ماريتا نجت من عضّة وزهراء قتلتها لسعة!

صدى وادي التيم – لبنانيات /

إن لم يمت اللبناني بانفجار أصاب الآلاف، أو برصاصة طائشة أطلقها همجي، أو بحادث مروري لانعدام شروط السلامة المرورية، أو بعمل ثأري، أو نتيجة مضاعفات “الكورونا”، أو بحريق… مات بلسعة عقرب. نحن نعيش في ما يشبه البلد الذي يعوزه كل شيء. بلد لا ترياق فيه ولا… مضادات للسموم.

قبل أيام قليلة رحلت الطفلة زهراء حسن طليس ابنة التسع سنوات، بسبب تقاعس المسؤولين عن ملف الدواء بتأمين حقنة واحدة من الجارة سوريا لإنقاذ حياتها.

كانت زهراء ابنة بلدة بريتال البقاعية تلهو في الباحة الخارجية للمنزل عندما تعرّضت للسعة عقرب سمّم جسمها الضعيف في غضون أربعين ساعة لتغمض عينيها وترحل للأبد.

قاسم طليس، ابن عمّ والد زهراء روى لـ”نداء الوطن” معاناة العائلة مع المستشفيات للحصول على الترياق المفقود. “لم نترك مستشفى ولم نطرق بابه من دون جدوى ولم يبق نائب من نواب المنطقة إلا وتواصلنا معه، لكن الترياق غير متوافر على كامل الاراضي اللبنانية”، وأكد قاسم أنه بعد سلسلة اتصالات بوزارة الصحة، اتصل الوزير حمد حسن بمستشفى دار الأمل بعد ست وثلاثين ساعة وأبلغها بأن الوزارة ستقوم بتأمين الترياق من سوريا، لكن الاتصال جاء متأخّراً لأن السمّ كان قد انتشر في جسم زهراء التي فقدت لونها وانتشر الورم مع ارتفاع حرارتها، وما عادت قادرة على الصمود أكثر ففارقت الحياة قبل وصول الترياق من سوريا بعد اربعين ساعة من تعرّضها للسعة العقرب السامة.

ويضيف: “بعد طول عناء واتصالات حثيثة تمكنّا من تأمين الترياق من وزارة الصحة السورية قبل وزارتنا في لبنان لكننا ايضاً لم نلحق”.

بغصة ممزوجة بالحزن والغضب يقول قاسم: “شو بدي قول لقول.. منشكر إهمالن وإجرامن وفسادن لوين وصّلونا.. البنت راحت وما حدا سائل!”.

زهراء البنت البكر لشقيقها وشقيقتها، كانت شعلة من الذكاء يضرب بها المثل بين رفاقها في مدرسة القائم في بريتال، وخير دليل على تفوّقها الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وهي بعمر الأربع سنوات تعدّد أسماء عواصم العالم وقد حفظتها عن ظهر قلب.

سيناريو التبرير

كالعادة وبدل أن تسارع السلطات المختصة الى التحرك السريع والفوري أمام كل مشكلة أو أزمة تقع، تبدأ بتبرير أفعالها بعد وقوع المحظور.. وهذا بالتحديد السيناريو الذي اعتمدته وزارة الصحة اللبنانية فأصدرت بياناً توضيحياً رفعت فيه المسؤولية عن نفسها مبرّرة إهمالها بالشرح لمن لا يعلم، أن العقارب المنتشرة في لبنان غير مهدّدة للحياة وعادة تتمّ معالجة المصاب بلسعاتها من قبل الأطباء، فيما حالات نادرة قد تحتاج الى ترياق خاص هو غير مدرج منذ عقود على قائمة الادوية التي يستوردها لبنان.

على الأقلّ أقرّت الوزارة بأن الترياق أمّنه أهل الطفلة من سوريا قبل ان تؤمّن وزارة الصحة جرعات اضافية، ولكن لو تحرّكت وزارة صحة اللبنانيين منذ لحظة تبلّغها بالحادثة ألم تكن النتيجة أفضل؟ ألم تكن زهراء حيةً ترزق بين أهلها ورفاقها؟

لَقاح الكَلَبْ

فقدان الادوية واللقاحات في لبنان حدّث ولا حرج لكن هذه المرّة مرّ القطوع على خير والحمدلله مع الطفلة ماريتا بولس ابنة بلدة حصارات – قضاء جبيل، التي تعرّضت لعضّة كلب وضع حياتها على كفّ عفريت.

ماريتا ابنة الخمس سنوات، وفور دخولها إلى الغرفة حيث كان يجلس الكلب وهو من نوع labrador berger mix حتى انقضّ عليها وهشّم وجهها بشراسة، ووجد أصحاب الكلب صعوبة في انتشال رأسها الصغير من بين فكيّه. نقلت ماريتا الى مستشفى المعونات حيث قام الطاقم التمريضي بتنظيف وتعقيم وجهها وتقطيب الجروح التي تركزت في الجزء العلوي (الصنديحة) لتبدأ بعدها رحلة البحث عن اللقاح ضد الكلَب والمفقود، كما جملة أدوية ولقاحات أخرى، من لبنان.

وبحسب ما روى أحد المقربين من العائلة لـ”نداء الوطن” أن الجرعة الاولى كانت ضرورية جداً خلال الساعات الاثنتين والسبعين الأولى، “تواصنا مع وزير الصحة شخصياً فقال إن الوزارة موعودة بوصول دفعة من اللقاح في اليوم عينه، إذا وصلت فإن الوزارة ستقوم بتأمينها للفتاة”، ولكن ماذا لو لم تصل الدفعة الموعودة؟ أساساً اللبنانيون ما عادوا يثقون بوعود أي مسؤول في هذه الدولة، لذلك انكبّ نحو عشرين شخصاً من الأهالي والأقرباء والأصدقاء على إجراء اتصالات مكوكية مع جمعيات غير حكومية ومؤسسات وأفراد، ما أدى الى تأمين حقنة واحدة من أصل ثلاثة، قبل ان يتمّ تأمين الحقن المتبقية لاحقاً من سوريا.

يشار الى ان عملية شراء اللقاح حصلت في السوق السوداء بحيث اشترت العائلة الجرعة الواحدة بعشرة دولارات، فيما كان البعض يطلب ثلاثين دولاراً والبعض الآخر خمسين دولاراً.

من سوريا أيضاً

وبحسب الراوي، ان الجرعة الأولى تأمّنت من رجل يقطن في عكار يملك كمية معينة يستخدمها لزوجته فقام ببيع عائلة ماريتا جرعة منها، قبل أن يتمّ تأمين الجرعتين الأخريين عن طريق شخص من سوريا وليس عن طريق وزارة الصحة او اي جهة مسؤولة.

ماريتا التي خرجت من المستشفى في اليوم التالي لدخولها بعد ان خضعت لعملية تجميل في وجهها، هي اليوم بصحة جيدة إذ تمّ اللحاق بها في الوقت المناسب وبالتالي لا تشوّه في وجهها، إنما هناك احتمال بألا تكون قادرة على تحريك أحد حاجبيها وهي تحتاج عاماً كاملاً للتعافي بالكامل. أما من الناحية النفسية فتبدو ماريتا قوية جداً وجبارة لكن ما من احد يستطيع التكهّن ما إذا كانت تخفي في داخلها مشاعر معينة، قد تؤثّر على صحتها النفسية والمعنوية في وقت لاحق، لذلك فإن عائلتها تعتزم ان تعرضها على طبيب نفسي للتأكّد من أنها فعلاً بخير.

في هذا الوقت وُضع الكلب قيد الرقابة لعشرة ايام ضمن بيئته ومع الأشخاص المعتاد عليهم للتأكد من ظهور أي أعراض لافتة، رغم استبعاد احتمال اصابته بداء الكلب.

لعزل الكلب

أهل ماريتا لا يزالون حتى هذه اللحظة يستغربون ما جرى ويبحثون عن السبب الذي دفع الكلب الى مهاجمة الطفلة بهذه الشراسة؟

يبدأ الطبيب البيطري جوزف أحوش بالتأكيد أن المفهوم السائد بأن “الكلب الذي يعضّ كلبان” خاطئ إنما هناك أسباب أخرى وراء هذا الفعل، موضحاً في اتصال مع “نداء الوطن” أن الكلب الذي يعيش داخل منزل ولا يخرج كثيراً من الصعب ان يصاب بداء الكلب، لأن العدوى تنتقل من خلال العضّ فقط وبالتالي عليه ان يكون معرضاً للاحتكاك بحيوانات أخرى مثل ذئب او جرذ او ضبع، وهذا الاحتمال شبه مستحيل لدى الكلاب الأليفة في المنازل.

وشرح الدكتور أحوش عن أن إذا كان الكلب يعاني من ألم في أحد أعضاء جسمه وتعرّض للّمس فإنه يقوم بعضّه كحركة دفاعية عادية، كما انه في حال كان الكلب محصوراً داخل المنزل او داخل غرفة لا يخرج كثيراً قد يقوم بردّة فعل عنيفة، وهذا الاحتمال قد يكون الأقرب الى الواقع في حالة الطفلة ماريتا التي قد يكون دخولها شكّل مفاجأة بالنسبة الى الكلب، فتصرّف بشراسة دفاعاً عن نفسه أو عن أهل البيت.

ماريتا كانت على علاقة وطيدة مع الكلب الذي يعرفها جيداً.. أليس الكلب صديقاً وفياً؟

هذه المقولة غير واقعية، يجيب دكتور أحوش، مستطرداً ان الكلب لا قدرة له على التفكير والاستيعاب، والحقيقة هي ان للكلب مصلحة مع صاحبه الذي يقدّم له الطعام فهو يحبّ من يؤمّن له قوته ويصبح مطيعاً له لا أكثر ولا أقلّ. عليه يبدو ان العامل النفسي يطغى في هذه الحالة، ولكن بكل الاحوال لا بدّ من عزل الكلب الذي يقدِم على العضّ لمراقبته.

ويلفت د.أحوش الى وجوب التأكد بداية من دفتر لقاحات الكلب وما إذا كان يخضع للقاحات سنوياً، بما يمنع تطوير الفيروس او المرض متى أصيب به كونه اكتسب المناعة المطلوبة لذلك، علماً ان اللقاح يحمي الكلب من أعراض الإصابة بداء الكلَب ولا يمنع إصابته به، وهو يمنع انتقال العدوى من الحيوان الى الانسان، بينما إذا تعرّض الانسان للعضّ فالموضوع مختلف والعدوى تكون تلقائية.

أما بالنسبة الى الشخص الذي تعرّض للعضّ فيشدد الدكتور أحوش على ضرورة ان يتوجّه فوراً الى احد المستشفيات الحكومية في لبنان حيث تتوفّر اللقاحات ضد الكلب Anti – rabies vaccine، وهو سيحتاج ثلاث جرعات، فيما يوضع الكلب قيد العزل تحت رقابة وإشراف طبيب بيطري للتثبّت مما إذا كانت ستظهر عليه أعراض الكلَب، لأن فترة حضانة الفيروس او المرض تقدّر بنحو أسبوعين لدى الحيوان كما الإنسان، مع العلم ان نتيجة الإصابة هي الوفاة الحتمية اذا لم يتوفّر اللقاح في الساعات الأولى من الإصابة.

الأعراض التي تشير الى إصابة الكلب بداء الكلَب في خلال فترة العزل هي التوقف عن الطعام، الاختباء من النور واللجوء الى الظلام، والخوف من المياه ثمّ يبدأ بإصدار أصوات نباح غريب تكون لاإرادية نتيجة حصول تشنّجات في عضلات الرقبة وصولاً الى نفوق الكلب. أما الإنسان فهو لا يصل الى مرحلة العضّ لكن حالته تتطوّر ليصدر بعض الأصوات الغريبة بشكل غير إرادي، لأن الفيروس يضرب الدماغ بما يؤدي الى الوفاة، لكن هذا السيناريو يمكن تفاديه من خلال حقن المصاب باللقاح ضد الكلَب مباشرة فور تعرضه للعضّ.

زينة عبود – نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!