العتمة محتّمة… جهزوا القناديل

صدى وادي التيم – لبنانيات/

تتوالى الأزمات والضغوط الاقتصادية والمعيشية والمالية على اللبنانيين، الذين وإن اعتادوا التقنين لسنوات طويلة، ودفع فاتورتين للكهرباء، إلا أنهم يقفون اليوم أمام تحدٍ جديد، لم يعد في الواقع عنوانه التقنين، إنما بات العتمة الشاملة والعودة الى العصور الحجرية.

مع شح الدولار وعدم التمكن من تأمينه، وتراجع احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية ما يقارب المليار دولار، يجد “المركزي” نفسه مضطراً الى إعادة جدولة الأولويات. من خياراته المطروحة، الحدّ من دعم المحروقات، وهذا يعني بكل بساطة إما زيادة ساعات تقنين الكهرباء، وإما رفع الفاتورة لتأمين المحروقات لمعامل الإنتاج التي تعاني من وضع مزرٍ، وإما لا كهرباء.

لكنّ المشكلة لا تقتصر هنا على “كهرباء الدولة”، الغائبة أصلاً معظم الوقت عن المنازل، إنما تتعداها الى المولدات الخاصة التي ستعمد بدورها الى التقنين، أولاً لعدم قدرتها على تعويض الفارق، وثانياً لأنها تحتاج الى المازوت كي تعمل، بينما المازوت يحتاج الى الدولار، والدولار إما رهينة وإما سيكون قد طار.

باختصار، العتمة صارت واقعاً، بانتظار ساعة الصفر، فكيف سيكون وضع الكهرباء في الانهيار، خصوصاً أنه في أيام العزّ كان كارثياً؟

يذكّر الخبير في الصناعة النفطية المهندس ربيع ياغي بألا طاقة انتاجية كافية للكهرباء، اصلاً. فالبلد بحاجة الى 3000 ميغاواط يومياً ليتمكن من الإضاءة 24/24، بينما لا يتعدى الإنتاج الـ1800 ميغاواط مع البواخر المستأجرة، وفي حال انسحبت هذه الأخيرة، لن يتعدى انتاجنا الكهربائي الـ1500 ميغاواط يومياً، وهذا الواقع يشكل بحد ذاته العنوان الرئيسي: “عجز ونقص في الإنتاج، بغض النظر عن رفع الدعم”.

يجدد التأكيد في حديث إلى موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، أن الدعم ليس للكهرباء، إنه للمحروقات، مبدياً أسفه، لأن لبنان لا يزال في القرن الـ21، يستعمل الفيول والديزل لينتج كهرباءً من معامل مهترئة. يضيف، “لا طاقة انتاجية كافية ولا مخزون استراتيجياً من المحروقات يكفي لشهرين ثلاثة، كما في كل دول العالم التي تستورد النفط، لإنتاج الطاقة المطلوبة بحدها الأدنى. لم يعد الموضوع يتعلق برفع الدعم إنما بتمويل مصرف لبنان استيراد المحروقات لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، بغض النظر عما إذا كان ذلك بالدولار أم بالليرة اللبنانية”.

يشدد ياغي على أن كل استراتيجية الطاقة وانتاج الكهرباء في لبنان مبنيان على سوء إدارة وخطأ، مشيراً الى أنه لو كان للقيمين على مؤسسة كهرباء لبنان أو وزارة الطاقة حسّ بالمسؤولية، لكانوا أنشأوا خلايا أو معامل للطاقة موزعة على المناطقة اللبنانية، تكون قادرة على تخفيف الضغط على المعامل الرئيسية، لكن للأسف لا استراتيجية واضحة ولا رؤية مستقبلية، “وكل الشغل بلبنان واداراته الرسمية وعلى رأسها الكهرباء، تقوم على أساس كل يوم بيومه، بلا خطط”.

ويؤكد ياغي أن الإنتاج برمته سيتوقف اذا لم يتمكن لبنان من تأمين قطع الغيار والفيول والديزل، ويضيف، “اعتدنا على التقنين منذ سنوات طويلة، وعلى الرغم من كل الوعود والشعارات التي كانت تطلق وتزرع على الطرقات من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، بكهرباء 24/24، بقينا من دون كهرباء وتعرضنا لحفلة كذب ونفاق وضحك على اللحى”، لافتاً الى أن البلد منهار وعلى رأس هذه الانهيارات كهرباء لبنان التي كلّفت الدولة 50 مليار دولار خلال السنوات العشرين الماضية.

يفنّد ياغي مكامن العجز وصرف الـ50 مليار دولار، إذ ذهب 15 الى 20 بالمئة من سعر المحروقات المربح الى الموردين، وبلغ الهدر بالإنتاج وشبكة توزيع الكهرباء المهترئة بين 15 و20 مئة، واليوم، وبعد تثبيت مقولة “حارة كل من إيدو إلو”، لا محولات لدينا، بعدما كانت منذ سنتين “يا مين يشيل”.

ويوضح ياغي أننا لا نملك كهرباء اليوم، وبالتالي لا فائدة من الحديث عن تقنين، إذ، بحال حصل الانقطاع، فسيكون كلياً لأنه، إضافة الى الفيول، إذا لم نتمكن من تأمين قطع الغيار، فإن المعامل ستتوقف، مضيفاً، “هم بشرونا بالتقنين لكننا في الواقع، سنعود الى القرون الوسطى والشمعة والسراج، والعتمة التي نعيشها هي بكل بساطة سياسية وأخلاقية”.

 

رئيس تجمع شركات مستوردي النفط جورج فياض، يلفت بدوره، الى أن هذه الشركات تؤمن للسوق المحلي مادتي البنزين والمازوت، ولا علاقة لها بقطاع الكهرباء وبضاعته وموارده، لأن كهرباء لبنان هي التي تجري مناقصاتها الخاصة، لكنه يشير الى أن هذه الشركات تؤمن المازوت للمولدات الخاصة التي تنتج الكهرباء، ما سيخلق مشكلة كبيرة بـ”التغذية الخاصة”، إذا رُفع الدعم عن المازوت، لأن تأمين الكهرباء مرتبط بكل القطاعات الإنتاجية والصناعية.

ويذكّر في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني أن مصرف لبنان هو الذي يؤمن لنا “دولار المواد النفطية”، وفي حال امتنع عن ذلك، فسيكون الوضع كارثياً، إما إذا أمنت العملة الخضراء على الـ3900 ليرة، فسيكون الوضع اقل قساوة، إذ ترتفع الأسعار ويبقى المازوت مُسهلاً.

ويلفت فياض الى أن الشركات المستوردة تحتاج يومياً الى 10 ملايين دولار، فكيف ستتمكن من تأمين هذا المبلغ الكبير fresh money، مع شح الدولارات وعدم توفره في السوق، واصفاً الوضع بالكارثي، إذا لم تتمكن الموتورات الخاصة من تلبية حاجة المواطنين الكهربائية.

ولكن، ماذا عن تأمين الدولار من السوق السوداء، لتأمين المازوت وبيعه للقطاع الخاص بأسعار جنونية؟

يقول فياض، إن عمل شركات استيراد النفط تأمين هذه المادة، وستكون هناك مشكلة كبيرة لناحية ارتفاع الأسعار والحصول على الدولار النقدي، متمنياً لو يتمكن المركزي من تأمين الدولارات حتى لو على 7 أو 8 الاف، لأن ذلك يبقى نصف مصيبة، إذ على الرغم من ارتفاع الاسعار، ستبقى البضاعة متوفرة في السوق، ويصبح الحل، في ظل هذه الأوضاع السيئة، بكيفية مؤامة مدخول المواطن مع مصروفه واستهلاكه.

ويسأل، “إذا كانت كهرباء لبنان تُخسّر الدولة سنوياً ملياري دولار، فكيف سيتم تعويض ذلك”؟، مشدداً على أن الصورة بشعة وغير مشجعة، “ولا أدري كيف سيتمكن المواطنون من تحمل ذلك”.

نجاة الجميّل – موقع القوات اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى