كيف تتجنّب أفخاخ الدولار… متى تشتري ومتى تبيع؟
صدى وادي التيم – إقتصاد/
لا يؤثر انهيار سعر صرف الليرة على القدرات الشرائية للبنانيين فحسب، بل انّ ما يجري من تقلبات حادة في سوق الصرف، يُقلق البعض ويغري البعض الآخر، الأمر الذي يتسبّب أحيانا بكوارث اضافية يتحمّلها المواطن غير الخبير في التعاطي في الاسواق المالية. وهناك قواعد لا بدّ من اتباعها لمن يرغب في تحاشي الوقوع في المصائب.
بين المضاربة والمنصات والإشاعات يضيع المواطن ويستفيد المضاربون. لقد بُنِيَت الأسواق المالية وللأسف على اسس يستفيد فيها العارفون من عدم دراية من لم يتمرّس بالمهنة المصنفة أصعب عالمياً. إليك كيف تتجنب أفخاخ المضاربين، متى تشتري ومتى تبيع؟
أولاً: تجنّب بيع أو شراء الدولار في المساء أو خلال عطلة نهاية الأسبوع والعُطَلْ الرسمية. فأسعار السوق السوداء في تلك الفترات تفتقد الى المرجعية ويكثر فيها صيادو الفرص. لاحظ أن الارتفاعات الأخيرة من 10000 الى 15000 ليرة كانت قد بدأت خلال عطلة نهاية الأسبوع في 7،6،5 آذار و 14،13،12 آذار. هذا المبدأ نجده حتى في أسعار البتكوين عالمياً حيث تكثر تقلباته صعوداً أو هبوطاً خلال نهاية الأسبوع، أي خلال إقفال القطاع المالي الرسمي.
ثانياً: أذا كان هدفك المحافظة على مدخراتك النقدية بالدولار، لا تدخل في لعبة المضاربة بائعاً على أمل الشراء على سعر أدنى لاحقاً. للمضاربة أربابها وانت حتماً ستخسر في نهاية المطاف إن حاولت مواجهة المضاربين في مضمارهم. أنت في سوق منحاه تصاعدي لا يختلف عليه اثنان فلا تعاكسه تحت أي ظرف كان (The trend is your friend until it ends).
ثالثاً: لا تتصرّف بناءً على الأخبار التي تسمعها، فسعر السوق أخذ حتماً المستجدات والتوقعات بالاعتبار قبل أن يصلك الخبر، حيث يقول برنار باروش «أرني الأسواق، وأنا أُخبرك بالأحداث».
رابعاً: لا تتكل على رأي الصراف لمعرفة اتجاه السوق، فهو سيوجِّهُك بحسب مصلحته، لا مصلحتك أنت.
خامساً: عندما تسأل الصراف عن سعر الدولار، اسأله في نفس الوقت عن سعر الشراء وسعر البيع قبل أن تكشف له عن ما إذا كنت ستشتري أو تبيع. لاحظ أنك عندما تسأله عن سعر الدولار سيجيبك بسؤال «بدك تشتري أو بدك تبيع؟».
سادساً: اذا أصررت على المضاربة والمضي بعكس المنحى الرئيسي (وهذا ما لا أنصحك به قطعياً) فقم ببيع الدولار
عندما يرتفع منسوب التشاؤم في البلد والشراء عند التفاؤل المفرط وليس العكس. هذا ما يقوم به المضاربون
ليستفيدوا من حالات الهلع أو الآمال غير الواقعية لديك. بذلك تتجنب ما يُعرَفْ بسلوك القطيع (Herd
behavior) وهو مصطلح يطلق على سلوك الأشخاص عندما يقومون بالبيع والشراء المحموم كمجموعة.
سابعاً: لا تكن آخر من يشتري وآخر من يبيع. القليل من التروي مفيد، انما التردّد في أخذ القرار في أسواق المال يجعل منك «رايح على الحج والناس راجعة».
ثامناً: عند التردّد في حالتي الشراء أو البيع إلجأ الى تجزئة الكمية عبر تقنية الهرم. على سبيل المثال، في اليوم الأول
يمكنك أن تشتري (أو تبيع) 50 % من مجمل الكمية التي تتعامل بها، اليوم الثاني 30 %، اليوم الثالث 20 %. لأنه
حتى أهم الخبراء في الأسواق المالية لا يمكنهم معرفة التوقيت المثالي للشراء أو للبيع.
تاسعاً: الارتفاعات الكبيرة والسريعة (Too High too Soon) تليها دائما حركات ارتدادية قوية وفترات هضم
للارتفاعات كما حدث سابقأً. تذكّر أن الدولار ارتفع بين تشرين الأول 2019 وحزيران 2020 من 1500 ليرة الى
ما يقارب 10000 ليرة، أي 566 % في غضون تسعة أشهر فقط. هذا الارتفاع غير المسبوق تمّ خلال فترة وجيزة
لم يشهدها الدولار حتى خلال سنين الحرب (للتذكير، خلال العام 1987 ارتفع الدولار بنسبة 423 %). رأينا
الدولار يرتدّ بعدها بقوة الى سعر 5800 ليرة قبل أن يعاود الارتفاع. وتكرّر ذلك مؤخراً بعد أن كسرنا صعوداً
مستوى الـ 10000 ليرة وهو حاجز نفسي، فتسارعت الأمور بشكل كبير ووصل الدولار الى 15000 ليرة خلال
أيام معدودة. راح اللبنانيون يومها يتبارون بالمزايدة بعضهم على بعض، هذا يقول «بدو يوصل الى 20000 ليرة»
والثاني يلعب دور العارف قائلاً «مش أقل من 50000 ليرة قبل آخر السنة». وأصبح الجو العام في مزاد شعبي
وكأنك في سوق الأحد. فجأة ارتد الدولار في يوم واحد الى ما دون 11000 ليرة. كن مستعداً لتلك الارتدادات ولا
تنجرف في جو المزايدات. واعلم أن الارتفاعات القوية تليها دائما ارتدادات يستفيد منها المضاربون وتخسر أنت أموالك.
عاشراً: يقوم المضاربون بعمليات «نحت السعر» (Sculpting) بين السعر الأعلى الذي وصل اليه الدولار
والمستوى الأدنى للإرتدادة القوية. مثالنا على ذلك، المراوحة التي شهدناها بعد الإرتدادة من 10000 الى 5800
ليرة وذلك ضمن الهوامش التالية: 5800 الى 7500 ليرة، من ثم بين 7500 و8500 ليرة وأخيراً بين 8500 و
10000 ليرة. هذه المراوحة تتزامن عادة مع مستجدات إيجابية واخرى سلبية تسمح للمضاربين بالاستفادة الى أقصى
حدود من التذبذبات ضمن كافة الهوامش، حتى إذا ما تعود اللبنانيون على هامش معين يصبح الدولار مهيئاً للانتقال
الى هامش أعلى. لن أتفاجأ إذا ما راوح سعر الدولار ضمن الهوامش الحالية لفترة أشهر، ستتخللها أخبارٌ إيجابية،
فنسمع البعض يتوقع العودة الى سعر 5000 ليرة وأخبار سلبية فنسمع البعض الآخر يتوقع تخطّي حاجز 15000
ليرة الى 50000 ليرة. لذلك تجنّب الشائعات التي تجعلك تبيع عند أسفل الهامش وتشتري عند أعلاه في هذه المرحلة.
أخيراً، ان موجة الارتفاعات التي بدأت في العام 2019 ليست الأولى. حاول أن تراجع حركة الدولار بين عامي
1982 و1992 حيث ارتفع 735 ضعفاً في عشر سنوات تخللها العديد من الارتدادات، إذ يصح في الأسواق المالية
قول الكاتب الأميركي الساخر مارك تواين «ان التاريخ وإن لم يُعِد نفسه، لكنه غالباً ما يتناغم مع ماضيه».