسيع قبضة إيران على مناطق مهمة من العالم العربي السني، وتحسين فرصته في صراع السلطة مع الرئيس حسن روحاني. يسيطر فيلق القدس التابع لسليماني الآن تقريباً – من خلال الوكلاء – على أربع عواصم عربية: دمشق وبيروت وبغداد وسنا.
نعم، أصبحت إيران أكبر قوة احتلال في العالم العربي
أصبحت إيران بالفعل أكبر “قوة احتلال” في العالم العربي اليوم. لكن ربما يكون سليماني قد بالغ في تقدير قوته، خاصةً إذا وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع إسرائيل في سوريا بعيداً عن إيران بدون غطاء جوي (تغطية جوية).
لهذا أجلت إيران خطتها الانتقامية حتى الآن من إسرائيل
فبعد كل شيء، حتى قبل ذلك كله، كان العديد من الإيرانيين العاديين يستنكرون علناً إنفاق إيران مليارات الدولارات – التي كان من المفترض أن تذهب إلى الشعب الإيراني نتيجة لرفع العقوبات عن الصفقة النووية الإيرانية – على خوض معارك في سوريا، ولبنان، واليمن.
ولكن ما علاقة انخفاض قيمة الريال الإيراني بذلك؟
هذا بالتأكيد أحد الأسباب التي جعلت إيران يؤجل خطته الانتقامية. يجدر بسليماني أن يفكر ألف مرة قبل شن حرب مباشرة واسعة النطاق ضد إسرائيل، ويفسر ذلك خبر صحفي كبير آخر لم يلاحظه عدد كبير من الناس: انهارت قيمة العملة الإيرانية في موطنها. حسب ما جاء في هذا المقال الذي صدر يوم 12 أبريل/نيسان على موقع CNBC.com. يذكر المقال أنَّ قيمة الريال الإيراني “قد انخفضت بصورة قياسية وسط حالة متزايدة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، مما تسبب في إقبال الإيرانيين بجموحٍ على البنوك، يائسين لتحويل أموالهم إلى دولارت أميركية، ما أجبر البنوك على منع التحويلات لإيقاف تزاحم الصفوف الطويلة ومنع الفوضى” ويشير المقال أيضاً إلى أنَّ الريال فقد ثلث قيمته هذا العام.
هنالك أيضاً الخلافات بين سليمان من جهة وروحاني وبوتين من جهة أخرى
علاوة على ذلك، يعتقد المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسليماني لم يعدا حليفين طبيعيين. يريد بوتين ويحتاج إلى سوريا مستقرة، تُعزَّز فيها نفوذ دميته بشار الأسد، مما يساعد روسيا على الحفاظ على وجود بحري وجوي مستقبلي وأن تصبح قوةً عظمى مرة أخرى بمقابلٍ زهيد، وربما يفضل الرئيس الإيراني روحاني أيضاً استقراراً في سوريا يعزز فيه الأسد سلطته دون استنزاف الميزانية الإيرانية. لكن يبدو أنَّ سليماني وفيلق القدس يتطلعان إلى مزيدٍ من الهيمنة على العالم العربي وممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل.
إن لم يتراجع سليماني فالحرب قادمة مع إسرائيل
ما لم يتراجع سليماني، فنحن على وشك رؤية قوة لا يمكن ردعها (فيلق القدس الإيراني) وهي تواجه جسماً لا يمكن زعزعته (إسرائيل).