هل تفجّر أميركا المنطقة ثأراً لهزيمتها؟ 

هل تفجّر أميركا المنطقة ثأراً لهزيمتها؟

…العميد د. أمين محمد حطيط

في البدء لن نناقش كثيراً في موضوع الزعم الأميركي والغربي الأطلسي باتهام سورية وروسيا وإيران فرادى أو جماعة بأنهم استعملوا السلاح الكيماوي في دوما. لا نناقش هذا الأمر لأنه لا يستحق المناقشة. فطبيعته المبنية على عظيم الكذب والتلفيق والتزوير والاختلاق تجعل من الاتهام موضوعاً لا قيمة له ولا صدقية تتيح العمل بقواعد المنطق أو منظومة الأدلة الثبوتية والقرائن. وإنّ جلّ ما في الأمر ان اميركا التي شعرت ومعها مَن تبقى من معسكر العدوان على سورية، شعروا بهول الهزيمة الاستراتيجية التي حلّت بهم إثر تطهير الغوطة الشرقية من الإرهاب واستعادة المنطقة الى كنف الدولة، لما شعروا بذلك فكّروا بعمل عسكري أو سلوك ما ضدّ الدولة السورية، فكانت أكذوبة الكيماوي ذريعة ابتدعوها من أجل تبرير هذا العمل. مرصد طه الأخباري

لقد اتجه معسكر العدوان الى تلفيق أكذوبة الكيماوي من أجل تحقيق أهداف محدّدة يستطيع الباحث أن يتبيّنها من غير عناء تأتي في طليعتها رغبة عدوانية في حجب الانتصار الاستراتيجي الكبير الذي سجّلته سورية ومعسكرها الدفاعي في الغوطة، ومنعهم من استثماره في الميدان أو السياسة. وثانيها رغبتهم في القيام بعمل عسكري استباقي يمنع تحرك سورية إلى جبهة الجنوب او الشمال خاصة إن «إسرائيل» تعرف جيداً أن فتح جبهة الجنوب سيكون المسمار الأخير في نعش أحلامها في سورية، ولذلك نجدها مع أصحاب الاحتلالات الأخرى الأميركي والتركي يجهدون لوقف العمليات العسكرية السورية عند هذا الحدّ ومنع سورية من تحقيق إنجازات عسكرية جديدة وإلزامها بالاتجاه الى تسوية سياسية تحفظ لمعسكر العدوان نصيباً وزاناً في سورية الغد.

وفضلاً عن ذلك فإن للصراع في الداخل الأميركي حصة في أسباب هذا التجييش والتهويل بمخاطر الوضع والتأكيد على الحاجة لعمل عسكري لإنقاذ الصورة والمصالح الأميركية. وهو الصراع القائم بين ترامب وطبيعته التجارية الأسيرة لمنطق الربح المادي وبين الدولة الأميركية العميقة وبنيتها الاستراتيجية القائمة على منطق السيطرة والنفوذ والإمساك بقرار العالم بصرف النظر عن التكلفة والفجات. ونذكر هنا بردة فعل هذه الجهة على قرار ترامب بالانسحاب السريع جداً من سورية، ورفضها كلياً مثل هذا القرار، ولذلك نرجّح أن الدولة العميقة هي مَن يقف خلف كل المسرحية تأليفاً وإخراجاً لثني ترامب عن قراره وإظهار الانسحاب المطروح منه هزيمة أمام روسيا وإيران، ما يجبره على التراجع عنه.

لقد تجمّعت هذه الأسباب الخارجية والداخلية وحملت اميركا على إطلاق أكذوبة استعمال الكيماوي أولا ثم التحضير النشط لعمل عسكري واسع وصفه بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد، بأنه عمل ينبغي أن يكون من طبيعة بالغة التأثير استراتيجيا دون أن يقتصر على ضربة محدودة لا تغير في المشهد شيئاً وتكون استعراضية أكثر منها استراتيجية.

وهنا يُطرح السؤال المركزي: هل أميركا ستنفذ تهديدها وتعتدي على سورية ومَن معها من روس وإيرانيين؟ ثم ما هي السلوكيات المحتملة من قبل الأطراف التي سيُعتدى عليها؟

قبل أن نعتمد فرضية العدوان الأكيد، فإننا لا نستبعد أن يكون ما تقوم به أميركا من تجييش وتصعيد في المواقف يهدف للضغط على روسيا لإجبارها على الدخول في تسوية في سورية لا تراعي الواقع الميداني ولا تترجم الإنجازات العسكرية والانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري، تسوية تشكل حلاً وسطاً بين مهزوم لا يقرّ بهزيمته ومنتصر يُراد له أن لا يستثمر انتصاره.

بيد أن هذا الأمر لا يبدو يسيراً، ولا يمكن لمعسكر الدفاع عن سورية قبوله أو الإذعان له، لأنه من غير المنطق أن يذعن المنتصر للمهزوم ويتنازل له عن انتصاره خوفاً من غضبه وحربه، ولذلك نستبعد قبول روسيا وسورية وإيران بهذا الأمر ونتجه إلى احتمال السيناريو الثاني.

ويمكن أن تعتمد أميركا هذا السيناريو إذا وجدت أن التصعيد والتهويل لن يجديا نفعاً ولن يرضخ معسكر الدفاع لطلباتها ورغباتها المذكورة أعلاه تحت عنوان أسباب التصعيد، فقد يكون الذهاب إلى الميدان سلوكاً يتبع ويترجم بقصف المطارات والمراكز العسكرية السورية خاصة تلك التي تحوي السلاح النوعي الجديد والمتطوّر من طيران ودبابات وصواريخ ومدفعية، قصفها بشكل تدميري عنيف يؤدي إلى إخراجها من العمل وحرمان سورية من قدراتها الهجومية ما يُضطر الجيش العربي السوري، حسب الرغبة الأميركية للتوقف عن متابعة عملياته التطهيرية الهجومية خاصة في الجنوب والشمال. وهذا ما نعتقد أن بولتون عناه أو ألمح إليه بعبارة الضربة القوية ذات التأثير الاستراتيجي الكبير. وتعقب هذا الأمر دعوة الى حل سياسي يكون بصيغة السيناريو الأول، ولكن هذه المرة ليس تنازلاً من سورية، بل عجزاً منها عن الرفض، كما ترى اميركا.

ونكتفي بهذين السناريوين دون إشغال المتابع بالسناريو الثالث الذي يترجم احتلالاً واسعاً، لأنه سيناريو فيه من الوهن ما يكفي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى