مشيخة العقل بين الشرعية والمشروعية والانقسام المستمر
صدى وادي التيم – لبنانيات /
أثارت مسألة تعيين شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز علامات استفاهم عديدة، حول ما جرى وأسبابه الحقيقة ، ومَنْ المستفيد من استمرار الانقسام حول هذا الموضوع، داخل الطائفة.
من حيث الشكل لقد تم كل شيء وفقاً للقانون، بدءاً من الالتزام بشروط الترشيح، وعملية الانتخاب، وحتى إعلان النتائج، وهذا يجعل العملية مشروعة بالكامل، بانطباقها على الأنظمة والقوانين. أما لناحية الشرعية فالأمر مختلف، لأن الشرعية هي مفهوم عام يستند إلى حجم التأييد الشعبي لأي سلطة أو موسسة.
من الواضح أن ما حصل كرّس الانقسام الدرزي حول مشيخة العقل، ولقد أعلن الأمير طلال أرسلان تمسكه بالشيخ نصر الدين الغريب كشيخ عقل، وحمّل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مسؤولية تفويت الفرصة في توحيد مشيخة العقل، رغم أنه كان قد تم الاتفاق على ذلك في اللقاء الذي عُقد بينهما في خلدة، بحضور رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب.
لا أحد يشك في أهلية الشيخ المنتخب الدكتور سامي أبي المنى، فهو رجل علم وحكمة وانفتاح، واشتُهر كرجل حوار له أفضل العلاقات مع رجال الدين من مختلف المذاهب والطوائف، يسعى دائماً إلى الوحدة الوطنية والحفاظ على التنوّع والعيش الأخوي المشترك بين جميع أبناء الوطن، وهو يتمتّع بكامل الصفاة والمؤهلات الحسنة التي تجعل انتخابه كشيخ عقل، تطبيقاً لمبدأ «الشخص المناسب في المكان المناسب».
إن انتخاب الشيخ سامي لا يعني إطلاقاً انتقاصاً من كفاءة وأهلية الأسماء التي تم طرحها، وكذلك العديد من المشايخ داخل الطائفة الدرزية، ولكن عدداً كبيراً منهم يتّسمون بالزهد والتقوى، ويفضّلون الابتعاد عن المناصب الدنيوية، كما أن الاختيار بين المرشحين تم بمراعاة لضرورات الموقع، فشيخ العقل لا يمثل رئيساً للهيئة الروحية، بل إن هذا المنصب هو مركز ديني وقضائي وسياسي في آن واحد .
بالرغم من ذلك يأخذ البعض من وجهاء الطائفة والمثقفين فيها، عدة ملاحظات على طريقة التعيين ، بحيث كان واضحاً من كلام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أنه هو من قرر منفرداً وعيّن شيخ العقل، ونزع بكلامه أي غطاء انتخابي أو ديمقراطي عن هذه العملية، خاصة عندما أعلن بوضوح ودون مواربة: أن الأسماء التي قُدّمت له غير مناسبة، ولم يجد سوى الشيخ سامي ابي المنى مناسباً ليشغل هذا المنصب ، وهو تجنّب القول: أن الأسماء التي تم ترشيحها ، أو أن المجلس المذهبي انتخب الشيخ سامي.
هذا ما دفع بالعديد من الدروز إلى التساؤل ؛ لماذا لم يتم انتخاب شيخ العقل وفقاً للأصول الديمقراطية؟
لماذا تقوم المرجعيات السياسية في الطائفة منفردة بتسمية شيخ العقل وكأنه موظف لدى هذا الزعيم أو ذاك ، دون احترام لموقع ومقام مشيخة العقل؟ .
لماذا يتعمد الزعماء السياسيون الدروز إضعاف مشيخة العقل ، وجعلها ملحقة بهم، لاستخدامها عند الحاجة بما يخدم مصلحة هذا الفريق أو ذاك؟؟؟
إن قانون انتخاب أعضاء المجلس المذهبي الدرزي الذين يتولون انتخاب شيخ العقل، يُعتبر من أكثر قوانين الانتخاب تخلّفاً وانتهاكاً لقواعد الديمقراطية والعدالة والمساواة في العالم . فهذا الحق الانتخابي ليس عاماً لكافة الدروز، ولا محصوراً برجال الدين فقط، كما لدى بعض الطوائف الأُخرى، بل هو يحصر الانتخاب بفئات معينة، كأعضاء ورؤساء البلديات، إضافة إلى ممثلين عن القطاعات الأُخرى؛ كالمحامين ، والضباط المتقاعدين، والأطباء، وغيرهم.
بمعنى آخر إن هذا القانون يستبعد عدداً كبيراً من الدروز ويحرمهم المشاركة في الانتخابات، كما أنه يعتمد قاعدة الانتخاب على درجتين والتي تخلت عنها كافة دول العالم، وهو بذلك ينزع صفة الشرعية عن أي مجلس مذهبي، ويجعله سلطة أوليغارشية لا تُعبّر عن تمثيل حقيقي للطائفة، بل هو أقرب إلى جماعة من الأنصار الذين يسهل على الزعامة السياسية تحريكهم والتحكم بقراراتهم.
يعتبر البعض أن ما حصل في انتخابات مشيخة العقل ، كان رداً من جنبلاط على زيارة التهنئة التي قام بها معارضوه داخل الطائفة (طلال ارسلان ووئام وهاب وطارق الداوود) إلى سوريا لتقديم التهنئة للرئيس السوري بشار الأسد، ولكن بغض النظر عن الخلافات السياسية والتباعد في المواقف بين هذه الزعامات ، فإن ما حصل يُظهر حجم سيطرة وتأثير الإقطاع السياسي داخل الطائفة الدرزية، والروح القبلية العشائرية والعائلية السائدة ، إضافة إلى ضعف المؤسسات وهشاشة التنظيم في داخلها.
إن ما حصل كرّس الانقسام القائم، وحرم الشيخ المنتخب من فرصة توحيد مشيخة العقل، وجمع كلمة الدروز والانطلاق في مشروع جامع، لاستكمال ورشة الإصلاح التي بدأها الشيخ نعيم حسن، ويجب أن تُستكمل، خاصة في ظل الانتقادات الشديدة، والاعتراض الكبير على أداء وعمل المجلس المذهبي، طيلة الفترة الماضية.
” اكرم كمال سريوي “