الراعي في قداس عيد مار شربل: لبنان يحتاج الى أعجوبة
صدى وادي التيم – لبنانيات /
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الاحتفالي لمناسبة عيد القديس شربل مخلوف في بقاعكفرا، عاونه فيه النائب البطريركي على الجبة المطران جوزيف نفاع وكهنة رعية بقاعكفرا الخوري ميلاد مخلوف والخوري خليل البطي وعدد من الآباء والكهنة. وحضر القداس النائبان ستريدا جعجع وجوزيف اسحق، محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا والقائمقام ربي الشفشق ورؤساء بلديات المنطقة ومختاروها ورؤساء مراكز “القوات اللبنانية” والجمعيات الرسولية وعدد من المؤمنين.
بعد الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “الزرع الجيد هم ابناء الملكوت”. وقال فيها: “ربنا يسوع المسيح بكلامه وموته وقيامته زرع المؤمنين والمؤمنات به كحبات القمح في الكنيسة والمجتمعات وسهول هذا العالم، لكي يعطوا ثمار خبز لحياة البشر، لكن عدوه الشيطان وأركانه يزرعون بين المؤمنين الشر والتفرقة والنزاعات. أما الرب فيدعونا الى الصبر والصمود والثبات، لأن الكلمة الأخيرة هي للخير لا للشر، للحقيقة لا للكذب، متجردة لا للمصلحة الأنانية الرخيصة، للعدالة لا للظلم، للنقاوة لا للفساد”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معكم بعيد القديس شربل ابن بقاعكفرا العزيزة وعلى أرضها التي قدسها بأريج قداسته والمقدسة بشفعائها السيدة العذراء، مار حوشب، مار سابا والغنية بإرثها الروحي الذي يحافظ عليه أهلها ويتناقلونه من جيل الى جيل بفضل التربية العائلية وخدمة كهنتها الرعوية بتوجيهات أسقفها وسهر الرهبانية المارونية الجميلة على بيت القديس وتأسيسها الدير على اسمه ينعش الحياة الروحية لدى الزوار وخدمة الراهبات اللبنانيات المارونيات الساهرات على مغارة القديس والمنعشات للحياة الروحية في ديرهن. وعلى المستوى المدني أود الاعراب عن تقديري وشكري لما أنجزه رئيس المجلس البلدي والأعضاء من مشاريع إنمائية أهلت البلدة لاستقبال الحجاج من لبنان والعالم ونأمل ان تستقيم الأحوال السياسية والاقتصادية والمالية لكي تتمكن البلديات من القيام بالمشاريع الإنمائية والاجتماعية المنتظرة منها وتلك التي تخطط لها”.
وتابع: “القديس شربل حبة قمح زرعها المسيح الإله ابن الإنسان في حقل بقاعكفرا والكنيسة المارونية والرهبانية اللبنانية المارونية فأعطى مآت النساك والرهبان والكهنوت وكان شربل في كل حال رجل الصلاة والقربان، في قلبه حب مطلق لله دون سواه، مر بصعوبات ومحن وتجارب فصمد وثبت حتى النصر وهذا ما عاناه الرب يسوع في المثل الانجيلي عندما أمر بعدم اقتلاع الزؤان بألا يقلع القمح معه بل بتركهما ينميان معا حتى يوم الحصاد عندئذ يجمع الزؤان ويحرق فيما القمح يحفظ في الأهراء. ويعلمنا ربنا يسوع في هذا المثل بأن الله معنا وليس بغائب بل هو سيد تاريخ البشر ولا احد سواه والكلمة الأخيرة له، لصوت الضمير لا للافراط في السلطة، للشفافية في الادارة والقضاء لا لفبركة الملفات الكاذبة، فكم من ضحايا ظلم واستبداد يتألم معها على صعيد الادارات والسلك الديبلوماسي والقضاء وممارسة الوزارات؟ كم يؤلمنا ان نشاهد ذلك كل يوم وفي كل قطاع والأكثر إيلاما تسييس الطائفة والمذهب في القضاء والادارة والسلك الديبلوماسي، تسييس كل شيء بالظلم وبشريعة القوي الذي يحكم الضعيف وقاعدة الاقوى هو دائما على حق. وأنا أقول لكل ضحايا هذه المظالم تقووا لا تخافوا فهذه المحن هي مدرسة للمعرفة والخبرة والنضج وأنسنة القلب، فالقديس شربل ارتفع عاليا بقداسته وإنسانيته بفضل ما تحمل من إماتات وجهاد وتضحيات حتى اصبح من سمائه رفيق كل انسان متألم وفي المجد السماوي يتلألأ كالشمس في ملكوت الآب (متى 13:43). فهو ابن هذه البيئة التي نضجت على الحياة الصعبة وقاومت الحياة الصعبة مثل الارز العواصف والرياح والصواعق وصمدت مثل الاجداد في وادي القديسين بقوة التجذر في الارض وحرارة الصلاة واستلهام انوار السماء حتى بلغوا بلبنان سنة 1920 الى دولة مميزة عن كل بلدان المنطقة بدستورها وميثاقها الوطني وخبرة العيش معا بالوحدة في التعددية الثقافقة والدينية”.
وقال: “من اجل استعادة هوية لبنان نناضل مع ذوي الولاء المخلص لهذا الوطن ومن اجل حماية رسالته الخاصة في هذا المشرق وفي العالم، نناضل من اجل حياده، فرسالتنا ان نجمع لا ان نفرق، ان نعدل لا ان نغبن، ان نحاور لا ان نقهر، ان نعتدل لا ان نتطرف. رسالتنا ان نرسي قواعد الوحدة الوطنية على اسس التعددية ودون انحياز الى مكون لبناني ضد مكون لبناني آخر الا من اجل الصلح والوئام. رسالتنا ان نكون القدوة في احترام الدستور والاستحقاقات الدستورية ومؤسسات الدولة. رسالتنا ان نتفاهم مع شركائنا في الوطن ونصمد تجاه الغريب، وندافع عن الحرية والكرامة، ونبقى ثابتين من دون عناد، واقوياء دون استقواء. رسالتنا ان نكون دائما جبهة السيادة والاستقلال والعزة الوطنية التي انتهجها او يجب ان ينتهجها من اراد حمل لواء هذا الشعب المناضل والمتجذر في الارض والتاريخ والايمان. يجب أن نبقى شعب الصلاة والتواضع والخير والتضامن. في نفس كل واحد منا شيء من تقشف القديس شربل والاجداد وشيء من تضامن ذوي القضية الوطنية الواحدة وشيء من خير الطبيعة، وشيء من خشوع هذا الوادي المقدس، وشيء من صلابة الارز والقديس شربل. من يتابع تاريخ شعبنا يجد ان قوتنا كانت في التزام هذه القيم لا في أي شيء آخر. قيمنا هي حقوقنا وصلاحياتنا ودورنا”.
وختم الراعي: “اليك يا قديس لبنان نكل وطنك ووطننا لبنان الذي يحتاج الى اعجوبة منك انت قادر عليها”.
الأب مخلوف
وكان القداس استهل بكلمة للاب ايلي مخلوف رحب فيها بالراعي وجعجع واسحق والمشاركين، مشددا على أن “بقاعكفرا امينة دائما للكنيسة ولتاريخها وتسير دائما وراءكم لأنكم الراعي الصالح”.
إيلي مخلوف
بعد القداس، ألقى رئيس اتحاد بلديات قضاء بشري رئيس بلدية بقاعكفرا ايلي مخلوف كلمة رحب فيها بالحضور. وقال: “تبتهج بقاعكفرا وتكتمل فرحتها في عيد القديس شربل بمباركتكم يا صاحب الغبطة للعيد، وقد باتت هذه المباركة تقليدا سنويا، مجددا في قلوب المؤمنين شعلة الرجاء والثقة بأن الراعي الصالح يعرف خرافه معرفة جيدة، ويسهر عليها بالعناية والمحبة والرعاية. وليس وجودكم يا صاحب الغبطة لمباركتنا في هذه المناسبة الغالية سوى ترجمة لمحبتكم الابوية ولسهركم وعنايتكم بهذا الجزء من قطيعكم الصغير. واننا فيما نؤكد ولاءنا لموقعكم الروحي والوطني ومحبتنا لشخصكم الكلي الطوبى، نرحب بأحبائنا المشاركين في هذا الاحتفال. ونحيي حضور سعادة النائبة ستريدا جعجع، حضورا يعكس إيمانها وتعلقها بمار شربل، ويعكس محبتها لبقاعكفرا بشرا وحجرا، تترجمها من خلال دعمها الدائم وسعيها الى تحقيق مبادرات التنمية لهذه البلدة النموذجية، كما لسائر قرى وبلدات منطقة بشري، بروح الخدمة المسؤولة. ونرحب بسائر المسؤولين الروحيين والزمنيين، الذين يشاركوننا، بمحبة أخوية، مناسبة عيد مار شربل، سائلين الله، بشفاعة صاحب العيد، أن يوفقهم الى مزيد من الخدمة الهادفة الى الخير العام”.
أضاف: “صاحب الغبطة والنيافة، يحل عيد مار شربل هذا العام وسط القلق المتزايد لدى غالبية اللبنانيين. ومصدر القلق هو ألازمة السياسية الوطنية، والتدهور الاقتصادي، والضائقة المعيشية، والاهتزاز الاجتماعي، والتفلت االاعلامي، وشلل المؤسسات الرسمية الناظمة لحياتنا اليومية والوطنية، كل هذا يتزامن مع المئوية الاولى للبنان الكبير، وعلى عتبة المئوية الثانية فيما القوى الدولية تعيد رسم خريطة المنطقة. ولكم كان معبرا وصفكم واقعنا اللبناني المأزوم في عظة قداسكم الاحد الفائت في الديمان حين قلتم أن على الاطراف اللبنانيين ان يلبننوا الحل الدولي بتقديم مشاريع حلول بناءة … تنسجم مع الشراكة المسيحية ـ الاسلامية، وجوهر وجود لبنان الكبير … إلا أننا، مع الأسف، لم نلمس أي جهد جدي من المعنيين لتقديم مشاريع الحلول هذه، لا بل نستشعر وجود ارادة داخلية خفية مصممة على ملاقاة المخططات الخارجية التي تستهدف لبنان”.
وتابع: “هذه الحقائق هي موضوع خطابكم الراعوي الوطني المتوالي، الذي تتوجهون به الى كل اللبنانيين، والى المحافل العربية والدولية، متسلحين بايمانكم بالله وبقديسيه، وبتاريخ لبنان المجيد بالبذل والتضحيات، وبشعبكم المؤمن الواقف وراءكم تحقيقا لخلاص لبنان بحياده وضمان استقلاله ووحدة أراضيه. ولا يسعنا، ونحن نتحدث عن خطابكم الجامع، الا ان نتوقف عند حدث يوم التفكير والصلاة من أجل لبنان، الذي دعا اليه قداسة البابا فرنسيس في الاول من تموز في حاضرة الفاتيكان. ولقد توج البابا فرنسيس ذلك النهار المشرق وسط ظلماتنا القائمة بخطابه الذي ختصر مداخلات النهار ومناقشاته، راسما، كما قلتم يا صاحب الغبطة والنيافة، خريطة طريق لخلاص لبنان. ووزع قداسته هذه الخريطة على مختلف محاور وأوجه الوضع اللبناني القائم. فتناول الخدمة الاجتماعية وتعزيز سبل دعم المحتاجين والمعوزين، ودور اللبنانيين القادرين داخل لبنان، وفي بلدان الانتشار في هذا المجال، وتناول الشأن الوطني من خلال اللقاء المتجرد عن المصالح الشخصية والفئوية بين الاطراف اللبنانيين، واستنهض قوى التغيير والتجديد من شرائح الشباب والمرأة، وضرورة تعزيز انخراطهم في الشأن العام، كما حث المجتمع الدولي على الاضطالع بمسؤولياته تجاه لبنان، والحؤول دون انهياره وسقوط تجربته الحضارية ورسالته الانسانية”.
وقال: “مذ بادرتم يا صاحب الغبطة الى ترجمة مضامين كلمة قداسة البابا وضعتم خطا فاصلا بين منعطفين، منعطف خلاص لبنان بتطبيق الخارطة المذكورة، ومنعطف انهياره لا سمح الله. وها هي القوى اللبنانية الحية تجتمع وراءكم على هذه الخريطة، وفي طليعة هذه القوى المخلصة، رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، الذي يؤكد بموقفه هذا التزامه الشخصي والتزام حزبه ثوابت الكنيسة المارونية، التي كانت ولا تزال الخريطة الدائمة لخلاص لبنان، ولضمان مستقبله. فللدكتور جعجع تحية المحبة والتقدير والدعم لموقفه”.
وختم: “في الختام، لا بد من تجديد الترحيب بصاحب الغبطة والنيافة وبسائر ضيوفنا الكرام، مؤكدين محبتنا وولاءنا، ومجددين ثقتنا بتاريخنا العظيم وبقدرتنا على تخطي الصعاب والتحديات بروح الايمان والرجاء، وبشفاعة القديس شربل . وكل عيد وانتم بخير”.
بعد القداس أولم الرئيس مخلوف للراعي والمشاركين، وشددد خلال العشاء على أن “لا خلاص للبنان الا من خلال البطريرك الراعي والدكتور جعجع”.
ليبانون فايلز