مشاة لبنان في خطر

صدى وادي التيم- لبنانيات/

إذا أردت أن تكون من المشاة في لبنان، فعليك أن تكون خارقا لطبيعة البشر، إنها ليست أحجية، لكنّ حدوثها يتطلب معجزة، إذ عليك أن تحظى بأربعة عيون في رأسك: أماميّة وخلفيّة، لتنجز مهمة إجتياز الشارع، وتتمكن من الوصول بخير وسلامة إلى مقصدك.
في رحلة «المشي» اليوميّة في شوارع بلادنا المزدحمة، عادة ما نختار الرصيف كملاذ آمن، وإذ بنا نراه محتلا بشتى أنواع البضائع، فنمرّ من خلاله بصعوبة ولكن لابأس في ذلك، فالناس تبحث عن رزقها والوضع المعيشي صعب، نكمل جولتنا، وإذ بدراجة نارية تزاحمنا في ما تبقى لنا من مساحة على ذلك الرصيف، فنهرع نحو الشارع مجددا، وإذ بالمركبات تسير في كلّ الإتجاهات، ودراجة ناريّة أخرى تهبط أمامنا فجأة، فنحتار كيف نسير، عدا عن سيارت تسير عكس السير إختصارا للوقت وإجتياز طريق طويلة يجب أن تقطعها لتصل، وهنا قد نتعرّض لحوادث قاتلة.

واليوم وبعد تعذّراستخدام معظم الناس لوسائل النقل العام كما في السابق، نتيجة فوضى التعرفة وارتفاعها الجنوني، يلجأ أغلبهم الى السير على الأقدام ذهابا وإيابا، في وقت تندر فيه الأرصفة وجسور المشاة، وأخلاقيات القيادة عند البعض.

النسبة الأعلى من ضحايا المشاة تتركز في بيروت وجبل لبنان والمتن وبعبدا
قد يبدو الحديث عن حقّ المشاة في لبنان أمرا ثانويّا في الوقت الراهن، نظرا للإستحقاقات المعيشيّة التي نمرّ بها، إنّما الواقع يشي بغير ذلك، إذ يشكّل المشاة أكثر من 35% من ضحايا حوادث السير في لبنان، ما يفرض أن يصبح الموضوع من أول الأولويات الرسميّة.

مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم أشار إلى أنّ النسبة الأعلى من ضحايا المشاة في لبنان تتركز في بيروت وجبل لبنان والمتن وبعبدا، موضحا أنّ هناك واجبات تقع على المشاة كالإلتزام بالممرّات الخاصة بهم، كما يتمتّعون بحقوق أقرّها قانون السير تحت مسمّى «شرعة حقوق المشاة»، هدفها تأمين بيئة آمنة لهم للتنقل كبارا وصغارا. لكن على ما يبدو أنّ القانون بقي حبرا على ورق، إذ لا تتواجد أرضيّة لتطبيقه، أيّ عدم توفر أرصفة وجسور مشاة، وغيرها من عوامل السلامة المروريّة، وهذا ما يفسر نسبة الحوادث المرتفعة بين المشاة في لبنان، بحسب إبراهيم الذي يرى أنّه في حال توفرت الممرّات وجسور المشاة فهي ليست آمنة، إضافة إلى أنّ الكثير من الناس يمرّون أسفل هذه الجسور، ما يشكل خطرا كبيرا عليهم، مطالبا البلديات القيام بتأمين ممرّات خاصة بالمشاة في كلّ مكان، وتحديدا عند الجسور والأنفاق.

ولفت إبراهيم إلى أنّه لا بدّ من تطبيق القانون على الذين يفترشون الأرصفة ببضائعهم وأغراضهم وسياراتهم، فهذا يجبر الناس على السير على الطريق فيتعرّضون لخطر الدهس.

ولطالما شاهدنا على شاشات التلفزة والهواتف الذكيّة، خطوطا بيضاء أو صفراء مرسومة على الطرقات تخصّ المشاة والسيّارات، وكنّا نجهل وظيفتها، وأنّها المنظم الفعلي لكل تحركات السيارت داخل الطريق، والمرشد والموجه الحقيقي الذي يحمي السائق من الحوادث و المشاكل اذا ما تمّ الإلتزام بها، لكن هذه الخطوط مفقودة تماما من خريطة طرقاتنا ، لهذا اشار ابراهيم الى لا خطة واضحة في موضوع تأمين سلامة المشاة في ظلّ الظروف الحالية، مؤكّدا أن الناس ستعتمد على «المشي» اليوم أكثر من السابق، ما سيعرّض حياتهم للخطر خاصة في منطقة بيروت الكبرى والمناطق حيث الإشارات المروريّة معطّلة، وقال:» للأسف هذا سنشهده كثيرا في المرحلة القادمة»، مطالبا وزارة الأشغال العامّة والنقل ببناء جسور مشاة آمنة، لأن الناس اليوم ستتنقل أكثر عبر الباصات، وسيضطرون للنزول على الطرق العامة والمشي مسافة معينة للوصول الى مقصدهم، وهنا «أصبحنا بظلّ عوامل خطر أكبر، وبحاجة إلى الممرّات أكثر».وتساءل إبراهيم عن إمكانيّة تحقيق ذلك في ظلّ دولة لا تملك القدرة والمال لتقوم بهذا العمل، لافتا الى أنّ عدم تخطيط الوزارات المتعاقبة لتأمين ممرّات آمنة للمشاة وإعطاء أولوية لهذه الفئة، أدّى بنا للوصول لمرحلة يكون فيها المشاة في لبنان بخطر، خاصة في ظل القيادة السريعة على الأوتوسترادات، وغياب الإنارة.

غالبا ما تلقى مهمّة تأمين السلامة المروريّة على عاتق الأجهزة الأمنيّة، وعند وقوع أيّ حادثة أو مشكلة، يسأل البعض: أين الأمن؟ فيما المشكلة ليست مرتبطة بمدى حضور الدور الرقابيّ لهذه الأجهزة من عدمه، بل تتعلّق بمدى توفّر عناصر السلامة المروريّة على الطرقات، ومدى وجود ثقافة مروريّة عند المشاة أنفسهم، فأحيانا قد يعرّض المارّة أنفسهم لخطر الموت على الطرقات.

في السياق أشارت مصادر أمنيّة إلى أنّ سبب الخطر المحدق بالمشاة في لبنان، يعود إلى غياب البنية التحتيّة، وسياسة إحترام حقّ المشاة بالتنقّل، واعتبرت أنّ العامل الأساسي، وأحد أكبر العقبات في هذا الملف، هو غياب خطّة شاملة متكاملة للنقل العام في لبنان.

برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية، منطقة شعبية مكتظة بالسكان والمحال التجارية، يعاني سكانها من ندرة الأرصفة فيها، إلا في الشوارع الرئيسية ما يعرّضهم لحوادث مروريّة كثيرة. نائب رئيس بلدية برج البراجنة زهير جلول قال إنّ شوراع المنطقة ضيقة عموما ، وإنشاء أرصفة فيها يزيد الوضع سوءا بالنسبة للسيارات، وأضاف أنّ هناك أرصفة في معظم الشوارع الرئيسية ، إنّما يعمد بعض المواطنين إلى ركن سياراتهم عليها، ما يعيق حركة المشاة الذين يمتلكون حقّ التنقل بطريقة آمنة. وقد لجأت بلدية برج البراجنة بحسب جلول إلى وضع «أوتاد حديدية» على أطراف الأرصفة لمنع ركن السيارات وإعاقة حركة المواطنين، كما تحدّث عن إجراء آخر قامت به البلدية على طريق المطار حيث هناك ثلاثة جسور للمشاة، فيما معظم الناس يجتازون الشارع من دون استخدام الجسر، وكي»نمنع ذلك وضعنا «درابزينات حديد» على الطريق المقابل ، لإجبار المشاة على الصعود والسير فوق الجسر».

وأوضح أنّ هناك صعوبة في أن يتم توسيع شوارع المنطقة القديمة وبناء أرصفة فيها، مؤكدا أنّ شرطة البلدية تعمل باستمرار على تحرير محاضر ضبط للسيارات التي تركن بطريقة مخالفة عموما وعلى الأرصفة خصوصا.

اليوم يتزايد عدد المشاة في لبنان، فالمواصلات اليوميّة مكلفة جدا لمن راتبه بالليرة اللبنانية، والمشاة لا يملكون وسائل أمان تمنع عنهم الموت المتنقل على الطرقات، والحلّ بتنظيم مدنيّ يلتقي مع شرعة حقوق المشاة، وبما أنّ تنفيذ هذا المطلب أشبه بمعجزة في ظلّ الوضع الراهن، لذا فإنّ على المشاة التشدّد في إتّباع القواعد التالية التي ينصّ عليها القانون:

-الالتزام باستخدام ممرات المشاة داخل المدن والتقيد باشارات العبور الضوئية او التي تعطى لهم من قبل رجال السير.

-السيرعلى الارصفة وفي حالة عدم توفر الأرصفة السير أقصى حافة اليمين.

-إلتزام أقصى حافة الطريق المقابلة لإتجاه السير في حالة السير على الطرق خارج المدن.

-عدم قطع الطريق من جانب إلى أخر قبل التأكد من خلو الطريق من المركبات.

-على كل شخص يكون على مسافة تقل عن ١٠٠ متر من مكان مخصص للعبور أو نفق أو جسر معد لعبور المشاة فلا يجوز له عبور الطريق إلا من ذلك المكان أو النفق أو الجسر.

-على كل شخص إذا لم يكن على مقربة من مكان مخصص للعبور أو نفق أو جسر معد لعبور المشاة وبالقرب منه تقاطع طرق فعلى المشاة عبور الطريق من هذا التقاطع.

-على المشاة عبور الطريق في كل حالة بسرعة معقولة بأقصر خط مستقيم بين جانبي الطريق وعدم التأخر في الطريق دون ما ضرورة

-لا يجوز لأحد من المشاة النزول من الرصيف أو من مكان أمن آخر في الطريق بصورة فجائية أو دون اتخاذه وسائل الحيطة والحذر الكافية عند اقتراب مركبة من مسافة لا يمكن لسائقها ايقافها لمنع وقوع حادث.

-لا يجوز لأحد الوقوف في الطريق من أجل إيقاف مركبة يستقلها أو لأي غرض أخر إلا بحكم وظيفة رسمية.

-لا يجوز لأحد إعاقة حركة المشاة على الرصيف.

وربما يستحيل تطبيق البند الأخير، فمعظم الأرصفة تستعمل لركن السيارات او مرور الدراجات او لنشاطات تجارية منوعة، والسيارة لا بد أن تمر، والدراجة الناريّة كذلك، أما المشاة فمتروكون لمصيرهم، إمّا الموت او النجاة على الطرقات.

بالنتيجة، لا بدّ من ترتيبات جذريّة للحدّ من حوادث السير في لبنان، لعلّ أولها تأسيس بنية تحتية آمنة للسيارات والمشاة، وإنارة الطرقات وإصلاح الإشارات، على أن يتزامن ذلك مع حذر كبير من المشاة الذين يتحملون المسؤولية كذلك حين يتجاهلون إجرءات السلامة الشخصية ويجتازون الشوارع بعشوائية.

أمّا من يقول إنّ حق المشاة أمر ثانوي في ظلّ ما يعانيه على مستوى حقّه المعيشيّ، فكأنّه يقول إنّ إزهاق عشرات أرواح المشاة يوميّا على الطرقات هو كذلك!

يمنى المقداد- الديار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!