لوحة دلال: ضوع بخور حرموني على درب المسيح… بقلم شوقي ابو لطيف

صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم /
“رحلة تجلّي السيد المسيح صعوداً إلى جبل حرمون” للرسام شوقي دلال.

إنّ من يمعن النظر في هذا المسيل المدهش للاشارات، يجد أنّ في اللوحة المعجزة للفنان #شوقي دلال عبارات تكتنز ما يسطره العقل والأناجيل الأربعة من بشارات على الجبل المعبد ألا وهو الميناء الحرموني العتيق، الذي حطّ عليه فلك النجاة بعد طوفان عرم.

 وهنا تخطّ الريشة الشقدلاليّة في حدث فنيّ إبداعيّ جديد أسفار التجلّي على متون الجبل الشاهق المقدّس، وقد لازم النّور المتلألىء من فيض علوي مدائر الريشة التي أثرت اللون بمزيج من ضوء وتراب يضوعان بخوراً في نسائم الروح، ويرويان السكون بكلم البشارة على مسامع الأزل. وما أجدر حرمون بهذا الكلم ينساب في شرايين شعابه الصخرية فتغدو بيضاء لؤلؤية العقود، تترجم أروع كشف للزمان على حبور هرمسي يهندس في الوجود أبنية هرمية للخلاص، بعد الغوص في البعد الرابع من أبعاد الذات التي تركن الى صمت المكان، حيث يتكور الحضور السيد في أبهى ما يكون وتستيقظ الكلمة على مشارف سمحاء من مهاتف الشرق وتراتيل السكوب في نبوءات الصديقين من أبناء اليقين.

 المسيح هو البعد الأول في لوحة دلال وهو البعد الواحد بذاته، غير المقترن بظلّ غاسقٍ كما الأبعاد الثلاثة الممثلة ببطرس ويوحنا ويعقوب، لأنّه انعتق إلى ما وراء التراب باتجاه المصهر الشمسي حيث يتلاشى الأديم ويستقيم الحقّ الأحد الذي يرعى الخليقة في النواميس المتشكلة كسبحة تنتظم على خطى السيد المخلص.

 خمسة ظلال تتلامح في اللوحة والانبلاج النوراني الأثيل، بيد أن ظلاً هو ليس بظل وهو الأقل كثافة والأكثر سمتاً، ما يدلّ على أنّ شوقي دلال قد ذهب إلى فيض العقل الأول في سدرة منتهى التراب عن سيد أول هو إمام رجيح، لكانما حرمون يبشر به الكون بدء القيامة وإعلان الخلاص وانبثاقة التكوّر الأخير على مطارح التجلي.

 أما الأناجيل الأربعة فهي هذا التسلسل لمدارج البهاء نحو سطوع الانسان في ما يتلو الكلمة ويسبق البزغة إلى خلق متدور من عناصر أربعة ويجهد كي يعود فينتثر نوراً على صراط المسيح، بل ينتثر خلوصاً على هدي عقل إلى مكامن الابداع في ميزان عدل وسماوات بقاء .

على أنّ الريشة الشقدلالية تواكب السنن الجلية في سفر الإياب إلى جلال النور، إلى صفاء آدمي ينهتف به الوجد في الحق خلقاً وفي الخلق حقاً،على تخوم الفادي وعلو المنادي.

شوقي دلال ما تزال ريشتك الخلّاقة تسكب النور كل لون وينسكب اللون بشارة على درب المسيح في كلّ تجلّ بين إنجيل ورؤيا، بين عقل ونور الى أن يحين وجود .

**  * الدكتور شوقي أبولطيف أديب وشاعر وأستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية
المصدر : النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى