الحاكم بأمر الله ودار الحكمة كُبرى مكتبات العالم قاطبةً.

صدى وادي التيم – متفرقات/

الحاكم بأمر الله ودار الحكمة.

كُبرى مكتبات العالم قاطبةً.

المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :

لم يشهد التاريخ أنَّ الحضارات قبل الأديان السماويَّة ( بابل  سومر أكاد الفراعنة ) أخذت من حرق الْكُتُب والمكتبات طريقة تعامل مع الحضارات التي سبقتها، وإن كانت الآراء تغاير طقوسها.

تاريخ أحبار اليهود ورجال الدين المسيحي في اعتماد حرق الْكُتُب والمكتبات إذا كانت تُخالف طقوسهم وتعاليمهم الدينيَّة كثيرة وتحتاج إلى مُدوَّنة خاصة.

أمّا تاريخ العرب بعد الإسلام في حرق الْكُتُب والمكتبات أغفل ذكره بعض حُثالة المؤرِّخين العرب، ويعود الفضل إلى المستشرقين والقليل من المؤرِّخين العرب الشرفاء الذين ألقوا الضوء الحزين والمؤلم على حرق المكتبات كما سيأتي ذكرهم في هذه المدوَّنة.

لمّا إحتَّل عمر بن العاص مصر وقف مشدوهاً ومُحتاراً أمام مكتبة الإسكندرية، لم يُحرِّك ساكناً وهو القائد العسكري القدير والداهيَة الرهيب.

لم يسأل نفسه ما هو فاعل في الكتُّب المرصوصة بتبويب يفوق الوصف من ناحية العلوم وما أكثرها في الطُّب والفلسفة والتاريخ وغيرها، بل أرسل للخليفة عمر بن الخطاب يسأله ويستشيره ويطلب منه الأمر في مصير هذه المكتبة العامرة.

كتب الخليفة عمر بن الخطاب كتاباً إلى عمرو بن العاص يقول فيه :

إذا كانت هذه الْكُتُب لا تحتوى على شيء غير المسطور في القرآن فهي كعدمها، ففي كتاب الله عنه غنى. وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليها، فتقدَّم بإعدامها.

بعد هذا الجواب الكافي والناهي أمر عمرو بن العاص بإستعمال هذه الذخائر والنفائس كوقود في حمامات الإسكندرية.

( يُراجع كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار للمؤرخ تقي الدين أحمد بن علي المقريزي ).

ويقول إبن النديم في كتابه الغدير والفهرس :

ظلَّت حمامات الإسكندرية تستخدم هذه الْكُتُب كوقود لمدة ستة أشهر كاملة.

من هذه الواقعة التاريخية جرى رسم المصير والمسار في كيفية التعامل مع الحضارات الأُخرى.

بعد مكتبة الاسكندرية وحرق كُتبها :

لا تسأل، لماذا قام صلاح الدين الأيوبي ذلك المسلم الكردي من الأمصار والأقطار البعيدة بإتلاف وحرق وتدمير دار الحكمة التي أنشأها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله.

ولا تسأل، لماذا الفقه الإسلامي أمر بحرق كُتُب فلاسفة العرب في الأندلس.

ولا تسأل، لماذا حكمنا طيلة قرون  سوداء  حُثالة القبائل العُثمانيَّة.

ولا تتعجَّب أخيراً عن الذي يجري اليوم في البلاد العربية الإسلاميَّة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر.

تمهيد :

تُعتبر هذه المُدوَّنة الأُولى في بدء نشاطي للبحث عن كنوز تاريخ الموحِّدين الدروز عبر التاريخ، ويعود السبب إلى أنَّ المرحوم والدي زارني بالمنام  في ليلة مِن ليالي العام ٢٠١٤م عندما كانت  دموعي  تُعوِّض فراقه  وتُوُرِّق  ليلي.

وقال لي بالحرف :

( أُكتُب عن مكتبة دار الحكمة ).

قُمْت مذعوراً وخائفاً ومُتسائلاً، لا أعرف شيئاً عن هذه المكتبة.

أمضيت الأشهر المُضنية في قراءة أُمهات الْكُتُب والمجلدات حتى توصلت إلى خواتيم هذه المُدوَّنة، وكانت الأولى التي نشرتها على غوغل الوثائقية، تلبيةً وأمراً من عزيز غالٍ.

قرأ المُدوَّنة بعد أيام قليلة حسب إحصاءات غوغل ما يفوق الأربعة والعشرين الف قارئ. وبعدها كرَّت سبحة المُدوَّنات.

يرحمك الله يا والدي وهنيئاً لك الإقامة حيث أنت.

وأُخبرك أنَّ عدد مُدوَّناتي بلغ  الآن ١٠٢٣ مُدوَّنة.

وعدد قُرائي وصل إلى أكثر مِن مليون ومائة واربعون ألف شخص، ونشرت ثلاثة كُتب أهمُّها دُرَّة كُتبي :

الموحِّدون الدروز عبر التاريخ.

في المُدوَّنة :

أرى لِزاماً أن أقوم بتعريف الموحِّدين الدروز والعالم العربي عن دار الحكمة التي أقام صرحها وبنى أعمدتها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله.

هذه الْمُدوَّنة لا تتناول الناحية الفقهية أو الدينية للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، لأني لست ضليعاً في هذا المضمار، ولا أُبدي رأياً  كما حفلت به آراء كُتبَت على يد الافاقين والمزوِّرين والمؤرِّخين العرب المأجورين الذين ألصقوا زوراً وبهتاناً صفاتاً وأخباراً وأكاذيباً في حق هذه الشخصيَّة التاريخيَّة المميَّزة.

يكفي هذا الخليفة مجداً أنه أنشأ مكتبةً  اعتبرها البعض إعجازاً ومعجزةً.

هذه المُدوَّنة تُلقي الضوء على أكبر مكتبة في التاريخ العربي الإسلامي والمسيحي القديم والحديث، أمر بإنشائها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله.

هذه الْمُدوَّنة تبحث في خصائص مكتبة فاقت بعظمتها بيت الحكمة في بغداد في ظل خلافة هارون الرشيد العباسي  من حيث الكُتُّب والمجلدات والعلوم والفلسفة التي احتوتها.

عظمَة دار الحكمة في القاهرة.

أسّس الحاكم بأمر الله دار الحكمة بالقاهرة عام ٣٩٥ هجرية، أو ١٠٠٥ ميلادية لتنافس أكبر مكتبات العالم فى بغداد وقرطبة الأندلسيَّة.

في كتاب حدث إسلامي جاء فيه أن دار الحكمة الفاطميَّة كانت تشتمل على كُتُّب لم يكن لها مثيل.

كانت دار الحكمة في عرين الحاكم بأمر الله القاهرة عاصمة خلافته، بمثابة  أكاديمية  ثقافية، علمية، فلكية، طبية، وفلسفية يُديرها موظفون يُصنِّفون الْكُتُب والوثائق والأبحاث والمخطوطات ونسَّاخون، ينسخون الْكُتُب ويصدِّرونها إلى كل بقاع العالم العربي والإسلامي، وآخرون قائمون على ترجمة الْكُتُب القيمة من لغات عديدة أجنبية إلى اللغة العربية والعكس.

دار الحكمة الفاطميَّة كانت مكتبه ضخمة بسبب عظمتها.

وقد أُطلق في العصر الحديث مُسمَّى  دار الكُتُّب  على كُبرى مكتبات الدول، وأصبح رؤساء الولايات المتحدة يُخلدون ذِكْراهم عن طريق إنشاء مكتبة ضخمة تحمل اسمهم.

يقول المؤرخ إبن أبى طي عن دار الحكمة الفاطمية بإنها من عجائب الدنيا، كانت تحتوي على :

( ١٢٠٠ ) الف ومائتين نسخة من كتاب تاريخ الطبَري.

( ١٦٠٠٠٠٠ ) مليون وستمائة  ألفاً من كتب فروع العلم  والأدب والطب والفقه والنحو والتفسير وغيرها.

(٦٥٠٠ ) ستة آلاف وخمسمائة مخطوطة في الرياضيات.

(١٨٠٠٠ ) ثمانية عشر ألف مخطوطة في الفلسفة.

يقول المؤرخ الرشيد بن الزبير فى كتابه الذخائر والتحف،

إنَّ دار الحكمة الفاطمية كان فيها أربعون خزنة مُحكمَة الإقفال تحتوي كل واحدة على  ١٨٠٠٠ ثمانية عشر ألفاً من كُتُب العلوم القديمة.

كانت تتضمن ٢٤٠٠ من الْكُتُب المعروفة ب ختمَة القرآن.  كان الدخول إلى دار الحكمة للقراءة والترجمة والاستنساخ مجاناً.

يقول المؤرخ  الكبير أحمد بن علي المقريزي، إنَّ  دار الحكمة في القاهرة لم تفتح أبوابها لطالبي العلم إلَّا بعد أن فُرشَت وزُينَت وزُخرفَت وعُلقَت على جميع أبوابها وممراتها الستائر.

جرى توظيف أشخاص مُلمين بالخزائن الأربعين التي تتسِع الواحدة منها، نحو ثمانية عشر ألف كتاب.

كانت الرفوف مفتوحة والكُتُب في متناول الجميع ويستطيع الراغب أن يحصل على الكتاب الذي يريده بنفسه، وإذا ضلَّ الطريق استعان بأحد الموظفين.

بعد أن اندثرت بيت الحكمة في بغداد على يد المغول، ظلَّت دار الحكمة بالقاهرة  مركزا ثقافياً ومنارةً  لنشر العلم والمعرفة حتى نهاية الخلافة الفاطميه على يد صلاح الدين الأيوبي  سنة ١١٧١م.

لم يسجَّل التاريخ العربي الإسلامي الحقارة العلميَّة التي قام بها صلاح الدين الأيوبي، ذلك المُسلم الكردي القادم من أطراف العالم العربي ( مسلموا الأقطار والأمصار البعيدة ) مثله مثل المغول كان حلمه الرغبة في التسلط على العرب وطمس علومهم وتخريب وحرق كتبهم.

وعلى جري العادة الوضيعة في عالمنا العربي الإسلامي في عدم سماع الرأي الاخر ومناقشته ومقارعته، قام صلاح الدين الأيوبي بالقضاء على مكتبة دار الحكمة الفاطمية، وتدميرها وتخريبها، بسبب إختلاف في العقيدة في الدين الواحد، وهذا مرض مُزمن يطال عتبَة عصرنا الحالي، ويهِزُّ كيان العرب والعروبة ويلعنهم في الحروب والمذلات التاريخية إلى يوم قيام الساعة.

أبقى صلاح الدين الأيوبي على دار الحكمة كمكتبة عادية  بعد أن قضى على دورها في نشر العلم والمعرفة وشتى العلوم الاخرى، بحجة القضاء على المذهب الجديد.

أمَّا الحقارة التاريخية الأُخرى في تخريب دار الحكمة الفاطمية، كانت على يد أساطين السرقة والدناءة في العالم القديم والحديث الأتراك العثمانيين الذين غزوا مصر في سنة ١٥١٧م. حيث سرقوا كل كُتُّب دار الحكمة ونقلوها إلى تركيا مع المنهوبات من مصر.

تعرَّضت دار الحكمة فِي القاهرة إلى التخريب، بعد أن شب فيها حريق هائل أتى على الكثير من الْكُتُب  وتعرضت أثناء ذلك إلى النهب والسلب.

الخاتمة :

 يقول الدكتور محمود إسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة عين شمس :

إنَّ صلاح الدين الأيوبي أحرق أعظم مكتبة أنشأها الحاكم بأمر الله وهي دار الحكمة التي كانت تضم الكثير من المخطوطات الدالَّة على فترة هذه الخلافة، وكان من شأن هذه المخطوطات أن تعرِّفنا أكثر بعصرهم.

شخصياً أُضيف إنَّ المؤرِّخ العربي سيبقى وضيعاً طالما لم يكتب الحقيقة ولهذا السبب سيبقى عرب الأجيال القادمة، أسرى الاكاذيب التاريخيَّة.

اندثرت دار الحكمة الفاطميَّة في القاهرة على يد مسلمي الأطراف والأقطار البعيدة.

ودائماً وأبداً كان مسلموا الأطراف يُدمِّرون ويسرقون ذاكرة العربي الأصيل.

دار الحكمة الفاطميَّة حرقها مسلموا الأطراف والأقطار البعيدة، ( صلاح الدين الأيوبي الكردي ).

دار الحكمة الفاطميَّة سرقها بني عثمان من مسلمي الأطراف والأقطار البعيدة.

وما زلنا عرب اليوم، نُلاقي المذلَّة تلو المذلَّة من مسلمي الأطراف والأقطار البعيدة.

والشاهد على ما أقول.

تذكَّروا  سوريا والعراق واليمن ولبنان وكل دولة عربية فيها حروب.

فيصل المصري

أُورلاندو / فلوريدا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى