المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تقفل أبوابها
صدى وادي التيم- لبنانيات/
مطلع العام 2022 لن تكون هناك قاعة محاكمات في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فالمحكمة ستقفل أبوابها نهائياً، ولن تشهد محاكمات في قضية اغتيال الشهيد جورج حاوي ومحاولة اغتيال الوزيرين مروان حمادة والياس المرّ. وقريباً جداً ستستكمل الاجراءات الإدارية واللوجستية لإقفال مقرّ المحكمة في لايسندام بعد الإقفال النهائي لمكتبها في لبنان في المونتيفردي. الارادة الدولية التي اوجدت المحكمة الدولية وضعت حدّاً لعملها.
وفي لبنان أشارت الفقرة الرابعة من بيان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى مُتابعة مسار المحكمة الخاصة بلبنان وصولاً لإقفال ملف إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مهلة أقصاها 30 تموز 2022. صيغة مثار تساؤل حول مسألتين اولاهما اقتصار عمل المحكمة على ملف اغتيال الحريري دون الآخرين والثانية تحديد مهلة زمنية لعمل قانوني لا يمكن ربط انجازه بمهل. قبل 15 عاماً انشئت المحكمة الخاصة بلبنان طلباً للعدالة والنظر في ملف الحريري والقضايا الاخرى المتلازمة. لم تنه المحكمة عملها لكن المسؤولين عنها قرروا اسدال الستار على عملها لأسباب مالية وسياسية، وحامت حولها شكوك وتهم هدر فيما لم تحقق الهدف الذي أنشئت من اجله وهو العدالة.
في حديث الى “نداء الوطن” يفند المحامي الرئيسي في المحكمة والممثل القانوني للمتضررين لدى المحكمة الخاصة بلبنان أنطونيوس أبو كسم اسباب انهاء عمل المحكمة الدولية وخلفياته، ويسلط الضوء على المتضررين الذين ورغم معاناتهم تمّ التغاضي عن قضيتهم وتجاوزها.
يعتبر المحامي أبو كسم ان ما ورد في البيان الوزاري بخصوص المحكمة الدولية دليلاً على وجود “اتفاق ما بين الحكومة اللبنانية والأمانة العامة للأمم المتحدة والمسؤولين في المحكمة، لإنهاء عملها نهائياً وإقفال أبوابها بعد صدور قرار غرفة الاستئناف في قضية اغتيال الرئيس الحريري”. ومعنى هذا أن “المحكمة لن تستمرّ بالمحاكمات في قضايا اغتيال الشهيد جورج حاوي، ومحاولة اغتيال الوزيرين مروان حمادة والياس المرّ، وأن الحكومة اللبنانية غير مكترثة لإحقاق العدالة في هذه القضايا المتلازمة، وهذا أمر مشين، حيث أنّ العدالة يجب أن تحقّق لعائلة الحريري فقط دون سواها من عائلات باقي الشهداء، هذا التمييز بين المتضررين أمرٌ مؤسف ومعيب ويؤكّد نظريّة تسييس العدالة”. هي “عدالة استنسابية” إذاً، خصوصاً وأن القيّمين على إدارتها، فضّلوا صرف الأموال لاستكمال إجراءات الاستئناف في قضية الحريري وعلى أمور لوجستية تتعلق بحفظ الملفات. فحفظ الأرشيف أهمّ من إحقاق العدالة”.
حول مصير القضايا الاخرى المتلازمة ومصيرها، يكشف ان المحكمة “ستخلي المبنى الحالي في لايسندام (ضواحي لاهاي) في نهاية هذه السنة كحدّ أقصى. مّما يؤشّر الى أن غرفة الاستئناف ستعلن قرارها في قضية الشهيد الحريري قبل نهاية شهر كانون الأول، حيث أنّه لن يكون هناك قاعة محاكمات مطلع العام 2022، وهذا يعني أنّ المحكمة أقفلت أبوابها نهائياً، وهذا يؤشّر الى أنّها لن تشهد محاكمات في قضية اغتيال الشهيد جورج حاوي ومحاولة اغتيال الوزيرين مروان حمادة والياس المرّ. وقرر قضاة الدرجة الأولى الناظرة في هذه القضايا المتلازمة بتاريخ 2/6/2021 تعليق المحاكمات بسبب أزمة التمويل التي تمرّ بها المحكمة. وبتاريخ 13/7/2021 قد تقدّموا بطلب طارئ إلى مجلس الأمن من أجل الاستحصال على توضيح حول مستقبل المحكمة، ولا جواب حتّى تاريخه.
لا ميزانية
– وعلى اي اساس اتخذ قرار اقفال المحكمة؟ وماذا يعني عملياً؟ يقول: “إتّخذ على أساس أنّه يستحيل على لبنان تمويل المحكمة بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف به، وأنّ الدول المانحة تمتنع أغلبيتها عن الاستمرار بالتمويل وتغطية عجز الحكومة اللبنانية بالتمويل. وعليه توصّلت المحكمة إلى إقرار موازنة إقفال (للعام 2021-2022) وليس موازنة استمرار في المحاكمات. بالرغم من نوايا عدد من الدول تجاه قضية المتضررين والضحايا في القضايا المتلازمة، إلا أنّ ممثليهم في لجنة الإدارة قد أقرّوا موازنة سنوية لا تلحظ أبداً، المحاكمات في القضايا المتلازمة.
تقوم المحكمة على نظام تمويل مختلط، 49% من ميزانيتها تقع على عاتق الدولة اللبنانية و51% تؤمن عبر تبرعات طوعيّة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. لكن الدولة اللبنانية وبسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة وعجز الموازنة، لم تستطع إيفاء موجباتها كاملة السنة الفائتة. مع الاشارة الى أنّ لبنان هو الدولة الوحيدة التي تساهم بتمويل محكمة جنائية دولية تتعلق بالجرائم الواقعة على إقليمها. كذلك، إنّ قرار مجلس الأمن 1757 والمادة 5 من الاتفاق المرفق به، يضعان على عاتق الأمين العام ومجلس الأمن موجب استكشاف وسائل بديلة لتمويل المحكمة في حال عدم كفاية التبرعات لتنفيذ ولايتها، أو في حال عدم كفاية مساهمات الحكومة اللبنانية لتحمل النفقات. يضاف إلى ذلك “عدم استحسان الدول المانحة للحكم الذي أصدرته غرفة الدرجة الأولى في 18 آب 2020 في قضية الحريري والذي أدان فقط شخصاً واحداً بعد محاكمة غيابية استمرت عشر سنوات. وقد عبّر ممثلو بعض الدول عن امتعاضهم من هذا الحكم “الباهت”؛ إضافة إلى عدم رضى هذه الدول بشأن عدم تعاون السلطات اللبنانية لتوقيف أقلّه متهّم واحد منذ العام 2011 بالرغم من دعم هذه الدول للقوى الأمنية اللبنانية”.
وعن مجمل المبلغ الذي دفع للمحكمة وما اذا كانت صرفت حيث يجب يقول: “حتّى تاريخه، تقدّر تكاليف المحكمة بـِ 970 مليون دولار أميركي، دفع لبنان نصفها تقريباً”. يُقال في أروقة الأمم المتحدة، أّن لجنة الإدارة الخاصة بالمحكمة الخاصة بلبنان والمؤلفة من الدول المانحة، قد اشتكت من سوء إدارة المحكمة. هذه اللجنة تقوم بالمصادقة على الموازنة السنوية للمحكمة، لماذا استفاقت مؤخراً لتكتشف أو لتتذرع بسوء إدارة القيّمين على حوكمة المحكمة للتوقف عن تمويلها لاستكمال ولايتها؟ هل اكتُشف سوء الإدارة فقط بعد 11 سنة من فتح أبواب المحكمة؟ أوَليس المسؤولون في المحكمة هم من مواطني هذه الدّول المانحة؟ أليست الأمانة العامة للأمم المتحدة هي من تعيّن رئيس القلم ورؤساء الأجهزة الرئيسة في المحكمة إضافة إلى القضاة؟
مبدأ العدالة
العدالة من أجل لبنان هو الشعار الذي رافق المحكمة الدولية منذ نشأتها فهل تحقق هذا الهدف؟ سؤال اساسي يجيب عليه المحامي ابو كسم جازماً: “لم تحقّق المحكمة الأهداف التي يُفترض أنّها أُنشئَت من أجلها. لقد أجرت هذه المحكمة محاكمات جنائية غيابية بغياب المتهمين، ولم يتمّ توقيف أيّ متهم أو أيّ محكوم. ولم تشكّل رادعاً لحالة الإفلات من العقاب، بل استمرّت الاعتداءات الإرهابية والاغتيالات السياسية في لبنان حتّى بعد إنشائها وخلال مرحلة المحاكمات”.
يقول أبو كسم: “قرار انهاء عمل المحكمة الدولية اتخذ وحتى يحين موعده المحدد سيبقى امامها عمل تقوم به، فإن غرفة الاستئناف في قضية اغتيال الحريري، ستعقد جلسات الاثنين المقبل الواقع في 4 تشرين الأول 2021 حتى الثامن منه لمتابعة الاستئناف الذي تقدّم به الادعاء ضدّ حكم تبرئة السيدين حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي (دون المتهم صبرا).
كما وستستكمل الاجراءات الإدارية واللوجستية لإقفال مقرّ المحكمة في لايسندام بعد الإقفال النهائي لمكتبها في لبنان (المونتفيردي). وأنّ القيّمين على إدارة المحكمة هم بصدد التفتيش على مبنى صغير لحفظ الأرشيف من ملفات وأدلّة، حيث ستتحوّل المحكمة إلى “كيانٍ نائم” dormant entity.
لا يبدي ابو كسم قناعة بالحكم المتعلق بقضية اغتيال الحريري ويرى فيه حكماً “يستند إلى اتهام قائم على أدلّة ظرفية بغياب المتهمين وإقرارهم بالذنب، كما يستند إلى شهادات سياسية، لم تجزم من هم الأشخاص الذين خطّطوا لارتكاب الجريمة أو الذين أعطوا الأمر. ولذلك لم تستطع المحكمة إلا إدانة شخص واحد وتبرئة ثلاثة متهمين آخرين.
ولكن هل يمكن للمحكمة ان تطلب الى السلطات اللبنانية إستكمال التحقيقات المتبقية؟ وما هو مصير الحكم الصادر بحق سليم عياش في هذه الحالة طالما لم يوقف ولم يبلغ؟
يقول ابو كسم: “هناك اختصاص مشترك ما بين المحكمة الخاصة بلبنان والمحاكم اللبنانية. وبالتالي، يمكن للمحكمة إحالة القضايا التي تنظر بها إلى المحاكم اللبنانية وتتخلى عن أسبقيتها. إلا أنّ هذا الموضوع تواجهه صعوبات قانونية ولوجستية. في القضايا المتلازمة، إنها لدى المحكمة الخاصة بلبنان تشكّل قضية واحدة “قضية عياش”. في حال إعادة الملفّ إلى لبنان، هي كناية عن ثلاث قضايا، أحيلت كلّ منها منفردة إلى المجلس العدلي. فعلى القضاء اللبناني، فصلها، وإعادة التحقيق مجدداً لإصدار قرارات اتهامية جديدة. كما وأنّ نقل الملف يتطلب تجهيزات ونظام مكننة خاصاً لحفظها ولإعادة استعمال الأدلة. ونقل الملف مكلف ويتطلب وقتاً طويلاً. أمّا بخصوص حماية الملف، فهناك مخاطر جدية خصوصاً، أسماء الشهود السريين. فهل بإمكان الدولة اللبنانية تأمين حماية الأشخاص السريين والأدلّة؟ وفي حال الشروع بالمحاكمات، هل بإمكان القضاء تأمين حماية الشهود؟ ولا نعرف ما إذا كان مدعي عام المحكمة سيوافق على تسليم ملف الادعاء إلى السلطات اللبنانية والتي تتضمن أيضاً ملفات وأدلة لجنة التحقيق الدولية.
وفي قضية عياش يرى ان على الدولة، واحتراماً لالتزاماتها الدولية وهيبة قواها الأمنيّة، توقيف الشخص المدان السيّد سليم عياش، الذي يتمتّع بحقّ طلب إعادة محاكمته في حال توقيفه. هل هناك خشية من توقيفه أو من المعلومات التي سيدلي بها في حال محاكمته؟ وكأنّه ليس فاراً من وجه العدالة، بل وكأنّ العدالة فارّة من وجهه !
وبوصفه محامياً عن اهالي الشهداء الذين سقطوا في الاغتيالات الاربعة الاخرى وقضيتهم لم تستكمل المحاكمات بشأنها، يبدي اسفه لحرمان هؤلاء الضحايا من العدالة بعد انتظار دام 16 سنة، ويقول: “لقد تمّ تدمير حياة أغلبية المجنى عليهم، تعرضوا لكافة أنواع التعذيب النفسي إضافة إلى الجهد الجسدي، بدءاً بجلسات التحقيق معهم من قبل محققي لجنة التحقيق الدولية، مروراً بجلسات التحقيق المتكررة مع مدعي عام المحكمة والمقابلات مع باقي أجهزة المحكمة، من ضمنهم التحقيقات مع ممثليهم القانونيين. عاشوا في الأمل وقبلوا العذاب مقابل العدالة التي اكتشفوا أنها كذبة”، واحتراماً لذوي الشهداء والمتضررين في القضايا المتلازمة، يرى أن “على الحكومة الجديدة المطالبة باستمرارية المحكمة عبر كتاب رسميّ إلى مجلس الأمن يتضمّن مسألة إعفاء لبنان من مساهمته السنوّية” متابعاً: “إنّ إحقاق العدالة هو التعويض الوحيد الذي يسعى إليه أهالي الشهداء والمتضررين في القضايا المتلازمة، خصوصاً وأنّ المحكمة الخاصة بلبنان لا تحكم بالتعويض المادي للمجنى عليهم”.
الموضوع لم يُطوَ بعد وقد طالب الممثل القانوني للمتضررين لدى المحكمة الدولية المحامي أبو كسم مجلس الأمن بتأمين استمرارية المحكمة عبر إعفاء لبنان من دفع مستحقاته السنوية، على أن يتمّ تمويل المحكمة من ميزانية الأمم المتحدة أسوةً بالمحاكم الدولية الأخرى، ولكن، “حتّى تاريخه لم نحصل على أيّ جواب”. ولأن عدداً من المتضررين يحملون الجنسية الفرنسية، راسل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أبدى اهتمامه بالموضوع وأحال الملف إلى وزير الخارجية جان-إيف لودريان وعبر مراسلة رسميّة أكد التزام فرنسا وضع حدّ للإفلات من العقاب في لبنان مشيراً إلى أنّ الأزمة المالية التي تواجه المحكمة، تشكّل خطراً على استكمال المحاكمات في القضايا المتلازمة، وتمّت إثارة الموضوع رسمياً في مجلس الشيوخ الفرنسي. وكذلك تمّت إثارة الموضوع في البرلمان الهولندي، حيث تمّ توجيه أسئلة للحكومة الهولندية