زيارة آموس:الترسيم.. الانتخابات والحرب على مفترق صخرة
صدى وادي التيم – من الصحف اللبنانية /
يصل الى بيروت اليوم آموس هوكشتين الوسيط الاميركي لإدارة ملف ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل. جميع الأطراف تترقب، فبعد تأجيل ومراوحة من المتوقع ان يكون لدى هوكشتين اقتراح يسهل العودة الى المفاوضات على الطاولة في الناقورة برعاية الأمم المتحدة حتى لا يكون خيار الحرب وتطيير الإنتخابات النيابية اللبنانية في أيار ٢٠٢٢ إحتمالا واقعا.
وتشكل هذه المفاوضات مرحلة من مراحل التفاوض اللبنانية الاسرائيلية التي شهدت تاريخيا محطات بارزة بدأت مع اتفاقية الهدنة في العام ١٩٤٩مرورا بإتفاق السلام في ١٧ ايار ١٩٨٣ وصولا الى حرب تموز ٢٠٠٦ والقرار ١٧٠١. وقد طلب لبنان آنذاك من الامم المتحدة ترسيم الحدود البحرية الى ان هذه الاخيرة رفضت لأن «هذه المهمة تخرج عن المهمة المحددة لها بموجب نص القرار». وعليه لم يتم ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل وتم الاكتفاء بإعتماد رأس الناقورة كخط اساسي بموجب اتفاقية الهدنة.
ومع اعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري التوصل الى اتفاق الاطار لترسيم الحدود البرية والبحرية جنوبا بدأت في الناقورة في تشرين الاول ٢٠٢٠ مفاوضات لبنانية اسرائيلية برعاية الامم المتحدة وبمشاركة الولايات المتحدة الاميركية وبعد ٤ جولات من المحادثات علقت المفاوضات اثر نزاع حول مساحة المنطقة المتنازع عليها التي اكد الوفد اللبناني المفاوض انها تصل الى ٢٢٩٠كلم مربع لا ٨٦٠ كلم مربع.
وتعتبر النقطة الأساس في المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية تثبيت نقطة انطلاق الحدود البحرية في البر عند رأس الناقورة وحسم الخلاف حول النتوء الصخري تخليت ( مساحة ٣٠٠م.م) حيث يؤكد لبنان مستندا للقانون الدولي للبحار انه نتوء صخري لا تسري عليه مفاعيل الجزر اذ انها لا تظهر في الشتاء ومع ارتفاع الموج وهي غير مأهولة بينما تعتبرها اسرائيل جزيرة تشكل امتدادا للبر الاسرائيلي بغية دفع الحدود شمالا واعطائها تبعا لقانون البحار ما يعرف بالتأثير الكلي للجزر. و لقد عرف تاريخ المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية ٤ خطوط للتفاوض وهي :
الخط الاول اي الخط ١ او خط عبد الحفيظ القيسي عام ٢٠٠٧ (المدير العام لوزارة النقل والاشغال العامة وموفد رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة الى قبرص) لإجراء مفاوضات الترسيم. يتمسك العدو الاسرائيلي بهذا الخط رغم انه يعتبر بحكم الساقط قانونيا وتقنيا لانه لم يحترم المعايير التقنية الدولية المعتمدة في ترسيم الحدود ولم يعتمد رأس الناقورة نقطة انطلاق. كما ان مجلس النواب لم يصادق على هذا الاتفاق ما يجعله غير نافذ.
اما الخط الثاني فهو خط هوف (نسبة للسفير الاميركي المفاوض فردريك هوف)عام ٢٠١٢ والذي يقسم المنطقة المتنازع عليها بالتساوي بين لبنان واسرائيل.
اما الخط الثالث فهو خط الجيش اللبناني او النقطة ٢٣ بموجب رسالة لبنانية الى الامم المتحدة وصدور المرسوم ٦٤٣٣. وهذا الخط يعتبر ايضا ساقطا قانونيا وتقنيا اذ انه اعتمد الخط المتساوي لكنه لم يراعي الظروف الاستثنائية المتمثلة بصخرة «تخليت».
اما الخط الرابع فهو يعرف بالخط ٢٩ وهو الخط الوحيد الذي يراعي معايير الترسيم بحسب القانون الدولي للبحار اذ انه ينطلق من راس الناقورة، يعتمد الخط المتساوي ويراعي وجود ظرف استثنائي هو صخرة «تخليت». واذا كان الامر التقني والقانوني حاسما لجهة ان حق لبنان ثابت في تحديد منطقته الاقتصادية الخالصة سندا للخط ٢٩، فإن التقاعس عن تعديل المرسوم ٦٤٣٣(المشار اليه اعلاه) وعدم طرحه على طاولة مجلس الوزراء والتأخر في التبني للخط ٢٩ رسميا لدى الامم المتحدة يطرح الكثير من التساؤلات ذلك انه حتى الآن ورغم تطور لافت في الموقف اللبناني تمثل برسالة لبنانية اودعت الامانة العامة لمجلس الامن ونشرت على موقع الامم المتحدة، تؤكد ان لا منطقة اقتصادية خالصة مثبتة على عكس ما تدعيه اسرائيل وتعترض على اي اعمال تنقيب في المناطق المتنازع عليها تجنبا لخطوات قد تشكل تهديدا للسلم والامن الدوليين. إن هذه الرسالة تعتبر تفاوضية اكثر منها رسالة ذات مفاعيل قانونية وتأتي في اطار الرد على كتاب اسرائيلي موجه الى الامم المتحدة في كانون الاول الماضي يتضمن اعتراضا على فتح لبنان دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية.
تؤكد المعلومات المتداولة ان لدى الوسيط الاميركي شيء من خارج ملف الترسيم. واكثر من ذلك صفقة تطرح التقسيم لا الترسيم وتدعو لتناسي الخطوط والتقنيات والتوافق على ادخال الشركات العالمية لتتولى استخراج النفط وتقسيم الموارد بين لبنان واسرائيل ضمن آلية محددة. ولا شك تأخذ بالاعتبار انجاز هذا التوافق قبل اذار موعد بدء اسرائيل التنقيب عن النفط في حقل «كاريش».
وعليه يبدو منطقيا ما سرب عما يحصل من «جس نبض» لدى حزب الله من هذا الطرح الذي يدخل في اطار التطبيع الاقتصادي وعن مدى امكانية قبوله بهذا التوافق بدلا عما سبق ولوح به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله « بأن المقاومة ستتدخل عندما تجد ان اجراءات العدو تشكل خطرا على حقوق لبنان ولن تسمح للعدو بإستغلال مرحلة المفاوضات الحالية من اجل استخراج النفط او الغاز من المنطقة الخاضعة للتفاوض.»
فهل يضع هوكشتين المسؤوليين اللبنانيين غدا امام خيار القبول بالنقطة ٢٣ او القبول بتقاسم انتاج موارد المنطقة المتنازع عليها بين لبنان واسرائيل وبرعاية شركة تعطي حصة تشغيلية في البلوكات الحدودية بين الطرفين ؟ وهل ثمة مصلحة امنية وسياسية لشركة نفط عربية بالدخول جزءا اساسيا في حل الصراع الاقليمي المشتعل على اكثر من جبهة؟
لا شك ان الزيارة الاميركية التي تأخرت وتأجلت لأسباب ستكشف جديدا عما يخفيه هذا الملف السياسي لا التقني وسيفتح الباب على اثمان محتملة قد يدفعها لبنان مقابل القبول او الرفض بدءاً بالتنازل عن بعض حقوقه الاقتصادية وانتهاء بحرب سيادية.
*ليندا تنوري – الديار
مختصة في الشؤون القانونية للنفط والغاز