العزلة تكتمل فصولاً… استعدوا للارتطام!
صدى وادي التيم – لبنانيات/
لا يبرّر اقحام القرار السعودي بحظر تصدير الانتاج الزراعي اللبناني اليها وعبرها في الصراع السياسي، حجم الاهمال والتقصير اللذين تعاملت بهما الدولة اللبنانية مع القرار، عاكسة بأدائها ورد فعلها مستوى الانحطاط الخطير الذي بلغته المؤسسات والأجهزة الرسمية تجاه تحصين السيادة اللبنانية وسلطة الدولة على حدودها ومرافقها ومرافئها.
ليست المرة الاولى التي يُستعمل فيها معبر لتجار المخدرات وتبييض الاموال، ولكنها المرة الاولى ربما التي تأتي فيها ردة فعل الدولة المستهدفة أراضيها وسلامة مواطنيها على مستوى اتخاذ اجراءات موجعة ليس للمسؤولين عن عملية التهريب، وانما على مستوى الاقتصاد اللبناني والإنتاج الوطني المهدد بالتلف وخسارة أسواق التصريف، في ظل ازمة اقتصادية ومالية خانقة، كانت عائدات التصدير المحصلة بالنقد الأجنبي تشكل متنفساً ولو ضئيلاً لها.
القرار السعودي الذي تبنته دول خليجية اخرى، وتتجه الى اتخاذ اجراءات مماثلة له، قوبل بتعاطٍ رسمي دون مستوى الازمة المستجدة. علماً ان القرار شكل تحذيراً اولياً تناول حظر الانتاج الزراعي من الخضر والفاكهة، لكنه حمل في الوقت عينه تهديداً اكبر يصل الى حد حظر كل التصدير اللبناني، سيما وان عمليات التهريب اتخذت أشكالاً مختلفة في السابق، كالتهريب ضمن آلات صناعية أو غيرها. وهذا يعرض ما لا يقل عن ٣٠٠ مليون دولار هو حجم التصدير سنوياً الى المملكة، بمعزل عن الأخطار المترتبة عن توقف كل التصدير الى دول الخليج، في ما لو لجأت هذه الدول فعلاً الى قرار مماثل للقرار السعودي.
الخفة التي تم التعامل بها مع الازمة المستجدة في الاجتماع الذي عقد في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية وحضور قادة الاجهزة الأمنية والقرارات الصادرة عنه جاءت لتؤكد ان التعامل الرسمي اللبناني مع الطلب السعودي يدور في الفلك السياسي، ولم يرسل بالتالي إشارات مطمئنة الى السلطات السعودية حيال الجدية اللبنانية في التعاطي مع المسألة. فالبيان الصادر عقب الاجتماع لم يكن شديد اللهجة لجهة الاجراءات المتخذة للتدقيق والتحقيق في الشحنة المهربة وكيفية دخولها الى لبنان وخروجها منه، او لجهة فتح ملف التهريب على كل مستوياته، للمخدرات او للسلع المدعومة، او لجهة تشكيل لجنة طوارىء وتواصل مع الدول التي ابدت خشيتها من عمليات مماثلة واحتمال لجوئها الى قرار على غرار القرار السعودي، علماً ان التهريب لم يتوقف على المملكة السعودية بل تم القبض على شحنة اخرى في اليونان. اما مواقف رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال فلم تكن افضل. اذ استفسر رئيس الجمهورية عن أسباب تأخر شراء اجهزة “سكانر” رغم القرار الصادر في تموز ٢٠٢٠ اي منذ تسعة اشهر. اي ان عمليات التهريب تجري في شكل طبيعي منذ تسعة اشهر من دون اي مراقبة، او معرفة سبب عدم وجود الاَلات المشار اليها، او حتى محاسبة من يقف وراء عدم شرائها. ولم لا طالما أطنان النيترات بقيت اعواماً في المرفأ ولم يتم اكتشافها الا عند انفجارها! وربما من المفيد ابلاغ رئيس الجمهورية ان ثمة الكثير مما بات مفقودًا او لم يتم تأمينه بدءاً من حليب الأطفال وصولاً الى السكانر!
اما رئيس الحكومة، فقد ارتأى ان يكشف ان المتورطين لبنانيين وسعوديين، داعياً الى التعاون مع المملكة من اجل محاربة الشبكات بفروعها اللبنانية والسعودية، مغفلاً ان الجانب السعودي قبض على اعضاء الشبكة من جهته، في حين ان السلطات اللبنانية لا تزال في مرحلة التحقيقات!
اما اذا كان قرار اجتماع بعبدا “الطلب الى مدعي عام التمييز متابعة واستكمال التحقيق وإنزال أشد العقوبات بالفاعلين”، على غرار القرار الصادر في شأن التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت والذي أعطى مهلة خمسة ايام لاصدار النتائج، فإن هذا يدلل على ان مصير هذا الملف لن يكون مختلفاً عن مصير ملف الانفجار، علماً ان المقارنة بين الملفين لا تجوز نظراً الى البعد الكارثي لجريمة المرفأ.
في الخلاصة، يلمس اللبنانيون اشتداد الخناق على بلادهم وعلى اقتصاده والذي ينسحب ايضاً عليهم في شكل مباشر، حيث ملامح التضييق والتطويق والعزلة تكتمل فصولها يوماً بعد يوم. ولم يعد خافياً ان استحقاق توقف الدعم بات على مسافة أسابيع قليلة جداً، الامر الذي يسرع الخطى التي يسيرها اللبنانيون بثبات نحو الارتطام الكبير.
ومع استمرار تعطل تأليف حكومة قادرة على لجم الانحدار، وغياب اي مؤشرات جدية او عملية للسير بالحكومة، يصبح الارتطام مسألة وقت لا اكثر!
المصدر : النهار