لبنان الأول في البطالة عربيًّا

صدى وادي التيم-لبنانيات/

“زياد”، يقف اليوم وكلّ يوم، مثلما وقف قبل ثلاثين عاما ويغنّي “شو هالإيام لوصلنالها”، وعلى المسرح يقبع البلد ذاته، الذي ما زالت السيناريوهات ذاتها تليق به، لأنّنا ما زلنا نراوح مكاننا فيه.

 بلدٌ في سنيّ قحطه، وشباب يعافرون السّوء المتفشّي حولهم، والمقدّر عليهم محاربته، بشتّى السّبل المتاحة. أو كما اعتاد اللبناني على مرّ السنين، كانوا يُفكّهون هذا الواقع السلبي في محاولة لتخفيف حدّته، فيمتثلون بواحد من الأمثال التي حفظوها عن أجدادهم، الذين عايشوا ازدهار الليرة، وهم شهدوا انهيارها، بـ “عايشين من قلة الموت”. 

يلخص هذا المثال حجم اللاجدوى الذي وصل إليه هؤلاء، لدرجة التسليم بانحدار الواقع المستمر مع آخر الإحصائيات التي صدرت في تقرير منظمة العمل الدولية منذ أيام، مسجلةً لبنان في المرتبة الأولى عربيا، حيث يعاني الشاب اللبناني من البطالة، خصوصاً من العمر بين ١٨ و ٢٤، بنسبة بلغت ٤٧.٨%.

في ظلّ استمرار التطوّر الفائق للمصائب التي تعصف بلبنان من ٥ سنوات حتى اليوم، كان الوضع يتدحرج ويترفّع أكثر إلى مصافّ الانهيار. فالشباب الذين كانوا يعملون قبل الأزمة، فَقَدَ ٢٧.٧٪ منهم أعمالهم، وبات ٣٠٪ من الذين “ضحك لهم الحظ”، ووجدوا عملاً، يعملون بمعاشات منخفضة جداً. تبدأ بقاعاً بال ٧٠$، التي لا تكفي الموظف بدل نقله من وإلى عمله، في الڤان “اللي مش موفية معه” منذ بدأ الأزمة، والرّاكب “اللي هو بيركض والألف بيركض قدامه”. كما تتأطّر الوظائف فيه في حدود ضيّقة جداً، فيجدون أنفسهم أمام أعداد لا تعدّ ولا تحصى من وظائف مندوبي المبيعات وموظفي المحال التجارية. ويضطرون إلى العمل مع دوامهم الجامعي لتأمين مستلزماتهم فيها. 

كما تزداد الأزمة حدّة في الشمال الذي يعاني بعضه أكثر المشاكل حدّة، حيث يساند البقاع بترك أبنائه له لمواصلة البحث عن عمل خارجه، وصولاً إلى الجنوب الذي يعاني شبابه اليوم مشاكل عديدة اقتصادية لكونه الأقرب لتلقّي نتائج الحرب القائمة في ظلّ كل مقاومته الباسلة. 

ومنه نعود إلى عاهة المركزية، وعاصمة البلاد، التي تجمع تنوّع المشاكل والمداخيل والتفاوت الحادّ بها. فمنهم من تجده يعمل بما يصل حدود ال ١٠٠٠$ شهريًّا وهناك من ما زال يعمل بال ٢٠٠$. 

في تخبّط طبقي ومعيشي، لم يشهد له مثيلًا هذا البلد، على مرّ العواصف التي هبّت وأحرقت وأينعت ثماراً من بعدها، بات معاش الشاب اللبناني يدعه يقف أمام خيارات دقيقة، عادية، وهي من المسلّمات التي يجب أن تكون، حتى بعيداً عن الكماليّات. وبات يفكر أضعاف ما يفعل. فالكتاب، وفنجان القهوة في المقهى، ساندويش الطريق، وجلسة أصدقاء أسبوعية، وتطوع في سبيل الحلم، يحتاجان إلى التفكير في ميزانية الدخل وكيف سيحول القيام بإحداها أمام استمرار المعاش حتى اليوم الثلاثين من كل شهر.

وتبقى علّة المنظمات “الأنجي-أوزية” تتربّع على رأس الهرم، وتشكل الحلم البعيد المريح بالبحبوحة والذي يسعى الشباب له، جاهلين معاييره الصادقة ومتطلباته الفعلية، متنقلين بين قطاعات عديدة، وتخصصات لا تعدّ ولا تحصى.

 وفي ظلّ تفشي التفاهة، وزوال القيم الأساسية التي تحكم سوق العمل، والكفاءات التي عبروها دون اكتراث بها، باتت هذه واحدة من أسوأ معالم هذه الفترة. وبين احتساب كلفة الطريق، والمواصلات.. وبين السعي وراء الأحلام والطموحات.. في بلد يستنزف طاقتك على الاستمرار كل ساعة.. وصاحب عمل بات يشبه البرجوازيين إذا ما كان منهم.. ينسى أن حياة الناس العادية تكلف مثلما تكلفهم حياتهم المعيشية… يواصل الشاب اللبناني سعيه بين منعطفات الأمل البعيد.. في بلد عجزت أمام سلطاته كل النظريات الاقتصادية..

المصدر: مريم أبو خضر -الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى