كانون الأول 2020: جهنّم كهربائية
أسابيع معدودة تفصل المشهد الداخلي عن الانفجار الكبير. وصفه رئيس الجمهورية ميشال عون بـ”جهنم” كون نيرانه ستأكل الأخضر واليابس. فأن يبلغ احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة، قاع الإفلاس، ليس تفصيلاً بسيطاً، ولا يمكن معالجته بين ليلة وضحاها. تداعيات هذا الإفلاس ستكون وخيمة وكارثية على كلّ الصعد.
ينذر مصرف لبنان بوقف الدعم عن المواد الأساسية، أي القمح والنفط والدواء، لكنّ الأضرار ستطال كلّ القطاعات، وستقلب المشهد الداخلي رأساً على عقب. وما يزيد من سوداوية الصورة، هو حالة الاستهتار التي تغلب على سلوك مؤسسات الدولة مع الاستحقاقات المقبلة، بحيث يكتفي القيّمون عليها بتقاذف الاتهامات والمسؤوليات من دون أن يبادر أيّ منهم إلى تقديم معالجة أو حلّ.
يكفي أنّ مبنى مؤسسة شركة كهرباء لبنان تحوّل إلى شاهد مشوه على جريمة الرابع من آب وقد تضرّرت كلّ المكاتب. ولم يكلّف وزير الطاقة في الحكومة المستقيلة ريمون غجر نفسه القيام وإن بزيارة تفقّدية للمبنى للاطلاع على الأضرار التي وقعت، والتي قد تكون عواقبها وخيمة.
تتحدّث معلومات خاصة لـ”أساس” عن إتلاف آلاف المستندات والوثائق، وعن دخول سمسرات على الخطّ لتأمين مستندات بديلة للمشتركين، ما زاد من حدّة الفوضى الحاصلة أصلاً في المؤسسة. ولا من يسأل ولا من يحاسب.
ومع ذلك، المصيبة ليست هنا. وإنما في العتمة الشاملة التي تنتظر اللبنانيين جرّاء أكثر من استحقاق يواجه قطاع الطاقة.
– الاستحقاق الأول يتجلى في انتهاء عقد شركة “سوناطراك” نهاية العام الحالي، فيما لا مؤشرات جدية على وضع وزارة الطاقة دفتر شروط جديد. في الأساس: أيّ شركة في العالم ستغامر بالاتفاق مع دولة مفلسة تبحث عن الدولار من غيمة؟
– المستحقات تتراكم على الدولة اللبنانية لمصلحة الشركة التركية المالكة لبواخر إنتاج الطاقة، ما قد يدفع الأخيرة إلى مغادرة الشاطىء اللبناني في أيّ لحظة إذا ما عجزت الخزينة العامة عن تسديد ديونها.
– أيضاً تتراكم كلفة عقود الصيانة والتشغيل لمعامل الإنتاج في الزهراني والجية ودير عمار، وهي مستحقات بالعملة الأجنبية.
– ينتهي عقد امتياز كهرباء زحلة نهاية العام الحالي. الأهم من ذلك أنّ خيار التجديد وفق الشروط القائمة حالياً غير مقبول لأنّه مجحف بحقّ الخزينة العامة. وخيار التوقف يعني انضمام زحلة إلى باقي المناطق المنكوبة كهربائياً. كذلك الأمر في ما خصّ امتياز كهرباء جبيل الذي ينتهي في كانون الأول المقبل.
وفق المعنيين، فإنّ رفع الدعم عن الفيول سيدخل البلاد في المجهول كون كلّ القطاعات الاقتصادية، والاستشفائية، والتعليمية، والصناعية، والسياحية مرتبطة بهذا القطاع، مشيرين إلى أنّ “الاعتراضات التي تسجّل على رفع الضريبة على القيمة المضافة، في غير محلها. لأنّ ما بلغناه من فوضى مالية واقتصادية يتجاوز رفع الضريبة على القيمة المضافة، بعدما تخطّى سعر صرف الدولار ثمانية آلاف ليرة لبنانية، وقد يتجاوز العشرة آلاف وأكثر… ولو أنّ لبنان قَبِل شروط صندوق النقد الدولي، وإن كان من بينها رفع سعر صفيحة البنزين ورفع الضريبة على القيمة المضافة، لكان في المقابل حصل على بعض الدعم المالي. أما الآن، فقد وقعنا في المحظور من التدهور المالي ولكن من دون أيّ مقابل”.
فوق هذا كله، يغيب وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال عن السمع، فيما كان ينتظر أن يشكّل خلية أزمة تحاول أقله وضع تصوّر للتخفيف من آثار الارتطام المرتقب حصوله قريباً.
كانون الأوّل سيكون “جهنّماً” كهربائياً.
المصدر:أساس ميديا