الثورة ليست أنثى.. أين ذهبت النساء؟
صدى وادي التيم – لبنانيات /
غير معروف حتى الآن المعيار الذي تعتمده المنظومة الحاكمة في اختيار النساء ليتم تعيينهنّ وزيرات في السلطة التنفيذية أي مجلس الوزراء. التباين الكبير بين عددهنّ في كل من حكومتي حسان دياب (٦وزيرات) ونجيب ميقاتي (وزيرة واحدة) يطرح علامة استفهام حول ذلك المعيار. ويؤكد أن الدافع لتوزير أولئك النساء لم يكن نسوي أو حقوقي، إنما لملء الصورة بما تراه تلك المنظومة من ضرورات تمليها الظروف لذلك.
لكن بعيداً عن ذلك، هناك قاسم مشترك واحد لجهة مشاركة النساء في هاتين الحكومتين، وهو أنهن بلا قرار في كل منها، إذ أن قرارهنّ يصادره زعماء الطوائف أو أصحاب المصارف، لذا ربما من الأفضل أن لا تُحكم تجارب النساء بالفشل بسبب مشاركتهنّ في هكذا حكومات. لكن هذه العقلية، تعكس رؤية النظام بكامله تجاه النساء. إذ تعيش النساء في لبنان واقعاً مظلماً، يتخطى درجات الظلمة التي يختبرها المواطنين ليصل الى درجات أخرى من الظلم الممنهج.
المرأة المتزوجة من أجنبي لا يحق لها منح أبنائها الجنسية اللبنانية، التي على عدم قيمتها إلا أنها تعني أن أبناء النساء اللبنانيات لا يستطيعون مزاولة العديد من المهن، ولا المرور ببعض المناطق دون تصريح، ولا الاستفادة من مساعدات صغيرة تقدمها الدولة، كقرطاسية من هنا ومنح من هناك. المرأة اللبنانية لا قوانين لحمايتها من العنف والقتل، ولا أحد يمنحها حضانة أطفالها إلا اذا كانت إبنة نائب مثلاً. ورغم العدد الكبير للجمعيات التي تنشط من أجل حقوق المرأة “وتمكينها”، إلا أنها تكاد تختفي من الساحة السياسية تماماً.
واقع النساء في البرلمان
واقع النساء في البرلمان والمعارضة في المشهد السياسي التقليدي، لا نرى أية امرأة في الصورة إلا إذا كانت زوجة أو أخت أو إبنة شخصية “عريقة” غالباً ما تم اغتيالها أو نفيها. وحتى عندها، تكون هذه المرأة شيئاً جميلا يزين الصورة، إذ لا قيمة فعلية لمشاركتها. ويشهد البرلمان اللبناني أحد أدنى نسبة تمثيل للنساء، وهي ٦ من ١٢٨ نائباً، أي٤،٧ %. وبالرغم من نيل المرأة حق الترشح والانتخاب في لبنان سنة 1953، إلا أنه لم يصل سوى 17 سيدة إلى مجلس النواب طوال ٦٨ سنة، ليكون لبنان في المرتبة 143 من أصل 144 في مجال تمثيل المرأة بالحياة السياسة.
لكن، وبالرغم من تفاوت النسب، إلا أن المرأة أيضاً تغيب عن ساحة المجموعات والأحزاب المعارضة. فبعد دراسة سريعة للوائح “كلنا وطني” في انتخابات العام ٢٠١٨ نرى أن المجموع هو ١٩ امرأة في ٩ لوائح، ما يعادل ٢،١ امرأة في كل لائحة وذلك من أصل ٧٥ مرشحاً بنسبة ٢٥% فقط من المرشحين. أما بالنسبة للفائزين في انتخابات نقابة المهندسين، فقد أظهرت نتائج الجولة الثانية فوز امرأة واحدة فقط من أصل ١٦ فائزاً أي ما نسبته ٦،٢٥% فقط.
لكن، أين ذهبت النساء؟ لماذا تغيب المرأة بهذا القدر عن الحياة السياسية؟ فلنبدأ بالكلمة الصعبة الأولى ”الذكورية”. وأعني بها تلك التي تحصل على مستوى المؤسسات. وتتجلى بإشراك النساء في المجموعات والأحزاب لإضفاء دور التقدمية على المجموعة، دون إعطاء هذه المرأة أي دور يذكر، أو حتى إشراكها في اتخاذ القرار، مثل ديما جمالي ودورها في تيار المستقبل. فالعديد من النساء يتعرضن إلى هذا الموقف في الحياة السياسية وفق المثل القائل “كوني جميلة، ابتسمي”، واغلقي فمك، فأنت هنا فقط لنعطي طابع التقدمية.
كلام معسول وقمع ممنهج
المثال الأحدث الذي يشرح واقع النساء داخل الأحزاب التقليدية، مشهد النائب عناية عز الدين، التي أرادت طرح موضوع الكوتا النسائية حسب قانون جمعية “فيفتي فيفتي”، إلا أن من قاطعها كان نائب من التيار السياسي التي تنتمي إليه عزالدين وهو النائب علي حسن خليل الذي انتقل إلى المادة التالية دون حتى التطرق لموضوع الكوتا. وعندما أصرّت عزالدين على مناقشة المادة، تدخل رئيس الجلسة النائب ايلي الفرزلي، واعتبر أن الوقت قصير ولا يسمح لهذه التعديلات الجديدة. الأمر الذي دفع النائب عزالدين للخروج مستاءة من الجلسة مهاجمة الدور التجميلي الذي يمنح للنساء.
من جهته اعتبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، المرأة هي “الأم والأخت والصديقة والحبيبة”. مثل هذا الكلام المعسول يربط المرأة كونها شخصاً يخص رجلاً ما وليس كياناً بذاته. المرأة كل شيء، إلا شخص مستقل يتمتع بأهلية اتخاذ القرار. ميقاتي نفسه الذي تطرق في وقت سابق إلى طرح ٣٠% كرقماً للكوتا النسائية في الترشح على اللوائح، عاد وعيّن وزيرة واحدة في حكومته، ثم حدثنا عن دور المرأة في حوار عاطفي، ليعود أخيراً ويصوت ضد الكوتا. هذه الازدواجية في التعاطي مع المرأة هو نهج منظومة كاملة، تتعامل مع النساء بطريقة مختلفة حسب الظروف.
فوضع وزيرة واحدة في الحكومة ليس حدثاً منفصلاً، بل هو تفصيل في منظومة تعمل عمداً على تحجيم المرأة. من الأمثلة أيضاً عندما اجتمعت لجنة الاقتصاد منذ بضعة أشهر لتقرر ترشيد الدعم، ولم تكن أي امرأة في الاجتماع، فقيل إن النسويات يأخذن الموضوع إلى التطرف، إذ ما دخل وجود امرأة في لجنة الاقتصاد بتمثيل المرأة؟ ولكن عن ماذا أسفر الاجتماع؟ دعم شفرات الحلاقة للرجال، والأفوكادو والكوفي مايت، لكن دون دعم الفوط الصحية التي وصلت أسعارها إلى خارج قدرة الكثير من النساء، ووضعتهن في “الفقر من الدورة الشهرية”، أي أعادتهم إلى عصر جداتنا، اللواتي لم تكنّ بألف خير، لا بل كن يمتن عن عمر لا يزيد عن الأربعين بسبب أمراض ناتجة عن التهابات جراء الفوط التي كنّ يستعملنها.
التنميط الجندري
أما الوجه الآخر للذكورية السياسية فيتجلى بإعطاء النساء داخل المجموعات أدوارًا تعزز النمطية الجندرية، كالأرشفة وتدوين محاضر الاجتماعات، الاهتمام بمواقع التواصل، والأدوار السكرتارية التي وسمت للمرأة “لأنها أكثر تنظيماً”. مع الوقت، تمل النساء هذه الأدوار، وتحاول تغييرها داخل المجموعة، وهنا نرى هذه الصفة المتكررة للمرأة في السياسة: “لئيمة، قوية، مشلفة، ما بينحكي معها”، وهذه صفات تعطى فقط لأن المرأة قالت ماذا تريد بكل وضوح دون مراعاة مشاعر أحد.
هناك أيضاً أنواعاً أخرى من الذكورية يتحمل المجتمع مسؤوليته بما فيها المجتمع التغييري التقدمي. فكلنا نتذكر عندما أعطتنا نوار المولوي (زوجة حسان دياب) نصائح عن إدارة الأزمة عبر العمل كخادمات في المنازل، ونتذكر النقد والسخرية الحادين التي نالتهما. لكن انطبع في ذاكرتي حينها الهاشتاغ الذي نال شهرة كبيرة وهو “حسان ضب مرتك”، الانزعاج الذي انتابني أنه تكلم الى تلك المرأة عبر وصيها ليسكتها. لكن، عندما يتحدث جواد عدرا، زوج زينة عكر، أو عندما هدد شقيق وزيرة المهجرين غادة شريم بحرق محطة الـ MTV، لا تنتشر هكذا هاشتاغات ولا أحد يطلب من النساء أن تضب زوجها أو أخاها.
النساء والشتائم
على النساء دائماً إثبات أنفسهن، أصبحت هذه المسألة واقعاً يفرض نفسه، لكن عندما يتصل هذا الأمر بالحياة السياسية، يزداد هذا الواقع سوءاً. فكلما حاورت بولا يعقوبيان رجلاً سياسياً تُواجه بوابل من الشتائم، أو بكلمات تحاول معايرتها بنشاطها الجنسي.
غالباً ما يفترض أن النساء وصلت إلى مواقع متقدمة من خلال تقديم خدمات جنسية، لكن لا يتحدث أحد عن استغلال الرجال لمناصبهم لتحقيق هذه المكساب من النساء. وهكذا، تظل النساء صوتاً يهتف في المظاهرات لأنه أفضل على السمع وأكثر جمالاً في الصور. هذا الصوت لا نسمعه في مواقع اتخاذ القرار حتى عند المعارضة، والكثير من التجارب تدل على ذلك خصوصاً عندما نستعرض وضع أي مجموعة أو حزب معارض ونعدد لرموزه، سنرى أن أول من يخطر ببالنا دائماً هو رجل.
غيض من فيض.. في جولة على مواقع التواصل، وتحديداً صفحة امرأة كديما صادق، نجد الشتائم تملأ الصفحة حيث الحديث عن “انعدام شرفها” موجود في معظم التعليقات، حتى لو كانت تغريدتها تتحدث عن أكلتها المفضلة أو صورة لرجل على الطريق. دائماً يعود الموضوع للشرف، وهذا يختصر كل مشاكلنا وأكبرها. كيف للمرأة أن تعبّر عن ما يدور ببالها وبكل جرأة، دون أن تكون أولى مخاوفها مهاجمة الرجال وتعليقاتهم لها ومعايرتها بشرفها؟
الطائفية والذكورية
لعل التحديات التي تخوضها النساء من أجل أن تتمثل سياسياً كبيرة. تُواجه بتقاطع النظام الطائفي مع الذكورية بطريقة تكاملية مع التبعية للرجل، إذ لا قيمة للمرأة السنية على سبيل المثال عند حامي الطائفة إلا إذا تزوجت سنياً أيضا، وتنسحب هذه الحسابات مناطقياً ايضاً. فالمرأة ليست إبنة المنطقة التي وُلدت فيها، لأن قيدها سيتغير مع زوجها، فلا يوجد سبب لاعتبارها جزءاً من هذه المنطقة أو الطائفة، إلا بعد الزواج منها، لكنها هناك أيضاً تشعر وكأنها غريبة، لا تعلم إلا ما يقوله لها زوجها، ولا تنتمي لأي مكان.
في الحلول، تأتي الكوتا النسائية لتحل مشكلة التمثيل التي تعاني منها النساء، وهي بعكس الاعتقاد السائد، لا تجعل المرأة تكسب مقعداً لأنها امرأة، بل تمنعها من أن تخسر تمثيلها فقط لأنها امرأة، وتصحح جزءاً صغيراً من ظلم قرون كانت تقتل لأنها جميلة، أو ذكية، أو ذات شخصية، أصبحت تقتل فيه الآن لأنها اختارت ما تريد لنفسها، لكنها تقتل، فقط لأنها امرأة، ولأن عالمنا يكره النساء، ولأن مجتمعنا لا يريد قيادة النساء لأنها “لن تستطيع إدارة مجتمع معقد مثله جيدا”، وكأن الرجال عبر التاريخ، أدوا أدواراً جميلة أوصلتنا إلى الازدهار. لذلك موضوع الكوتا ليس حلاً دائماً، لكنه بداية لتثقيف مجتمع عن ضرورة تمثيل نصفه. وعلى المعارضة أن تكون دائما حريصة أن لا تقع في ممارسة نهج الأحزاب التقليدية، أي عليها أن تترك المرأة تصل الى الدور الذي تستحقه، ولا تحكم عليها بأن تكون جميلة وتصمت.
المصدر: قمر الحاج سليمان – مناطق نت