مشروع “طوران العظيم”.. خطة تركية لإستعادة الأراضي العثمانية
صدى وادي التيم – من الصحافة العالمية
منذ أن دخل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في السياسة، العام 2003، كرئيس للوزراء، قامت منافسة سياسية قوية بين قوى سياسية مختلفة في البلاد. وكانت أحدها حزب “الحركة القومية التركية” التي يتزعمها دولت بهتشلي، في وقت شهد حزب “العدالة والتنمية” خلافات داخلية بشأن موضوع التوجه السياسي الذي يجب أن تتبعه تركيا، وكان عبد الله غول وأحمد داود أوغلو من أبرز هذه الشخصيات فهم أرادوا بأن تكون دولة ذي توجه ديمقراطي تحترم حرية التعبير؛ ولكن بسبب سياسيات الرئيس أردوغان التي كانت سبب بالكثير من الإعتقالات، استقال كل من غول وأوغلو وشكلوا أحزاباً جديدة لهم.
وعندما شعر الرئيس التركي بالضعف بسبب الهجوم القوي عليه من قبل أحزاب المعارضة التركية الممثلة بحزب الشعب الجمهوري، رأى بأن الحل الوحيد أمامه هو التحالف مع “الحركة القومية” في الإنتخابات كونه يمتلك فكراً متطرفاً يتمثل في بناء دولة على أسس قومية بالإضافة إلى التحالف مع الدول التي كانت تدور في فلك “دولة طوران” ذات الأصول التركية، وهو ما ترك أثراً عميقاً على السياسة الخارجية التي تغيرت فيما بعد، وتغير معها الخطاب الرئاسي من ديني إلى قومي.
من هنا، ساهم الخطاب القومي الجديد للرئيس أردوغان في كسب قاعدة شعبية أكبر بين شرائح داخلية مختلفة مؤيدة للحرب التي وسعها الجيش ضد مسلحي “حزب العمال الكردستاني” من خلال ترديد شعارات “وطن واحد شعب واحد” وشعار “الأمة لن تهزم والوطن لن يُقسم”، والتأكيد على ضرورة الإجماع على محاربة “خونة الوطن” أو خونة القومية التركية. وبالطريقة نفسها، تمكن أيضاً من ضمان دعم شعبي واسع لعملية “درع الفرات” والتي تهدف إلى ضرورة “حماية الحدود التركية من تنظيم داعش الإرهابي” وتدمير مخطط الممر الكردي الذي يعتبر بمثابة خطر كبير على الأمن القومي ويهدد بتقسيم البلاد، وبأن هذا المخطط تم صناعته في دوائر الإتحاد الأوروبي، هذا الأمر يقرب الرئيس التركي من حزب الحركة القومية المناهض للإتحاد الأوروبي أو تشكيل أية تحالفات سياسية أو اقتصادية معه حيث يرى وجوب التحالف بين كل دول “طوران” على كافة الأصعدة بما فيه مصلحة البلاد.
إن الطورانية حلم يراود جميع الدول المنحدرة من أصول تركية ولديها صلات تاريخية بالسلطنة العثمانية وصولاً إلى تركيا الكمالية والأردوغانية. ويتمثل هذا الحلم بتحقيق إمبراطورية تركية عظمى تمتد من القسطنطينية حتى أبواب روسيا والصين، وبلاد فارس والدول العربية، ويكون لديها ثلاثة منافذ بحرية، وهي بحار قزوين والأسود والمتوسط، وهذا المشروع الذي يحاول إشهاره حزب الحركة القومية في الأوساط التركية من أجل التأثير على السياسة الخارجية وعلى القرارات الهامة لكون الفكر القومي يسهل إستعماله.
بالنسبة إلى الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال (1989 – 1993)، فلقد رفع شعار مشروع طوران الكبير هو من بحر الإدرياتيك إلى سور الصين، وهو هنا يشير إلى الحدود الجغرافية التي تمتد فوقها الأقوام التركية التي يجمعها العرق والتاريخ واللغة، وهذه النزعة القومية التركية تسمى بالطورانية نسبة إلى إقليم طوران في وسط آسيا، حيث يجعلونه منبع الشعوب التركية التي إنتقلت غرباً في هجرات متتالية واستقرت في الأناضول، ولها جذورها التاريخية بالإضافة إلى امتداداتها ومظاهرها المتعددة في الوقت الحاضر في أوزبكستان وطاجكستان وداغستان وأذربيجان وكازاخستان ودول أخرى.
لم يكن الشعور بالطورانية سائداً في الدولة العثمانية حتى العام 1908، وقد حاول الأوروبيون صرف إهتمام زعماء الباب العالي عن أوروبا وتوجيهه نحو آسيا لا سيما حينما اقترح هيلموت فون مولتكه، القائد العسكري الألماني الذي شغل منصب مدرب للجيش العثماني في العام 1842، نقل العاصمة من إسطنبول إلى قونيه أو أحد المراكز الأخرى في الشرق زاعماً أن ذلك سيمكن الإمبراطورية من الإنبعاث من جديد في مناطق أكثر ملاءمة. في المقابل، لم يكن لدى الباب العالي الإمكانية لقبول الأمر بسبب المشكلات الداخلية والخارجية، كما أن الجيش العثماني لم يكن قد مني بالهزائم العسكرية المتتالية من قبل الغرب.
وقد ذُهل المستشرق المجري، أرمينوس فامبيري، بعد وصوله إلى القسطنطينية في مهمة دراسية العام 1856، عندما رأى أن العثمانيين لم تكن لديهم أية معرفة بالعلاقة العرقية بين الشعوب الطورانية. فقد كان العثمانيون يعدون أنفسهم أمة إسلامية وحسب، ولكن هذا الفكر تم صناعته في الغرب كبديل للفكر الإسلامي الذي كان منتشراً في ذاك الزمن ضمن الدول العثمانية، وقد نجح هذا الفكر بالوصول إلى عقول بعض الشباب الأتراك بعد الحرب العالمية الثانية ونشوء دول، مثل ألمانيا النازية.
وفي العام 1938، عاد نوري باشا، الذي يسمى “بطل القوقاز”، من ألمانيا إلى تركيا داعياً للتحالف مع الفوهرر أدولف هتلر، وقد أنشأ مصنعاً حربياً بتقنية ألمانية إفتتحه معه، في العام 1941، سفير ألمانيا في تركيا فرانز فون پاپ، وظل نوري باشا على تواصل مع وكيل وزارة الخارجية الألماني المسؤول عن تركيا، إرنست ڤورمان، وقد ساعدت ألمانيا النازية تركيا في ذلك الوقت على نشر الدعوة الطورانية في بلدان وسط آسيا، وأنشآ معاً فصيلة “تركستان الشرقية” لأنها كانت ترى في هذا الفكر قوة كبيرة وبأن هذا الفكر سوف يساعد النازية على الإنتشار في بلدان الشرق الأوسط وآسيا.
أيضاً، يعد ألب ارسلان توركيش من أهم الذين ساعدوا في صناعة الفكر الطوراني الحديث، فلقد أسس حزب “الحركة القومية” وبفضله تمت صياغة الفكر الطوراني الجديد. وعلى الرغم من أنه كان يتبنى إيديولوجيا اليمين المتطرف، إلا أنه يحوز على إحترام كل الأطياف السياسية التركية. ولد توركيش في نيقوسيا، بقبرص البريطانية، لأسرة قبرصية – تركية في العام 1917 ويعتقد بأن لديه أصول أرمينية.
يعتبر توركيش ضابطاً عسكرياً ورجل دولة وسياسي ونائب رئيس الوزراء، وإسمه الحقيقي هو حسين فيض الله، وكان من عائلة كوون أوغلو، نجل طوزلالي أحمد حمدي بك وفاطمة زهرة هانم. عاش والداه لأول مرة في قرية يوكاري كوشكرلي، بينارباشي في مقاطعة قيصري. وفي العام 1860، أرسلهما السلطان عبد العزيز إلى قبرص بسبب مشاكل على الأرض. وبعد أن أكمل تعليمه الإبتدائي والثانوي في نيقوسيا، إنتقل مع عائلته إلى اسطنبول من ليماسول، يونيو/حزيران 1933، وإلتحق بالقوات المسلحة.
وبعد تخرجه من مدرسة عسكرية وأكاديمية الحرب، حوكم عسكرياً مع ثلاثة وعشرين شخصاً، أحدهم نهال أتسيز وزكي وليدي توغان وريها أوغوز تركان، بتهمة الأنشطة السياسية في العام 1944 قبل أن يبرَّأ في 29 مايو/أيار 1945، وهو الأمر الذي مكنه من العودة إلى الجيش التركي لأن عقوبته لم تكن تتجاوز العام. وفي العام 1948، تخرج من أكاديمية عسكرية وبعدها أُرسل للولايات المتحدة. هناك، التحق بالأكاديمية العسكرية الأمريكية ومدرسة المشاة. وبين عامي 1955 و1957، شغل منصب الممثل العسكري لتركيا في اللجنة الدائمة للناتو بواشنطن. وخلال تلك الفترة، درس الإقتصاد الدولي. بعدها، تم إرساله إلى مدرسة تختص بالدراسات النووية في ألمانيا، العام 1959. وبعد أن أكمل تعليمه فيها، ترقى إلى رتبة عقيد وعيِّن في قيادة القوات البرية التركية مديراً لمكتب الناتو. من هنا، يُعتقد الكثير من المراقبين بأن دراسته في المانيا أثرت عليه كثيراً، وهناك بنى أفكاره الطورانية المتطرفة إما بسبب إختلاطه مع نازيين سابقين أو إختلاطه مع المفكرين القوميين الألمان. وهناك أيضاً وضع نظريات أخرى بخصوص نشأة فكره السياسي، إذ تشير المصادر إلى وجود رابط كبير بينه وبين فكر الألماني النازي القومي.
لذلك، يعرف حزب الحركة القومية بتوجهه القومي، واستقطابه للفئة المتعصبة للقومية التركية، ويُعد من أشد المعارضين للتعديلات الدستورية التي تمنح الكرد الحقوق الثقافية في البث والإعلام والتعليم وغيرهم، وهو من أشد الأحزاب حساسية وكرهاً تجاه الكرد والأرمن والروس والعرب وغيرهم من القوميات. كما يعرف بمواقفه الرافضة لسياسة الإنقياد لأوروبا والولايات المتحدة، ويظهر ذلك جلياً في التصريحات التي يدلي بها زعيم الحزب الحالي الذي لا يفوت فرصة إلا وينعت فيها أوروبا وأمريكا بالإمبريالية، وبأن أوروبا هي تعمل وفق “مخطط صليبي”، حيث يذكر أنه قال في معرض إنتقاده لمشروع القرار الذي تمت المصادقة عليه من قبل مجلس النواب الإتحادي الألماني المتعلق بأحداث الأرمن العام 1915 حيث قال “إن كانت ألمانيا تريد التعمق فيما يخص الإبادة الجماعية، فلتنظر إلى نفسها، أقل ما يمكن أن نصف الأمر بأنه المضحك المبكي عندما يقوم بلد خرج من ثناياه وحش بحجم هتلر، بإعطاء دروس عن الإنسانية للآخرين”، ويعرف أيضاً دولت بهتشلي بمهاجمته الدائمة على البلدان المسيحية وإستعماله عبارة الصليبين بدلاً من المسحيين.
كيف إكتسب حزب الحركة القومية التركية شعبية كبيرة؟
إكتسب الحزب شعبية كبيرة مع مقتل الطالب القومي أرطغرل دوسون أون كوزو، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، إثر تعذيبه لـ 3 أيام متواصلة، وأعقب ذلك مقتل ثلاثة قوميين آخرين وهم النائب والإعلامي إلهان دارين دادا أوغلو، والنائب غون سازاك، وزير الجمارك آنذاك، والنائب رجب هاشاتلي إثر هجوم استهدفهم، ما أدى إلى تحرك شعبي واسع في السياسة والساحة التركيتين. ويعد أكبر نجاح حققه الحزب كان في إنتخابات 1999، حيث فاز حينها بنسبة أصوات بلغت 17.9%.
وانتقلت زعامة الحزب من توركيش إلى بهتشلي في العام 1999، حيث خاض الحزب انتخابات 1999 بالزعامة الجديدة محققاً نجاحاً كبيراً، وإحتل المرتبة الثانية بين الأحزاب السياسية التي دخلت إلى الندوة البرلمانية.
ويعد أهم تحالف ساعد حزب الحركة القومية في تقوية مكانتها في تركيا هو التحالف الذي تم في عام 2018 مع حزب الحرية والعدالة، قرر الحزبان تشكيل التحالف السياسي بعد إعلان بهتشلي أنّ حزبه لن يرشّح أحداً للانتخابات الرئاسية في 2019 وإنّه سيدعم الرئيس أردوغان. ولاحقاً أشار بهتشلي إلى أن أحد أهم أسباب التحالف هو العمل بروحيّة يني كابي، في إشارة إلى التظاهرة الكبيرة التي شهدتها مدينة إسطنبول في 7 آب/ أغسطس 2017 بحضور زعماء الأحزاب السياسية التركية الرئيسية. والتي عُرفت كرمز للتوافق السياسي بعد محاولة الانقلاب في عام 2016 الذي غيرت تركيا بالكامل وساعدت رجب طيب أردوغان بتقوية مكانته السياسية في البلاد.
ماذا وعد أردوغان بهتشلي؟ وماذا وعد بهتشلي أردوغان؟
من جانبه، وعد بهتشلي الرئيس أردوعان بالمساعدة في الترشح للإنتخابات الرئاسية لعام 2023، في مقابل أن يعمل الرئيس أردوغان وفق مشروع “الحركة القومية” بجعل تركيا مركزاً للمشروع الطوراني الكبير، وأن تتغير أنقرة من بلد أوروبي، بحسب رؤية مصطفى كمال أتاتورك، إلى بلد شبه آسيوي – قومي، وهو ما ترجم من خلال إنشاء “المجلس التركي”.
ما هو المجلس التركي؟ وما هي أهدافه؟
الإسم الرسمي لـ “المجلس التركي” هو “مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية”، وهو منظمة دولية أُسست في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2009 من خلال “إتفاقية نخجوان” ويضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان. وكان الرئيس الكازاخي السابق، نور سلطان نزارباييف، هو أول من طرح الفكرة، العام 2006، لتشكيل كيان يوحد الدول الناطقة بالتركية على غرار تكتلات دولية أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، ومن المنتظر أن تنضم تركمانستان إلى المجلس، وتقع أمانته العامة في إسطنبول والهدف الأساسي منه هو تأسيس مشروع طوران الكبير وبدء بتشكيل تحالف مع عاصمة واحدة وهي إسطنبول. فإذا توحدت هذه الدول، فهذا يعني رسم خريطة جديدة في الشرق الأوسط وآسيا وبناء أقوى تحالف إقتصادي شهده التاريخ بعد الإتحاد الأوروبي.
أما أبرز أهدافه فتتمثل في:
1. تعزيز الثقة المتبادلة والصداقة بين الأطراف.
2. تطوير مواقف مشتركة بشأن قضايا السياسة الخارجية.
3. تنسيق الإجراءات الرامية إلى مكافحة الإرهاب الدولي والإنفصالية والتطرف والجرائم عبر الحدود.
4. تعزيز التعاون الإقليمي والثنائي الفعال في جميع المجالات ذات الإهتمام المشترك.
5. خلق الظروف المواتية للتجارة والإستثمار.
6. تحقيق نمو إقتصادي شامل ومتوازن، وتحقيق التنمية الإجتماعية والثقافية.
7. توسيع نطاق التفاعل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والتعليم والصحة والثقافة والرياضة والسياحة.
8. تشجيع التفاعل بين وسائل الإعلام وغيرها من وسائل الإتصال.
9. تعزيز تبادل المعلومات القانونية ذات الصلة وتعزيز التعاون القانوني.
هل سوف تنضم دول أخرى؟
أعلنت نائب وزير الخارجية الأوكراني، أمينة جبار، عن رغبة بلادها في الحصول على صفة “مراقب” لدى المجلس بهدف طرح قضية ضم روسيا غير الشرعي لشبه جزيرة القرم. وجاءت رغبة كييف هذه كون المجلس يعد منصة دولية يمكن من خلالها طرح القضية خاصة بعد تأزم الأوضاع هناك، وفي ظل تواصل الدعم الروسي للإنفصاليين منذ ضم شبه الجزيرة إلى أراضي الإتحاد الروسي، 16 مارس/آذار 2014. كذلك، هناك دول أخرى تنوي الإنضمام تلك التي يسكنها مواطنون ذوو أصول تركية.
ما هو رأي أربكان بـ “مشروع طوران”؟
يعتبر نجم الدين أربكان أحد أبرز زعماء تيار الإسلام السياسي وأخطر من تحدى قواعد العلمانية الكمالية المتشددة التي حكمت بلاده، وما زالت، منذ أواسط عشرينيات القرن الماضي. نشأ أربكان الثمانيني في كنف الطريقة “النقشبندية”، برعاية شيخها محمد زاهد كوتكو. وبدعم من تحالف طريقته مع الحركة النورسية، أنشأ في العام 1970 حزب النظام الوطني الذي كان أول تنظيم سياسي ذا هوية إسلامية تعرفه الدولة التركية الحديثة منذ زوال الخلافة في العام 1924. ويعد أربكان أحد أساتذة الرئيس أردوغان حيث الأخير، بفضل هذا الحزب، حقق الشهرة في إسطنبول ليصبح والياً لها، لفترة معينة، فيما بعد. وهذه الفترة، ساعدته في كسب شهرة واسعة ضمن الأوساط السياسية وجعلت منه أحد السياسيين الجدد في البلاد.
أيضاً، جمعت الصلة بين كل من أربكان وتوركيش وأردوغان؛ ومع أن الأول كان ذو توجه إسلامي أكثر، إلا أن أسس واحدة جمعت بينهم وهي إنشاء تحالف سياسي بين دول مختلفة. فلقد رأى أربكان بأن التحالف الإسلامي هو أفضل وسيلة لحل مشاكل الأمة ومواجهة الإمبريالية الغربية التي كانت تحاول تدمير وحدة تركيا والسيطرة على مواردها الطبيعة، هذا من جهة. من جهة أخرى، كان توركيش يرى بأن الحل الأمثل هو التوحد وبناء تحالف قائم على أساس القومية والعرق الواحد وليس الدين. ومع إختلاف الرؤى، إلا أن الأساس كان مشتركاً بين الرجلين، حيث توافق أربكان مع توركيش على أن إنشاء تحالف سياسي – إقتصادي، ليس فقط ديني، سيؤدي إلى بناء تحالف إسلامي ينتهي بقيام الخلافة الإسلامية ومركزها إسطنبول.
من هنا، يمكن القول بأن المنشأ الفكري لتوركيش وأربكان كان نفسه وهو الفكر القومي الألماني الذي تأثرا به بشكل واسع، لكنهم قاموا بعملية تغيير تتناسب مع تطلعاتهم وإيدولوجيتهم الخاصة بهم والتي يعمل بها الكثير من السياسيين الأتراك اليوم.
تأثيرات “مشروع طوران” على القوقاز؟
بالنسبة للأرمن والروس، فهم لن يوافقوا على صهرهم ضمن بوطقة تركيا حيث سيمتنعون عن إعطاء أراضيهم لأنقرة، بينما قد يفعل ذلك الآئاريون وبعض الشعوب المسلمة في المنطقة إذ من الأفضل لهم أن يكونوا ضمن مشروع إسلامي بدل من مشروع روسي، على سبيل المثال.
من هنا يصعب التنبؤ بما سيحدث للقوقاز في ظل هذا المشروع خصوصاً وأن أغلب مناطقه هي بعيدة كل البعد عن العمل السياسي الذي يحدث في موسكو، بالإضافة إلى وجدو مشاكل إقتصادية؛ لذلك، إذا لم يقم الكرملين بحلها، فسنرى ظواهر إنفصالية جديدة تصب في مصلحة تركيا.
حتى الآن، توجد منطقة يمكن أن تنطلق منها حرب كبيرة في القوقاز وهي ناغورني كاراباغ، التي يمكن أن تزيد من نسبة الفكر القومي والعرقي في المنطقة وتنشئ مشاكل بين الأعراق والقوميات المختلفة فيه. فمن المعروف جيداً وجود العديد من المشاكل بين شعوب المنطقة. لذلك، قد ترسم هذه الحرب خريطة وسياسات جديدة، والسؤال الكبير لصالح من سوف تكون؛ تركيا أم روسيا.
هل لدى “مشروع طوران” منظمات؟
الجواب نعم. هناك منظمة تسمى طوران وشعارها “إقامة السيادة في منطقة جغرافية تمتد من هضاب ماشار إلى السهول المجرية من سهول سيبيريا إلى الصحاري العربية”، ويقود المشروع درويش رجب فار، وهو مؤسس المشروع ولديه لقاءات مع زعماء القوميات التركية المتخلفة في منطقة القوقاز وبلدان أخرى.
تعتبر هذه المنظمة “منظمة خاصة” ليس لديها علاقة مباشرة مع الأحزاب السياسية المختلفة ولكنها تمتلك نفس الخطة وهو دعم المشروع، والمساعدة بالعمل وفق بنوده، وبناء العلاقات وتقويتها، ونشر الثقافة التركية في البلدان العضو بـ “المجلس التركي”.
*كاتب ومحلل سياسي – روسيا