ستيفاني مزهر(31 عاماًَ) أرتدت كمامتين خوفاً على والدتها…لكن كورونا أودى بحياتها
لم يكن أحد يتصوّر أن هذه المعركة ستنتهي بهذه النهاية القاسية، لقد خطف كورونا الكثير من الأرواح، وفي الآونة الأخيرة بدأ يخطف شباباً وصغاراً.
هي التي كانت تخاف أن تلتقط العدوى خوفاً على والدتها التي تعيش معها، أصيبت بالفيروس فخطفها من عائلتها وأصدقائها.
لم تصمد ستيفاني مزهر ابنة الـ31 عاماً كثيراً أمام #كورونا، انتهت معركتها باكراً وخلّفت وراءها حزناً ووجعاً كبيرين.
جسدها الذي حاول الصمود استسلم فجأة، كانت رئتاها في حالة سيئة، ضاقت بها الحياة ولم يعد الأوكسجين يجد سبيلاً للوصول إلى جسدها.
ما جرى مع ستيفاني غريب، تدهورت حالتها سريعاً، أسئلة كثيرة يحاول شقيقها البحث عنها، يصعب عليه تقبل هذه الخسارة التي ألمّت بهذه العائلة. كانت في عز صباها عندما أطفأ هذا الفيروس شمعتها، غريبة هذه الحياة، الشابة التي كانت حريصة دوماً على الوقاية واتخاذ أقصى إجراءات الحماية وجدت نفسها ضحية عدوى لم تعرف مصدرها.
صورتها التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، وضحتكها التي تبعث الأمل، تكشف حجم الخسارة لعائلة مزهر. كلمات أصدقائها وكل من عرفها مؤثرة وموجعة، ومع ذلك لم يرحمها الفيروس كما لم يرأف بحال أرواح كثيرين. غامض وغدار، هكذا هو وهذا ما يصعب علينا استيعابه أو تقبله.
يتحدث روجيه مزهر شقيق ستيفاني عما جرى، يقول لـ”النهار العربي” إنه “لم نكن نتوقع أن تُصاب ستيفاني بكورونا، لقد كانت شخصاً متيقظاً وحذراً جداً، تلتزم بأقصى درجات الوقاية، ترتدي كمامتين وتعقّم كل الأغراض لحظة دخولها إلى المنزل خوفاً على والدتي التي كانت تعيش معها. لم تكن تخاف على نفسها بقدر خوفها عليها، لم نعرف كيف التقطت العدوى، إلا أنها ككل مريض التزمت بالحجر ومتابعة حالتها مع طبيب. لم تكن الأدوية التي كانت تتناولها تساعدها في التحسن، فقررت استشارة طبيب آخر وصف لها أدوية أخرى وفحوصات دم وصورة للرئتين.
ويضيف “كانت ستيفاني تلازم المنزل إلى ليل الثلثاء حيث عانت من هبوط في الأوكسجين، اتصلنا على الفور بالصليب الأحمر الذي نقلها الى أقرب مستشفى. رفض المستشفى الأول استقبالنا بحجة عدم وجود سرير لها، ولكن نتيجة هبوط الأوكسجين إلى 73 وافق المستشفى على وضع الأوكسجين لها في الطوارئ، وكنتُ في المقابل أواصل اتصالاتي مع وزارة الصحة والمتابعين لإيجاد سرير لها في أي مستشفى. علماً أن المستشفى طلب 20 مليوناً ولم نرفض طلبهم، إلا أن ردهم الوحيد “بدنا نشوف كيف بدنا نأمن تخت”. وبعد توسلات وبكاء ووساطات من هنا وهناك، توصلنا إلى إيجاد سرير في مستشفى عثمان – كترمايا”.
كان على ستيفاني الانتظار في غرفة الطوارئ من الساعة 2.30 فجراً إلى العاشرة والنصف صباحاً حتى يصل الصليب الأحمر وينقلها إلى مستشفى عثمان. بقيت في غرفة عادية لمرضى كورونا، وبدأت تتحسن حالتها ومتابعتها بعد إجراء فحوصات دم وصورة للرئتين، ولكن فجأة بعد أسبوع على وجودها في المستشفى تدهورت حالتها تدهوراً سريعاً وصادماً.
يسترجع شقيقها روجيه تلك اللحظات، قائلاً: “كانت حالتها تتحسن، حتى أنهم قالوا لنا إنه إذا بقيت في تحسن دائم فستخرج قريباً من المستشفى. إلا أن ذلك لم يحصل، زادت حدّة الالتهابات فجأة على جسدها وعلى رئتيها الممتلئتين بالماء. تلقيت اتصالاً يبلغني أن حالتها تدهورت وسيتم إدخالها إلى العناية الفائقة لوضعها على جهاز التنفس الاصطناعي. وفي الليلة نفسها توفيت ستيفاني، ولم نتبلغ بوفاتها إلا في اليوم التالي عندما اتصلنا للاطمئنان عليها”.
يستغرب روبير ما جرى معهم، “اتصل أحدهم بالمستشفى وقال إنه من الأقارب، وما زلنا لا نعرف من هو، ليتبلغ بوفاة ستيفاني من دون أن يتصل أحد بنا لإعلامنا. ونحاول اليوم معرفة هوية الشخص، إلا أننا لم نتوصل بعد لمعرفته. هذه الحادثة كانت بمثابة فاجعة أخرى، فنحن لم نعرف بوفاتها إلا في اليوم التالي، تدهورت حالتها سريعاً وفي اليوم ذاته من دخولها العناية توفيت في الليلة نفسها”.
يصعب على شقيقها فهم ما جرى للوصول إلى هذه النهاية المأساوية، حسب ما قال له الأطباء “إن الالتهاب اشتد فجأة ولم تتحمل رئتاها وجسدها وتوفيت”. تخونه الدموع، ليس سهلاً أن تخسر شقيقة في عز صباها، الوجع ما زال كبيراً والجرح “بعدو عم ينزف”.
وفي ختام حديثه، يتوجه روجيه برسالة إلى كل الناس: “ما حدا بموت من الجوع، كل شي بيرخص أمام فقدان شخص عزيز على قلبك. اختي راحت صبية، وأول مستشفى نزلنا عليه بيحكيني بالمصاري، مين سئلان عن المصاري المهم تلاقو مطرح لإختي. يلي صار معنا كسرنا كتير، وبعد في ناس مستهترة ومش مصدقة وبدا تروح تسهر وتعيش حياتها”.
كيف يشرح الطب حالة ستيفاني؟
عداد الوفيات بكورونا يواصل ارتفاعه، ويخطف أرواحاً شابة أكثر فأكثر. لكن كيف نُفسر طبياً ما جرى مع ستيفاني، ولماذا تدهورت حالتها بهذه الطريقة؟
يشرح رئيس قسم الأمراض الصدرية والعناية الفائقة في مستشفى المقاصد وطبيب معالج في مستشفى عثمان الذي عالج ستيفاني الدكتور عثمان عيتاني أن “ما يؤدي إلى وفاة المريض بالكورونا ليس الكورونا نفسه بل ردة فعل الجسم عليه، وهذا ما حصل مع ستيفاني، حيث قام جسدها بردة فعل قوية برئتيها التي تحولت “إلى بيضاء بالكامل”، ولم يعد مجال لدخول الأوكسجين إليهما. وبرغم من وضعها على جهاز التنفس الاصطناعي لم تتجاوب الرئتان وبقيت نسبة الأوكسجين منخفضة”.
وأضاف: “كانت حالتها تسوء رويداً رويداً، وبرغم العلاجات التي خضعت لها لمنع تطور حالتها إلا أنها لم تستجب، وفجأة تدهورت حالتها سريعاً. وتعتبر حالة ستيفاني نادرة، لأنه إجمالاً يُتوفى مريض الكورونا نتيجة التهاب رئوي أو ضعف في عضلة القلب وتوقف القلب أو فشل كلوي. في حين أن نسبة الأوكسجين لم ترتفع برغم جهاز التنفس الاصطناعي، وعانت ضغطاً في الرئتين ووفاتها كانت نتيجة عاصفة السيتوكين”.