أغبى الحروب في تاريخ البشرية.. عندما انتصرت الطيور في حرب الإيمو العظيمة على الجيش الأسترالي
الأسلحة المتطورة ليست دائمًا العامل الأبرز للنصر في المعارك، فالحرب التي خسرتها أستراليا ضد سرب من طيور الإيمو خير مثال، وقد عُرِف هذا الحدث على نطاقٍ واسعٍ باسم حرب الإيمو العظمى، فكانت هذه الهزيمة المخزية دليلاً على أن الأسلحة والبارود ليست دائمًا الحل الأفضل.
إن براعة الجيش الأسترالي القتالية في ساحات المعارك لا يُستهان بها، وإقدام أستراليا في الحرب العالمية الأولى دليل على ذلك، فقد أرسلت العديد من القوات العسكرية لمساعدة قوات الحلفاء في التغلب على خصومها، ونتيجةً لذلك انتصرت قوات من كتلة الحلفاء مثل بريطانيا وروسيا وما إلى ذلك ضد الكتلة المركزية ألمانيا والنمسا والمجر والإمبراطورية العثمانية وبلغاريا، إلى أن انتهت الحرب العالمية الأولى رسميًا عام 1918 وعاد أبطال الحرب إلى أستراليا.
واصل البعض حياتهم العسكرية، والبعض الآخر اتّجه إلى حياته المدنية الطبيعية، فكرّمتهم الحكومة الأسترالية لإنجازاتهم في الشجاعة والوطنية والموقف الصديق المخلص والنبيل، فمنحت العديد من المحاربين القدامى قطعة أرض في مقاطعة كامبيون غرب أستراليا.
ما الذي تسبب في حرب الإيمو العظيمة؟
خططت الحكومة لدعم الزراعة وشجعت على زراعة القمح من أجل البقاء، وقد كان التبرع بالأرض قرارًا مفيدًا للعديد من المحاربين القدامى الأستراليين، وبالأخص بعد تعرض العالم للكساد الكبير في ذلك الوقت عام 1932، والذي تسبب في ركود في العديد من دول العالم بما في ذلك أستراليا.
بعد هدوء عاصفة الأزمة العالمية، اتجه المحاربون القدامى إلى الزراعة وبدؤوا العمل في الأرض الجافة، وحشد المزارعون جهودهم من أجل إنتاج محصول سنوي وفير من القمح، لكن لسوء الحظ إن الزراعة بحاجة إلى ري، وهذا ما جذب انتباه طيور الإيمو الأسترالية التي تعيش عادةً في المناطق النائية والجافة ثم تهاجر إلى مزارع المزارعين بعد موسم التزاوج.
وفي مشهد أثار استغراب العالم بأكمله، وصل ثاني أكبر سرب طيور مهاجر في العالم، والذي بلغ حوال 20 ألف طائر إيمو عاث في الأراضي المزروعة الخراب والفوضى وأكل القمح ودمر المنشآت الزراعية ومباني المزارعين وسبب الخسائر الفادحة لأصحاب بساتين القمح، عندها تذكر الفلاحون الذين كانوا جنودًا سابقين مدى فعالية المدافع الرشاشة ضد قطيع الإيمو، مع إدراكهم بأن قتل الإيمو دون إذن قانوني هو بالتأكيد أمرٌ مخالفٌ للقواعد، فقدم المزارعون كتابًا خطيًّا على الفور إلى وزير الدفاع الأسترالي السير جورج بيرس بشأن مهاجمة الطيور بالرشاشات والدبابات والذي استجاب بالموافقة على الفور وأمر بإرسال مدفع لويس الأوتوماتيكي إلى منطقة كامبيون.
بداية حرب الإيمو العظيمة
بدأت عملية القضاء على طيور الإيمو رسميًّا في 2 نوفمبر مع شرط وحيد وضعه السير جورج بيرس بالنسبة للفلاحين وهو إجراء عملية الإبادة من قبل الجيش الأسترالي وليس للمزارعين الحق بالمشاركة، وذلك لسببين: الأول لتدريب الجنود على الرماية والتصوب على هدفٍ معين، والثاني هو المكسب السياسي لحكومته عندما تظهر أمام الإعلام بأنها لا تتوانى عن مساعدة الشعب.
السير جورج بيرس واثق بهذه الحملة ويعتقد أن الأمر برمّته عملية سهلة ستنتهي بأقرب وقت من قبل القوات العسكرية الأسترالية، ومن أجل توثيق ذلك أرسل مصورين وإعلاميين إلى منطقة كامبيون لتسجيل النصر المحتّم.
انطلق الجنود الأستراليون في المناطق النائية بحثًا عن الإيمو، وعثروا على قطيع يحوي حوالي 50 طائر، حاول الجنود جمعهم معًا في مجموعة ضيقة لجعل الهدف أسهل، ومع ذلك لم يستسلم الإيمو لتكتيكات الجيش فانقسموا إلى مجموعاتٍ أصغر وركضوا في اتجاهين متعاكسين. وبهذه الخطة الذكية من قبل الطيور لم يُقتل أي منهم على الرغم من إصابة بعضهم.
استعد الرائد ميريديث لكمين بالقرب من أحد السدود المحلية وتم رصد أكثر من 1000 طائر إيمو وهم يتجهون نحو موقعهم، وهذه المرة انتظروا حتى وصلت الطيور إلى مسافة قريبة قبل إطلاق النار، تعطلت البندقية بعد مقتل 12 طائرًا فقط وتناثر طائر الإيمو المتبقي قبل قتل المزيد.
بحلول الثامن من نوفمبر أي بعد 6 أيام فقط من الحرب، تم إطلاق 2500 طلقة من دون أي غنائم تُذكر، فلم يعلم الجيش الأسترالي أنه يتعامل مع واحدة من أذكى وأقوى الكائنات في العالم حي يبلغ طولها 180 سم وتمتلك بنية قوية قادرة على تحمل الرصاص بالإضافة إلى سرعتها الرهيبة في الجري.
بعد هذه الأحداث قال الرائد الأسترالي ميريديث وهو يشعر بالخيبة: “لقد واجهنا الطيور بفرقة عسكرية تمتلك رصيدًا مرعبًا من الذخيرة والرصاص، هذا يدل على أنها قادرة بالتأكيد على مواجهة أي جيش في العالم، ولحسن الحظ لم يتكبد جيشنا أي إصابات على يد الإيمو”، لكن تمكنت القوات العسكرية نوعًا ما من شل حركة جيش الطيور وذلك بسبب الإستراتيجية التي استخدمتها قوات ميريديث وهي حشد طيور الإيمو في منطقةٍ صغيرة حيث سيتم ذبحها والقضاء عليها بشكلٍ جماعي.
الجيش الأسترالي ينسحب من الحرب
اجتمع مجلس النواب الأسترالي لمناقشة العملية في الثامن من نوفمبر وكانت الآراء متضاربة، حيث تلقّى السير جورج بيرس انتقادات شديدة لنتائج المعركة حتى الآن، وبعد وقت طويل من النقاش قررت المجموعة سحب القوات الأسترالية من حرب الإيمو العظمى.
قرار الانسحاب من الحرب لم يدم طويلًا، حيث أصبحت طيور الإيمو أكثر ترويضًا وتنظيمًا وعزمًا على تدمير المحاصيل في غياب الجيش، ولذلك فقد وافق الجيش على العودة إلى الخطوط الأمامية لحرب الإيمو العظيمة بعد طلب من المزارعين من أجل وضع حد للدمار، ونتيجة لذلك شهدت القوات الأسترالية درجةً أكبر من النجاح خلال الحملة الثانية، حيث كتبت صحيفة كانبرا تايمز في 12 نوفمبر 1932: “قُتل 300 إيمو في الجولة الثانية”.
واجهت القوات العسكرية الأسترالية العديد من العقبات وكان المطر واحدًا منهم، فقد تسبب في تفريق قطيع الإيمو مما صعّب على الجيش الأسترالي التقاطه بسبب حركته السريعة.
كل المعارك مع هذه الطيور أودت إلى نفس النتيجة، وعلى الرغم من عدم إصابة أي جندي أسترالي، لكن الحكومة الأسترالية لم تكن قادرةً على الحكم بنتيجة المعركة، من هو المنتصر في حرب الإيمو العظيمة؟
الحل العبقري
أنفقت القوات الأسترالية بشكل إجمالي ما يقرب من 10000 طلقة، وفَقدَ ما يقرب من 1000 إيمو حياتهم في حرب الإيمو العظمى. استمر هذا الرقم ليصبح أحد أسوأ نسبة ذخيرة رصاص من أجل القتل في التاريخ العسكري العالمي، وبما أن الطيور الذكية أرهقت الجنود وألحقت بهم كل تلك الخسائر في الذخيرة والعتاد انسحب الجيش من الصراع مرة أخرى، لكن بعد فترة من الزمن توصلت الحكومة إلى حل جذري بسيط بديهي وهو بناء أسوار مدعّمة بقوة حول المزارع والحقول، وبذلك انتهت هذه المعضلة التاريخية.
من المؤكد أنك تتساءل الآن عن سبب غياب هذا الحل منذ البداية على الرغم من بساطته، نعم! هذا السؤال هو ما جعل حرب الإيمو هي الحرب الأغبى تاريخيًّا ووصمة العار التي رافقت الحكومة الأسترالية إلى يومنا هذا.
مريم مونس – اراجيك