اقتصاد 2021… هذا ما يجب فعله للنجاة من الحرب

 

صدى وادي التيم – إقتصاد/

في كانون الأول من العام الماضي، أعدّت مجموعة من الخبراء مقالاً بحثياً عرضنا فيه الخطوات الضرورية لوقف الأزمة التي كانت قد بدأت بالخروج إلى العلن. وحذّرنا، في فقرة من المقال، من عواقب التقاعس. بعد عامٍ، تحققت أسوأ مخاوفنا. فنحن نشهد الآن على انهيار كارثي. ففي عام 2020، سجّل الاقتصاد اللبناني انكماشاً بنسبة 25 في المئة؛ وخسرت الليرة 80 في المئة من قيمتها؛ وارتفعت الأسعار الاستهلاكية بنسبة 120 في المئة، ما تسبب بتقويض القدرة الشرائية الحقيقية للطبقة الوسطى. وقد ترتبت عن الأزمة تداعيات اجتماعية خطيرة إذ بات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.

 

وفي غضون ذلك، انفجرت الدولة من الداخل وباتت عاجزة عن تأمين الخدمات العامة الأساسية في وقتٍ البلاد هي بأمس الحاجة إلى جهاز حكومي فاعل بسبب تفشّي جائحة “كوفيد 19”. سياسياً، يسيطر الشلل، ويشتد التطرف المذهبي، ويتحوّل العنف والاضطرابات المدنية إلى مظاهر شائعة، ويتخذ الغضب في الشارع منحى عدَمياً. يهاجر الشباب والعمّال الماهرون، وتنهار القدرة الإنتاجية المادّية سريعاً وبصورة دائمة، مع ما يترتب عن ذلك من تداعيات وخيمة على إمكانات النمو في المدى الطويل.

 

الواقع المؤسف هو أن الأسوأ لم يصبح وراءنا. ففي غياب الإجراءات التصحيحية، ثمة ما يدعو للاعتقاد أن الوضع سيستمر في التدهور. أولاً، من الواضح أن منظومة الدعم الفوضوية وغير الفاعلة ليست مستدامة. فالأموال اللازمة للدعم (التي تُقدَّر بـ7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) غير متوافرة، فضلاً عن أن الاعتماد على احتياطي المصرف المركزي لاستيراد السلع المدعومة سوف يؤدّي إلى الاستنزاف التام للاحتياطي بحلول نهاية سنة 2021. عاجلاً أم آجلاً، سوف تنتهي منظومة الدعم، وسوف تسجّل الأسعار المحلية للسلع المستوردة ارتفاعاً هائلاً. ثانياً، من المتوقّع أن يُسجّل العجز المالي للحكومة زيادة كبيرة في سنة 2022، وسوف تؤدّي سياسة مصرف لبنان القائمة على طبع الليرة لتمويل العجز إلى ارتفاع التضخم ومزيد من التدهور في قيمة الليرة. ثالثاً، لا يمكن أن تستمر عملية الليرلة (التي يسحب المودعون بموجبها ودائعهم الدولارية بالليرة اللبنانية)، لأنها تقف خلف الزيادة الطائلة في الكتلة النقدية. في مرحلة ما، لا بد من فرض سقوف على السحوبات بالليرة. وسوف تقود العوامل الثلاثة مجتمعةً إلى انفجار اقتصادي مستمر، وإلى زيادة التضخم، وتدهور حاد في قيمة العملة المحلية. والتداعيات السياسية والأمنية لهذا الانفجار بديهية بما لا يرقى إليه الشك.

 

هل فات الأوان لوقف الكارثة؟ بالطبع لا. الخطوط العريضة للخطوات التي يجب القيام بها معروفة تماماً. لا شك في أنه كلما أسرعوا في تشكيل الحكومة، كان ذلك أفضل. إضافةً إلى ذلك، وهذه نقطة بالغة الأهمية، يجب منح الحكومة الجديدة صلاحيات طارئة. فهي لا تملك ببساطة الوقت الكافي للتفاوض على ما سيُطلَب منها القيام به ضمن المنظومة السياسية البيزنطية في لبنان. على الحكومة إذاً أن تعلن عن خطة طوارئ لتحقيق الاستقرار ممتدة لمئة يوم، وقوامها خطوات حاسمة في المجالَين المالي والنقدي وعلى صعيد سعر الصرف، بما يؤدّي إلى وقف التدهور على الفور.

 

ثم يمكن استخدام خطة الطوارئ لطلب المساعدات الرسمية الدولية تحت مظلة برنامج يضعه صندوق النقد الدولي. لم تعد هناك حاجة إلى مبالغ ضخمة، إذ يكفي تأمين رزمة من المساعدات الخارجية بقيمة 3 إلى 4 مليارات دولار لتعويم الاقتصاد لمدّة عام كامل. ولكن تحقيق الاستقرار ليس كافياً. نحتاج أيضاً إلى برنامج لإعادة الهيكلة يعالج المسائل المتعلقة بالديون، والنظام المصرفي، ومصرف لبنان، وهيكلية المالية العامة ومؤسسات الدولة، لا سيما مؤسسة كهرباء لبنان. لا شك في أن إعداد البرنامج سوف يستغرق أكثر من ثلاثة أشهر. ولكن ينبغي على الحكومة أن تبادر، في غضون المئة يوم الأولى، إلى العمل بصورة واضحة ومنهجية على وضع خريطة الطريق الضرورية لإعادة الهيكلة إلى جانب خطوات محددة وأهداف قابلة للتحقيق.

 

كتبتُ مؤخراً مقالاً بعنوان “مأساة التقاعس”. لقد عاش أبناء جيلي صدمة الحرب الأهلية ويُطلَب من شباب اليوم أن يشهدوا على انفجار مسبّب لصدمة مماثلة. إذا لم نتمكّن من مواجهة اللحظة الراهنة معاً، سوف تترتب عن ذلك تداعيات وجودية وخيمة.

 

النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!