الأميركيون “يتراجعون”: فشِلنا في لبنان!
صدى وادي التيم- لبنانيات/
بعد مرحلة تشدّد أميركي، بدأت بعض ملامح التغيير تظهر من واشنطن، بعد تدهور الأوضاع وانعكاس هذا التشدد على حال البلاد. الرسائل الأميركية الأخيرة ضاغطة لجهة أن الوقت قد حان لتأليف حكومة سريعاً والانتقال إلى مرحلة التحضير للانتخابات
في معلومات مصادر أميركية موثوقة أن نقاشاً جدياً بدأ يأخذ طابعاً متقدماً حول جدوى الضغوط التي مارستها واشنطن منذ عام 2017 على ا ل ح ز ب وحلفائه ومصادر تمويله وانعكاسها عليه وعلى لبنان ككل. خلاصة النقاش أن الضغوط التي جرت منذ ما قبل العقوبات على بنك «جمّال» والعقوبات والتطويق المالي والاقتصادي، أظهرت حتى الآن أن ا ل ح ز ب تأثر بطبيعة الحال، بكل ما سبق ذكره، لكن الإصابات لم تكن على المستوى الذي كان يتوقعه الأميركيون. لا بل إن القوى السياسية الأخرى واللبنانيين عموماً هم الذين تأثروا وأصيبوا إصابات فادحة ومباشرة في ظل انهيار غير مسبوق على كافة المستويات الحياتية.
وبحسب المعلومات فإن واشنطن تبدي استياء ملحوظاً ويأساً من حلفائها في بيروت، لعدم قيامهم بما يتقاطع مع ما فعلته منذ سنوات طويلة للضغط على ا ل ح ز ب والعهد. لكن حلفاءها ظلوا متقاعسين عن المواجهة الفعلية، على كافة انتماءاتهم ومواقعهم، (ما عدا قلة محدودة جداً منهم)، وكأنهم يريدون أن تقوم واشنطن بمعاركهم بدلاً عنهم. وواشنطن «ليست في وارد أي تدخل من هذا النوع». لذا كان الانتقال إلى مقاربة مختلفة، وهي توجيه رسائل ضغط لتشكيل الحكومة من دون أي شروط. فواشنطن لم تعد معنية بأي بنود تتعلق بتمثيل ا ل ح ز ب وحلفائه، ولا قطعاً بالخلاف حول حصص تمثيل المسيحيين أو الثلث الضامن. ما يعنيها تشكيل الحكومة، ومن ثم إجراء الانتخابات. ولعل النقطة الثانية بالنسبة إليها أصبحت أكثر أهمية، لأن الحكومة المتوقعة هي المعبر لوقف الانهيار، والانتخابات تعني مزيداً من كسب الوقت (لأن مراحل مفاوضات المنطقة طويلة) واحتمال إعادة إنتاج سلطة وحكومة جديدة منبثقة منها تساعد أكثر في عملية الإنقاذ. من هنا سيذهب الضغط نحو القبول بحكومة لا تشبه حكومة الرئيس حسان دياب، وقد لا تمانع بحكومة فيها ثلث معطل لرئيس الجمهورية، ولو لم تباركها علناً.
النقطة الثانية هي أن واشنطن بحسب المعلومات حاولت الضغط على رئيس الجمهورية لدفعه نحو الابتعاد عن ا ل ح ز ب، إلى حد الانقلاب عليه، لكن هذا الأمر لم يحصل، ولأسباب متنوعة بعضها مبدئي وبعضها عملي. علماً أنه كان لافتاً في بعض المراحل وجود توتر في العلاقة بين التيار الوطني الحر كحزب وقيادة و ا ل ح ز ب، حين كثر الحديث عن ترميم العلاقة وتحديث ورقة التفاهم، إلى أن سُحب الموضوع نهائياً من التداول من جانب الطرفين. علماً أن عون لم يذهب في هذا الموضوع إلى الحد الأقصى.
في موازاة ذلك ثمة تأكيدات أن كل هذه الإحاطة لا علاقة لها بأي موقف خليجي ولا سعودي. السعودية وبخلاف واشنطن، لا تزال على موقفها السلبي تماماً تجاه لبنان، ولا يعنيها أي موقف أميركي مستجد يساعد على كسب الوقت من خلال تشكيل حكومة وإجراء الانتخابات. الرياض ستظل معتكفة عن لبنان، وعن أي دور لها في المستقبل القريب.
يبقى أخيراً أن المفارقة تكمن في اختلاف مقاربة ا ل ح ز ب وعون لما جرى في الأشهر الأخيرة. فعون كسر الجرة مع جميع القوى السياسية الحليفة والمعارضة والقوى المسيحية قاطبة، ومن المرجّح أن يستثمر في ما سيجري لاحقاً لمواجهتهم، كما هي عادته. أما ا ل ح ز ب ففعل العكس تماماً، وحاول استيعاب ردود الفعل، ولم ينقلب على أي طرف وأولهم الفريق السني بكل ما يمثله رؤساء الحكومات السابقين مجتمعين أو فرادى، ولا مع القوى السياسية الأخرى، لا بل كان مؤيداً لدخول القوات اللبنانية إلى الحكومة في إطار السعي لحل مشكلة التمثيل الحكومي. لذا سيكون السؤال كيف سيتصرفان اليوم، كل من موقعه، إزاء انعكاسات تشكيل حكومة، بعد ظهور «الرؤية الأميركية» الجديدة للواقع في لبنان.
هيام القصيفي – الاخبار