شهورٌ موجعة حتى نهاية العام
صدى وادي التيم- إقتصاد/
هناك مسرحيةٌ يتمّ إلهاء الرأي العام بها، بهدف تقطيع الوقت، اسمها «تأليف الحكومة». والأنكى هو تسريب الشائعات الممنهجة للإعلام، عن تعقيداتٍ تتعلق بالحصص والأسماء والحقائب، فيما جوهر عقدة التأليف موجود في مكان آخر: لا نيَّة لإنتاج حكومة فاعلة في هذه اللحظة، والمطلوب إبقاء حكومة حسّان دياب حتى يَحترق «كازُها» بالكامل وتُمسَح فيها كل موبقات المرحلة.
بالتسلسل، ولادة الحكومة في لبنان تستلزم الحدّ الأدنى من تسوية يتمّ التوصل إليها داخلياً. وهذا «الحدّ الأدنى» الداخلي يستحيل تحقيقه إلاّ إذا توافر الحدّ الأدنى من التسويات إقليمياً، وجاء الإذنُ به من الخارج.
ولأنّ التسويات المنتظرة إقليمياً تتعثَّر، أو تتأخَّر على الأقل، وتحديداً بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين وإيران، فلا تسوية لبنانية في الأفق، وتالياً لا حكومة. وحتى ذلك الوقت، مطلوب من الساحة اللبنانية أن تعيش الانتظار إلى ما لا نهاية.
والانتظار المطلوب يعني الغرق أكثر فأكثر في الاهتراء. فلا أحد في الخارج ينزعج من الاهتراء ما دام محصوراً داخل الحضن اللبناني. وعلى العكس، يراهن كل من الإيرانيين والأميركيين والإسرائيليين والعرب على استخدامه ورقة ضغط على الخصوم ووسيلة لتحقيق المكاسب.
التصوُّر الشائع هو أنّ الجميع، في الداخل والخارج، يلعبون على حافة الهاوية لكن أحداً منهم لا يريد السقوط فيها. أي أنّهم جميعاً يتجنّبون الانهيار الكامل للدولة اللبنانية، وربما للكيان اللبناني.
وهذا التصوُّر مَرَدُّه تحليلات مبنية على معلومات يتداولها العديد من الأوساط الديبلوماسية، ومفادها أنّ انفراط لبنان سيشكّل ضرراً أو إزعاجاً للعديد من القوى الدولية والإقليمية. فهو يهدّد كيانات الشرق الأوسط بخلق بؤرة تفجير جديدة، كما أنّ الأوروبيين والمجتمع الدولي يخشون وقوع لبنان في وضعية فوضوية تهدِّد مصالحهم الإقليمية وتنذر بانفلاتٍ استثنائي لأزمة اللاجئين.
ولكن، لا شيء يضمن أنّ هذه التحليلات ستبقى صائبة دائماً، ومهما تقلّبت الظروف الإقليمية والدولية. وثمة مَن يتحدث عن خطَر محتمل ربما يتجاهله البعض، قصداً أو بغير قصد، وهو الآتي: قد يتوصل طرف خارجي، أو أكثر، إلى اقتناع بأنّ مصلحته تقتضي إسقاط الدولة اللبنانية بالكامل، أو بأنذ هذا الإسقاط هو الطريقة الوحيدة المتاحة لتجنُّب هزيمة محتَّمة.
في هذه الزاوية، يصبح الإنزلاق اللبناني الحالي نحو الانهيار اللامحدود أمراً خطراً جداً ومغامرة متهوِّرة جداً، تخوضها المنظومة السياسية، بتشجيع ودعم من القوى الخارجية الداعمة لها.
وعلى مدى العامين الفائتين، تدرّج الانهيار في شكل غير محسوب. ففي البداية، كانت المسألة تبدو وكأنّها تتعلق بتراجع سعر صرف الليرة من 1500 للدولار إلى 2000 أو 3000. وعندما طَرح بعض الخبراء احتمال أن يصبح من 5 أصفار (10 آلاف)، جاءت ردود تعتبر الأمر خيالياً. فإذا بالدولار يبلغ سقف 22 ألفاً، وهو مرشح للصعود.
وقبل عامين، كان يُعتقد أنّ ودائع اللبنانيين ستفقد بعضاً من قيمتها، لكنها ستعود إلى أصحابها، وبالعملة التي أودعت فيها. فصارت اليوم في المجهول، ومعها القطاع المصرفي برمَّته ومالية الدولة.
طوني عيسى/ الجمهورية