تحويلات المغتربين: زادت أو تراجعت؟ وهل ستكفي بعد رفع الدعم؟
صدى وادي التيم – إقتصاد /
تعدّ تحويلات المغتربين اللبنانيين واحدة من أبرز العوامل التي ساهمت في منع الانفجار الاجتماعي حتى اللحظة، من خلال منحها شبكة أمان لعشرات آلاف الأسر ومساعدتهم على الحفاظ على الحد الأدنى من قدرتهم الشرائية ومواجهة تضخم الأسعار والفقر والبطالة. إلا أن بعض المؤشرات المقلقة بدأت تظهر في الأشهر القليلة الماضية وخاصة لناحية قيمة بعض التحويلات التي لامست أرقاماً متدنية لم يسبق أن سجلت من قبل، وهو ما قد ينعكس سلباً على العائلات المستفيدة مع اقتراب رفع الدعم ومخاطر انهيار سعر صرف الليرة الذي قد يرافقه
واحدة من السمات الأساسية للاقتصاد اللبناني بعد الحرب الأهلية، تتمثل بقدرته على توليد الهجرة بشكل كثيف وإنتاج مغتربين جدد بأعداد هائلة لتصديرهم إلى الخارج طمعاً بتحويلاتهم التي تسمح باستدامة المنظومة القائمة وتمويل الاستهلاك الداخلي بالرفاهية التي اعتاد عليها جزء كبير من سكان لبنان في العقود الماضية. إلا أن عوامل عدة محلية وإقليمية ودولية أبرزها فقدان ثقة المغتربين بعد أن تبخرت ودائعهم وجنى عمرهم، وكذلك فيروس كورونا وآثاره المدمرة اقتصادياً وانعكاساته على أعمالهم في الخارج، إضافة إلى تراجع قيمة اللبناني في سوق العمل الخارجي بحكم الانهيار الاقتصادي وبالتالي ضعف قدرته التفاوضية مع أرباب العمل، جميعها عوامل بدأت تلقي بظلها على تحويلات المغتربين وحكماً على أسرهم في لبنان.
تفاوتت قيمة تحويلات المغتربين سنوياً منذ عام 2008، لكنها لم تنخفض عن 6.7 مليار دولار (الرقم الأدنى المسجل عام 2012) ولم ترتفع أكثر من 7.6 مليار دولار (الرقم الأعلى المسجل عام 2016). وبلغت قيمة التحويلات الإجمالية العام الماضي بحسب البنك الدولي، نحو 6.9 مليار دولار أي بما يمثل 36.3% من الناتج المحلي وهي النسبة الأعلى في المنطقة.
نسبة كبيرة من تحويلات المغتربين تمر عبر شركة OMT بمعدل «120 مليون دولار شهرياً» بحسب رئيس مجلس إدارة الشركة توفيق معوض، وهو ما يسمح بتكوين صورة عامة عن وضع الاغتراب وكيفية تعامله مع الانهيار الاقتصادي الحاصل في لبنان. ويشير معوض إلى أن «الاغتراب يثبت دوماً رغم كل التضحيات أنه شريان حياة حيوي للبنانيين المقيمين. فأكثر من 150 ألف عائلة لبنانية تستفيد من تحويلات المغتربين عبر الشركة، وهو رقم ارتفع بنسبة 10% عن عام 2020. أي أن نحو 15 ألف عائلة جديدة بدأت تستفيد من مساعدات أقارب لها في الاغتراب». يمكن تفسير هذه الزيادة بأن العائلات الإضافية ربما تنتمي بأغلبيتها الكاسحة إلى الطبقة المتوسطة التي تدهورت مداخيلها وتأثر نمط حياتها بشكل جذري ما حتم عليها طلب معونة لم تكن بحاجة لها سابقاً.
تكشف إحصاءات الشركة أن «التحويلات المرسلة من الخارج زادت بنسبة 65% في الربع الأول من العام الجاري بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2020». لكن الزيادة الكبيرة في عدد التحويلات لم تترافق مع زيادة في قيمتها الفردية، «حيث انخفض متوسط قيمة التحويلات المرسَلة من الخارج في الربع الأول من العام الجاري إلى 520 دولاراً مقابل 600 دولار عام 2020».
اللافت في هذا السياق بحسب معوض أن «50% من التحويلات عبر OMT تقلّ قيمتها عن 300 دولار أميركي، فيما 4% من التحويلات تقل قيمتها عن 50 دولاراً أميركياً. وتعدّ هذه الأرقام ظاهرة جديدة بدأنا نلمسها منذ آخر شهرين من عام 2020».
يفسر الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم سبب التراجع في قيمة التحويلات إلى «تراجع رواتب المغتربين والمخصصات التي كانوا يتقاضونها. فالكثيرون ممن مضى على هجرتهم سنوات طويلة يعملون في قطاعات تضررت بشدة بسبب وباء كورونا وخاصة قطاع الخدمات، ما أدى إلى إفلاس الكثير من الشركات أو دفعها إلى الاستغناء عن موظفين أو تقليص رواتبهم. أما من هاجروا مؤخراً فقسم كبير منهم يرضون بعقود عمل غير عادلة ومجحفة فقط لحاجتهم للصمود. مفهوم الهجرة تغيّر من السعي لتأسيس حياة ومستقبل أفضل إلى مجرد البقاء على قيد الحياة».
الخطير في هذا الإطار هو أن التحويلات المتدنّية القيمة والتي لا تزال تشكل فرقاً لمتلقيها مع استمرار الدعم وتسعير الكثير من الخدمات الأساسية على أساس «سعر الصرف الرسمي»، قد تفقد قيمتها أو لن تعود تشكل فارقاً يُذكر في حال رفع الدعم وحصول أي قفزات جنونية في الأسعار. ويعتبر الحكيّم أن «الحسابات في هذا المجال دقيقة جداً وتختلف من عائلة إلى أخرى وفق استهلاك ومصاريف كل منها. كذلك يجب الأخذ في الاعتبار حجم وقيمة التحويلات التي تصل عبر المصارف أو باقي شركات تحويل الأموال لتكوين صورة دقيقة. إلا أن الأكيد هو أن الأمر مرتبط بمدى ارتفاع أسعار السلع والخدمات مقارنة بسعر صرف الدولار. ففي حال بقي سعر صرف الدولار أعلى يمكن أن «توفّي» معهم ولكن ليس كما السابق».
50% من التحويلات عبر OMT تقل قيمتها عن 300 دولار أميركي، فيما 4% تقل عن 50 دولاراً
تصل التحويلات عبر الشركة «من 156 دولة على رأسها أستراليا والولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج». ووفقاً لمعوض فإن «الأموال الآتية من أستراليا هي الأكبر من حيث القيمة تليها تلك المحوّلة من الولايات المتحدة ومن ثم من دول الخليج. وأغلبية هذه التحويلات لا تتخطى قيمة الواحدة منها الـ2000 دولار أميركي».
البارز أن التحويلات التي تصل من أغلب دول العالم عبر الشركة تتوزع بشكل متفاوت إلى حد كبير بين الأقضية اللبنانية حيث إن «81% من التحاويل تتوزع على 12 من أصل 26 قضاء (أي ما يمثل 76% من اللبنانيين): بيروت، بعبدا، طرابلس، المتن، صيدا، عاليه، صور، المنية-الضنية، الشوف، زحلة، كسروان وعكار». بمعنى آخر فإن 14 قضاء لا ينعمون بخيرات المغتربين كما الأقضية الـ 12 المذكورة أعلاه، أقله عبر شركة OMT.
وفي مؤشر لافت أيضاً، يؤكد معوض أن «التحويلات بالدولار داخل لبنان ارتفعت من 5% العام الماضي إلى 8% خلال العام الجاري، وهو أمر نفسّره بأن جزءاً من الأموال التي تصل من الخارج يعاد توزيعها على الأقارب في داخل لبنان عبر مراكزنا».
الاخبار – رضا صوايا