الراتب الشهري لا يكفي في زيارة واحدة الى «السوبرماركت»
صدى وادي التيم- إقتصاد/
لا تزال المجموعة الدولية والدول المانحة للبنان «تشترط» على الحكومة اللبنانية إنجاز الإصلاحات المطلوبة والمعالجات للمشاكل اليومية والحياتية التي يعاني منها الشعب اللبناني في ظلّ الأزمة الإقتصادية والمالية غير المسبوقة التي تنعكس سلباً على حياته بشكل مباشر، خصوصاً في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة، قبل أن تُقدّم أي دعم مادي له.
ورغم التفاؤل الذي كان يبثّه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزراء المعنيين بأنّ الإتفاق مع صندوق النقد الدولي بات في خواتيمه وعلى قاب قوسين من التوقيع عليه، جاءت زيارة السفير الفرنسي بيار دوكان الى لبنان لتؤكّد بأن «ليس هناك أي إتفاق مع الصندوق من دون الإصلاحات والمعالجات الموعودة من قبل الحكومة اللبنانية».
أوساط ديبلوماسية عليمة أكّدت أنّه مع الأسف، رغم الحراك الذي يقوم به ميقاتي في الداخل والخارج، إِلَّا أنّ أيا من جهوده لم تُترجم بعد بشكل ملموس في حياة المواطن. فما يحصل هو ارتفاع جنوني لأسعار المحروقات والسلع الغذائية والدواء والملابس وسواها، من دون أن تجتمع الحكومة وتضع خطة سريعة للنهوض من الانهيار، وما يُقلق المواطن أكثر أنّ الوضع يتجه من سيّء الى أسوأ من دون أي فرملة له من قبل المسؤولين.
فالأزمة تطال الجميع، وهذه مسؤولية الحكومة في أن تُسارع الى عقد جلساتها الوزارية لمعالجة مشاكل المواطنين على ما أضافت الاوساط، ولوقف التدهور الكبير لقيمة الليرة، فمن دون اجتماع الحكومة لن يحصل لبنان على أي مساعدات أو قروض مالية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ولن يتمّ بالتالي تمويل «البطاقة التمويلية» الموعودة بها شريحة كبيرة من المواطنين، وإن كان بدء الدفع لن يحصل قبل آذار من العام المقبل. هذا في حال جرى توقيع الإتفاق مع صندوق النقد ولم يتأخّر أكثر.
ولهذا لا بدّ للحكومة من أخذ هذا الموضوع بمنتهى الجديّة، وفصل القضاء عن السياسة ووضع كلّ الخلافات جانباً، على ما ذكرت الأوساط نفسها، أمام أولوية معالجة مشاكل المواطنين المتفاقمة مع وصول الحدّ الأدنى للأجور الى 25 دولاراً فقط، وترى بأنّه على جميع المعنيين التنازل لمصلحة البلد، ولكي تتمكّن الحكومة من الإنعقاد والبدء بعملية الإنقاذ قبل الإرتطام الأخير.
ونقلت الاوساط عن السفير دوكان وبعض الموفدين من دول الخارج، دهشتهم من عدم انفجار الشارع حتى الآن، فعندما كان يُحكى في لبنان عن زيادة خمسة آلاف ليرة على ثمن صفيحة البنزين، على سبيل المثال، كان الشعب يُهَدِّد بالنزول الى الشارع، فيما تخطّى سعرها اليوم الثلاثمائة ألف ليرة، ( بين 318 و 328 ألفاً) ولا يزال هادئاً. ولو حصل مثل هذا الأمر، أي قفزت الأسعار بهذه السرعة الجنونية في أي بلد أجنبي، لكان الشعب تظاهر في الشارع، على غرار ما جرى في فرنسا أيام «السترات الصفراء»، أو استقالت الحكومة في حال لم تتمكّن من إنقاذ الوضع من التدهور.
وتساءلت الأوساط عينها عمّا يُخدّر الشعب اللبناني الذي بات بغالبيته محتاجاً بعد أن أدّت سياسات الحكومة المتعاقبة الى تفقيره وتجويعه وجعلته عاطلاً عن العمل، وإذا استمرّ في عمله، فإنّ راتبه الشهري لا يكفيه في زيارة واحدة الى «السوبرماركت»، فمن أين يدفع فواتير المحروقات والغاز والكهرباء و»الموتور» و»الإنترنت» والدواء والإستشفاء الخ…؟
ولفتت الاوساط الى أنّ بعض المنظمات غير الحكومية والجمعيات الدينية الخيرية تعمل بمساعدة بعض الخيّرين والمغتربين في دول الخارج على تحمّل المسؤولية التي تخلّت عنها الدولة اللبنانية، ونجدها تحلّ بعض مشاكل العائلات اللبنانية، فتؤمّن لها بعض المواد الغذائية والأدوية لكي تتمكّن من الاستمرار بالحياة، غير أنّ المواطن اللبناني ليس معتاداً على العيش على الإعانات والمساعدات، ويُطالب بإيجاد حلول جذرية لمشاكله حتى وإن لم يلجأ الى الشارع كونه جرّبه ولم يستفد منه في تحسين أوضاعه. ولهذا على الحكومة استعادة ثقة هذا الشعب، وثقة المجتمع الدولي من خلال العودة الى عقد الجلسات الحكومية والقيام بمشاريع منتجة من شأنها تغيير الوضع القائم سريعاً.
فازدياد فقر العائلات اللبنانية يوماً بعد يوم مع تحليق سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء وبلوغه نحو 28 ألف ليرة مقابل انخفاض القيمة الشرائية للعملة الوطنية الى أدنى مستوياتها في التاريخ، لا أحد مسؤول عنه سوى الحكومة، وعليها وقف نسبة الفقر بأسرع ما يُمكن، وإلّا فإنّ جميع اللبنانيين سيغادرون البلاد بحثاً عن فرص العمل في الخارج.
وأشارت الاوساط الى أنّ نسبة العائلات اللبنانية المُهاجرة بلغت حدّها الأقصى خلال الأشهر الماضية وهي مرجّحة للارتفاع مع ازدياد عدد طالبي جوازات السفر وبلوغه نحو 300 الف جواز، وهذا الأمر خطير جدّاً، على ما أوضحت، لأنّه يُفرّغ لبنان من شعبه ليحلّ مكانه كلّ المقيمين على أرضه بشكل مؤقت من اللاجئين الفلسطينيين الى النازحين السوريين الذين يُفضّلون البقاء فيه رغم استقرار الوضع الأمني في بلادهم، بسبب المساعدات المالية بالدولار الأميركي التي يحصلون عليها من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان.
المصدر: دوللي بشعلاني – الديار